-->

زلـــــــــزال زيارة بان كي مون


نتج الكثير من الهزات والارتدادات عن زيارة بان كي مون للمنطقة وبالخصوص لعاصمة الصحراء الغربية المؤقتة بئر لحلو، ومن بين ما نتج عن الزيارة يمكن أن نقرأ ما يلي: 

1) إصابة الرباط بالسُّعَارِ 
هذه أول مرة، وربما تكون في الأخيرة، التي تُحدث فيها زيارة للأمين العام زلزالا سياسيا وإعلاميا غير مسبوق في المغرب. فالمغرب السياسي والإعلامي وكل أبواق المخزن أكتشفت، كلها دفعة واحدة في نفس اللحظة، أنها كانت في غيبوبة عميقة، وأن الخطر وصل إلى أبواب القصر، وأن بان كي مون قد أهان المغرب في "مقدساته" وفي ضميره، وأن الحرب قد أصبحت على الأبواب، وان الدونكي خوتي هو بان كي مون، وأن زيارته هي حصان طروادة.. كل المغرب أهتز، وفي أقل من يوم بدأت الأرض تتزلزل، وبدأت السماء تفقد توازنها، وبدأت الفيضانات، وتم توجيه كل الأسلحة إلى شخص الامين العام، وأصبح أكثر عدواة، في نظر المغرب كله، من البوليساريو والجزائر. قامت الساعة في المغرب بسبب زيارة بان كي مون لعاصمة البوليساريو المؤقتة بئر لحلو، وأكتشف المخزن أنه كان غبيا حينما ظن أن العاصمة المؤقتة هي التفاريتي، والتي طلب من الأمين العام أن لا يزورها، وأصبحت بئر لحلو على كل لسان بسبب مشي بان كي مون على بساط أحمر في ترابها وهو تحت حماية قوات صحراوية، ويلتقي لقاءات رسمية مع مسؤلين صحراويين. ولم تسبب زيارة بئر لحلو وحدها هستيريا الرباط بل، حسب الاتهام، بان كي مون أنحنى لعلم البوليساريو مثلما ينحني لعلم دولة عظمى مثل امريكا، وبان كي مون رفع إشارة النصر أو الاستشهاد التي يرفعها الصحراويون عادة حين يلحقون هزيمة نكراء بالمغرب، وبان كي مون أشعل النار في تاج الملك وفي ضميره حين أعلن أنه يتفهم غضب الصحراويين بسبب أحتلال وطنهم. انعقد مجلس وزاري طارئ لمناقشة "إساءة" بان كي مون للمغرب، وتمت مساءلة وزير الخارجية عن القضية، وعن الهزيمة النكراء ألتي الحقها بان كي مون بالمغرب والدبلوماسية نائمة تمضغ العلك، وتم عقد جلسة طارئة للبرلمان بغرفتيه، وتم عزف النشيد الوطني لأول مرة كعلامة على إعلان الحرب، وبكى رئيس الحكومة، وتم دق ناقوس الخطر وجرسه، وتم حشد القوات على الحزام الدفاعي، ويبدو أن الحرب أصبحت وشيكة ضد الأمم المتحدة، ورأس بان كي مون أصبح مطلوبا. 
فالسكوت عن الزيارة ومحاولة تجاهلها في البداية تحولت، هكذا، فجأة وبدون مقدمات، إلى سُعار خطير، ويبدو ان المخزن أخطأ. بسبب السُّعار الآن علم المغاربة كلهم ان بان كي مون زار العاصمة الصحراوية المؤقتة، وعلموا أن حكومتهم أخفت عنهم الخبر خوفا من أنتقاداتهم.. بان كي مون بطل في الحقيقة..
- 2) الجميع- بما فيه نحن الصحراويين- تخلى عن بان كي مون وتركه فريسة للذئب المغربي المسعور
نتيجة زيارة بان كي مون للعاصمة الصحراوية المؤقتة، ورفعه لإشارة النصر أو الشهادة تضامنا مع الصحراويين، وتأكيده الواضح أن المغرب هو دولة أحتلال، جعل المغرب ومخزنه يخرجون عن صمتهم وعن "هدوء" أعصابهم ويعودون إلى طبعهم العادي: رعاع وهمج لا يحترمون أي مبادئ ولا قيم، ويسبون ويشتمون ويخرجون ما يكتنزون في أعماقهم ثقافة الرعاع.. فالتشهير ببان كي مون ونعته بأقبح الأوصاف وحرق صوره وتهييج الشارع ضده بكل ما يعرف من النفاق والسب والكلام البدئ، يجعل من يستمع لهؤلاء يظن انهم على حق، وان الرجل أرتكب في حقهم جرما في حين لا يعدو الأمر كونهم هو المجرمين والمحتلين والسراق واللصوص والخارجين عن القانون.. تم حشد أكبر مظاهرة في تاريخ المغرب ضد بان كي مون، وتم ملء شوارع الرباط بالحناشين واللصوص، وكل هذا للتنديد ببان كي مون فقط، كأنما لا يوجد عداء للمغرب مع أحد ما عدا هذا الشخص. أصبح المسكين، بين غمضة عين وفتحها، فريسة تنهشها الذئاب من كل مكان، وأصبحت صوره تُمزق وتُحرق، وتحول هو العدو رقم واحد إلى المغرب والمخزن والمغاربة. فبسبب ثاقفتهم الساقطة، نسى الناس التظاهرات العادية وتظاهرات الضوء والماء والخبز وتظارهات الأساتذة الذين كانوا يُسلخون ويُسحلون، وهجم الجميع على بان كي مون.. أصبح في وضع الخروف بين الذائاب السياسية والإعلامية المغربية، وتحول إلى فريسة سهلة جرباء لا أحد يدافع عنها، والكل يتفرج عليها.. وللأسف، أنضممنا نحن الصحراويين إلى حشد المتفرجين الصامتين على مشهد الغزال الذي تفترسه الذئاب وحيدا في الغابة.. لم نقم بأية حملة إعلامية أو شعبية تضامنا مع المسكين بان كي مون، أو على الأقل، وهذا أضعف وسائل الاعتراف، حملة لدعمه أو رفع معنوياته وتشجيعه. فالهجمة غير المسبوقة التي قام بها الاحتلال المغربي لتمزيق صورة بان كي مون في أعين العام، وسكوتنا نحن الصحراويين عن مؤازته، قد تجعله هو نفسه، في النهاية، يظن أنه أخطأ في حين أنه كان على صواب.. لا أعرف، واستغرب لماذا لا نقوم نحن الصحراويين بتنظيم وقفات من وقفاتنا الكثيرة تضامنا مع الرجل ورفعا لمعنوياته. وإذا كنا لا نستطيع أن ننظم وقفة تضامنية مع بان كي مون فعلى الأقل نقوم بهجمة إعلامية وسياسية ضد المخزن وتضامنا مع الرجل الذي لم يفعل أكثر من أنه أكد على ما تقوله الأمم المتحدة دائما.. في الحقيقة لا توجد لدينا مواقع الكترونية رسمية وهذا مدهش ومضحك في نفس الوقت، لكن على الأقل تقوم المواقع المستقلة وصفحات التواصل الاجتماعي بالهجمة للتكفير عن ذنب السكوت والاكتفاء بالتفرج.
3) هو لم يأت بحل في غيرصالح المغرب، فلماذا يتم الهجوم عليه؟
الآن بعد أن هدأت معركة رعاع المخزن ضد بان كي مون، وبعد ان انجلى الغبار والدخان، وجف عرق المتظاهرين وهدأ الغوغاء، هل يمكن أن نحدس لماذا هذا الهجوم عليه بهذه الوقاحة؟
هناك، ربما، أكثر من سبب يجعل المخزن وغوغاؤه ورعاعه يهجمون على بان كي مون.. في الواجهة حمل الذين مثلوا دور الذئاب والكلاب يافطة في وجه بان كي مون تقول أنه زار عاصمة البوليساريو المؤقتة، وأنه أنحنى لعلم البوليساريو، وأنه رفع إشارة النصر أو الشهادة تأئيدا للصحراويين، وأنه وصف المغرب بالاحتلال.. هذا كله فقط للتسويق ولإقناع الذئاب بالهجوم على الغزال الأممي للفتك به.. الحقيقة غير ذلك تماما.. البعض منا، بسبب شراسة الهجمة على الرجل، يظن\ قد يخمن أنه سيعرض حلا على الأمم المتحدة في أبريل القادم يكون ضد المغرب. هذا لا يوجد، وكل المؤشرات والدلائل والتحاليل تقول أنه لا يحمل جديدا يمكن أن يُغير ما هو واقع على الأرض من احتلال.. الشيئ الوحي الذي كان قد ناقشه مع أسبانيا هو ان تضطلع بدور أكبر في قضية الصحراء، لكن تمت مواجهته ببرودة شديدة، وتم وعده أن أسبانيا ستناقش الموضوع، وأنها قد تشترك مع الأمم المتحدة في تشكيل لجنة لمناقشة الموضوع تقنيا وقانونيا.. هذا كل ما في الأمر، وما عدا ذلك فهو، كله، تمنيات تصل إلى حد الأوهام.. حسب التحاليل يوجد سببان رئيسان لهجوم المغرب وغوغائه على بان كي مون: الأول هو أن بان كي مون، مدعوما من روس واوباما، يمكن أن يقول في تقريره القادم، والأخير له حول الصحراء الغربية، ان المغرب هو الذي يعرقل الحل، وهذا يمكن أن نفرح نحن الصحراويين به ولو مؤقتا؛ السبب الثاني هو أن بان كي مون، مستغلا عامل الوقت، قام بتجميد فعلي لمخطط الحكم الذاتي الذين يعتبره المراقبون أخر طلقة في جعبة المغرب، وبعدها ستبدأ المواجهة الميدانية مع الأمم المتحدة.. ففي كل زياراته وكل تصريحاته لم يذكر لا روس ولا بان كي مون الحكم الذاتي كحل، وهذا في حد ذاته ضربة مؤلمة للمغرب، وحشره في الزاوية الضيقة ليبقى يتلقى الضربات على الأنف.. فالحكم الذاتي الذي فشل نهائيا، والذي كان المغرب يعول على أن تقوم إدارة بوش الأمريكية بفرضه على البوليساريو والجزائر، لم ينجح وتحول إلى ورقة مبتلة.. فشل الحكم الذاتي يعني في الخلفية السياسية المغربية حشر المغرب في الزاوية لضيقة وبداية العصيان ضد الجميع بما فيهم مجلس الأمن الدولي الذي، عاجلا أم آجلا، سيجد نفسه مضطرا للرجوع إلى الحل الديمقراطي وهو الاستفتاء.. وإذا كان من بين أسباب هجوم همج المغرب على بان كي مون هو انه جمد الحكم الذاتي، فإن هذا لا يعني استبعاد أن المغرب قطع الشعرة مع الأمانة العامة، وسيرفض بشدة التعامل، من الآن فصاعدا، مع الثنائي روس وبان كي مون ما لم يحدث تغيير مفاجئ لصالح المغرب في مسارهما وخطهما السياسي الذي يحاول الحفاظ على روح قانون الأمم المتحدة.. 
- 4) هل ثأر بان كي مون لنفسه أم ثأر له أحد ما.؟
وجود بان كي مون، ولمدة حوالي أسبوع، تحت القصف الإعلامي والسياسي للمخزن، كان بعضنا يظن أنه سيمر بدون عقاب وبدون ثأر، وربما، في ساعة غضب، اتهم بعضنا نحن الصحراويين بان كي مون بالضعف.. في الحقيقة وجود بان كي مون الكوري الجنوبي، الأسيوي في المبنى الأزرق، بدون دعم لا من روسيا ولا من الصين هو في حد ذاته وجود في موقف ضعف.. أسبوع كامل والمخزن ورعاعه وهمجه يكيلون لبان كي مون السباب والشتائم ويتهمونه ويهددونه ويقذفون ما ي صدروه من ثقافتهم البائخة دون أن نسمع ردة فعل ولو عن طريق بيان أو تصريح ما عدا بعض التدخلات الخجولة.. لكن على ما يبدو تدخل أحد ما معروف بتدخلاته في قضية الصحراء الغربية وهو أوباما\ الولايات المتحدة. لنتتبع اسيناريو التالي: وزير خارجية المخزن يستعد للسفر إلى روسيا ليلتقي بلافروف وبوتين، ويحزم حقائبه يمني نفسه بأيام في فندق روسي ملئ بالفودكا، ثم فجأة يتغير مسار الطائرة لتتجه إلى نيورك بدل موسكو. هل هذا معقول أو منطقي؟ هل أن الدعوة هي فعلا من بان كي مون الذي كان وزير خارجية الاحتلال يسبه مساء صباحا ويوجه له التهم، ويتهجم عليه ويُهيِّج عليه الشارع المغربي. في الأمر أكثر من "إن".. هل أصبح المغرب طيعا إلى هذه الدرجة كي يذهب الوزير المغربي إلى نيورك كي يتقابل مع بان كي مون الذي تم حرق صوره أول مرة في بلد من العالم. الاحتمال والتحليل يقود إلى أن أوباما تدخل في آخرلحظة مثلما فعل حين طلب المغرب، في مرة ماضية، التخلص من روس، وأعاده رغم أنف المخزن.. الآن – وهذا تحليل فقط- يبدو أن الغمزة الأمريكية هي التي فرضت على وزير خارجية المغرب أن يغير مسار طائرته لتذهب إلى نيورك بدل موسكو.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، لكن الفيديو الذي سربته الأمانة العامة للأمم المتحدة، والذي ظهر فيه بان كي مون يتلذذ بإهانة والسخرية من مزوار هو جزء آخر من السيناريو. في الفيديو يدخل بان كيمون غاضبا وبطريقة سريعة ويمد يده إلى وزير خارجية المخزن وهو ينظر إلى الجدار لمدة حوالي دقيقتين، دون أن ينبس بكلمة، ليس فعلا عاديا، لكن هو جزء من وضع المغرب وملكه في الزاوية الحقيقية للاحتقار.. في تعليق وزارة خارجية المخزن على ذهاب وزير خارجية المخزن إلى نيورك، قالت أنه يحمل رسالة من الملك يبدي فيها احتجاجه على تصرفات الأمين العام، ويأمر بتعليق التعامل مع المينورسو.. لكن الحقيقة أن مكتب الأمين العام أصدر بيانا وتصريحا في مناسبتين يقول فيه أن بان كي مون استدعى وزير خارجية المغرب ليحتج له على المظاهرات وعلى التشويه، وليقول له أن الأمين العام لن يتراجع عن تصريح حول استعماله لكلمة الاحتلال أثناء زيارته لمنطقة.. وبالتالي يبدو أن الكلمة الأخيرة عادت لبان كي مون وليس للمخزن. 
5) كخاتمة، ما المطلوب من الأمين العام؟
في الحقيقة الصحراويون وأصدقاؤهم، خاصة في الاتحاد الإفريقي، لا يطلبون من الأمين العام الأممي المستحيل، ولا يطلبون منه أن يأتي بحل سحري في رمشة عين للقضية الصحراوية، لكن يطلبون منه أن يحترم القانون الدولي، ولا ينجر وراء ما أنجر وراءه سابقوه من الأمناء العامين من التأويل والارتشاء. فتعامل بان كي مون مع القضية الصحراوية بدأ بنوع من السريالية وعدم الواقعية، خاصة دعوته إلى مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين على أنقاض المفاوضات المباشرة، وهي المفاوضات التي ظلت، على مدى ثماني سنوات، توصف بالعبثية والمهدرة للوقت.. تكللت تلك " المفاوضات" بالفشل كما كان متوقعا لها.. من جانب آخر لم نكن نحن كصحراويين متعجيلن أن تسير تلك المفاوضات بوتيرة اسرع بسبب أن مخطط الحكم الذاتي كان على الطاولة، وكان يلزمه وقتا طويلا حتى يتم التخلي عنه ورميه في الدرج، ويتم إقناع العالم أنه غير صالح، وأن صمود الصحراويين هو الحل في النهاية..
الآن الجميع متأكد أن بان كي مون ليس لديه حل، ولا يمتلك ريحا سحرية يمكن أن يحرك بها مياه الصراع المتجمدة الراكدة، لكن الجميع متأكد، أيضا، أنه – بان كي مون- بتجاهله للحكم الذاتي في تقاريره وتصريحاته، وعدم تحمسه للدفاع عنه، وعدم إيمانه به، وقدرته على توجيه الاتهام للمغرب بالعرقلة وبوضوح، هي اشياء يستطي عبان كي مو نالقيام بها.
في كل الحالات الكل متفق أن بان كي مون غير ملزم بإيجاد حل، لإنه ليس لديه، ولا توجد وسائل ضغط بين يديه كي يستعملها، كما لا يوجد لديه أقتراح جديد، وبالتالي، فالمطلوب منه هو ان يقول في تقريره القادم إلى مجلس الأمن- الأخير له حول قضية الصحراء الغربية- ان المغرب هو المعرقل وأن الحكم الذاتي تم سحبه من طاولة المفاوضات حول الصحراء الغربية، ومن جهة أخرى أن يحاول إقحام أسبانيا ولو عن طريق محكمة العدل الدولية أن تلعب دورا كبيرا في قضية الصحراء الغربية، مادامت، قانونيا، هي القوة المعترف بها التي تستعمر الصحراء الغربية..

السيد حمدي يحظيه

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *