-->

رداً على مقال الكاتبة المغربية مايسة سلامة الناجي قراءة مغايرة لتصريحات بان كي مون


بعد أن عانى الصحراويون من تعتيم وسائل الإعلام العربية، و عدم إفراد أي مساحة لأي رأي مخالف لوجهة النظر المغربية من نزاع الصحراء الغربية، نتنفس اليوم الصعداء بوجود منابر إعلامية حرة تحترم قراءها كصحيفة "رأي اليوم" التي دشنت خطاً تحريرياً جديداً في الصحافة العربية، بعيداً عن الضغوطات و الاستفزاز بالمال، و غير منخرط في حرب المصالح و العداء الطائفي المنتشر اليوم في كل وسائل الاعلام العربية مع كامل الأسف. 
في مقالها المنشور في الصحيفة المذكورة بتاريخ 16 من الشهر الجاري، و المعنون ب: 
"بان كيمون خان أمانة منصبه.. والمغرب يرد بطرق بدائية"، أوردت الكاتبة الكثير من المغالطات التي تستوجب التوقف عندها بل و الرد عليها، فعندما تقول الكاتبة أن الأمين العام الأممي بان كي مون رفض ملاقاة "الصحراوين الوحدويين المقيمين هناك المعارضين للبوليزاريو ونهج الجزائر"، فأنا اسألها عن أي صحراويين وحدويين تتحدثين؟ لأنه لا يوجد أي شخص أو جهة في المخيمات طالبت بلقاء بان كي مون و رُفض طلبها، ثم أن هذا الوصف الذي ذكرته في مقالها لا يمت للواقع بالمخيمات بأي صلة، فكل الصحراويين الموجودين بالمخيمات، يتحملون ضنك العيش و قساوة الطبيعة من أجل هدف واحد، هو إستقلال بلادهم طبقاً للوائح الامم المتحدة، و على سبيل المثال لا الحصر نورد مناقشة القضية الصحراوية على مستوى اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، و دعمها لتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية في آخر دوراتها المنعقدة شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، ناهيك عن قرارات الإتحاد الإفريقي على إعتبار أن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية هي عضو مؤسس بالمنظمة القارية بينما المغرب لا يتمتع بعضويتها. هذا فضلاً عن موقف الإتحاد الأوروبي الذي عبر عنه مراراً و أوضحته مسؤولة السياسية الخارجية بالاتحاد ” فريديريكا موغيريني” يوم 8 مارس/ آذار الجاري في ردها على سؤال في جلسة للبرلمان الاوروبي "أن المغرب يبسط السيطرة بقوة الأمر الواقع على أراضي الصحراء الغربية، المدرجة ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم المستعمرة"، مؤكدة ان الإتحاد الأوروبي يدعم حق تقرير مصير الشعب الصحراوي. و لن أطيل في سرد الأدلة القانونية لأنها متوفرة و بكثرة و بإمكان السادة القراء العودة إليها على شبكة الانترنيت.
و في محاولة لشيطنة الأمين العام للأمم المتحدة بعد تصريحه بأنه "يتفهم معاناة الصحراويين بعد إحتلال بلادهم"، ترى الكاتبة أن دافع بان كي مون لا يخرج عن تفسيران لا ثالث لهما: إما أنه "نسي الدور المخول له كأمين عام للأمم المتحدة حيث تكمن مهمة حل النزاع وجلب الأطراف إلى طاولة الحوار ..."، و بما أن بان كي مون بَشَر فإن النسيان من صفات البشر، لكن عندما تشير الكاتبة الى "الاطراف" فإنها تقصد جبهة البوليساريو و المغرب، و هي تسقط بذلك في المفارقة التي ترددها وسائل المغربية، فمن جهة البوليساريو ارهابية و انفصالية و عميلة و غير ذلك من الصفات، و من جهة أخرى فإن الحكومة المغربية تتفاوض معها نداً بالند، و وجهاً لوجه، و قد حدث ذلك أكثر من مرة بوساطة أممية في أكثر من عاصمة أوروبية، بل و الأكثر من ذلك أن ملك المغرب الراحل الحسن الثاني كان قد إستقبل وفداً مفاوضاً عن جبهة البوليساريو في الدار البيضاء المغربية نهاية الثمانينات بغية التوصل الى حل ينهي النزاع المسلح. اذاً متى ستتغلب النخبة المغربية على هذه الازدواجية؟
أما في التفسير الثاني لتصريح بان كي مون فترى الكاتبة المغربية "أن هناك قوى فوقية هي من تحرك بان كيمون وتقرر وقت تصريحاته وكنهها لتشكل الضغط على المغرب حاكمه ومحيطه...."، و في الحقيقة أن أي موقف يسجل ضد المغرب في قضية الصحراء الغربية، فإن تفسيرات نظرية المؤامرة نجدها هي الطاغية على معظم القراءات المغربية، فإذا كان بان كي مون قد تحرك هذه المرة بفعل "القوى الفوقية" مبدياً أسفة على إستمرار إحتلال الصحراء الغربية، فإن صمته طيلة سبع سنوات كان أيضاً بفعل "قوى فوقية" أوعزت له ألا ينبس ببنت شفة، ولا يندد بمعاناة الصحراويين، كما يمكن إسقاط نفس المنطق على إعلان الولايات المتحدة الأمريكية شهر أبريل/ نسيان 2013 تأييدها توسيع صلاحيات بعثة "المينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الانسان في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية، بأن ذلك أيضاً في يدخل إطار "القوى الفوقية"، و قس على ذلك قرار الإتحاد الأوروبي إلغاء الإتفاق الفلاحي مع المغرب شهر فبراير/ شباط المنصرم، بسبب عدم إستفادة الصحراويين من خيرات بلادهم، و القائمة تطول.
تنتقد الكاتبة ظروف عيش اللاجئين الصحراويين في المخيمات، و تصفها ب "معيشة الذل و الهوان"، و نحن نؤكد أنها ظروف طبيعية و إنسانية قاسية، لكن كل اللاجئين و الذين يفوق عددهم ال 200 ألف اختاروا تلك العيشة عن طيب خاطر و بمحض إرادتهم، و المخيمات مفتوحة لكل المراقبين الدوليين، و الذين آخرهم بان كي مون و الوفد الأممي المرافق له، و هو ما يفند ما يردده الاعلام المغربي عن أن اللاجئين محتجزين في المخيمات. 
غير أن إنتقاد الكاتبة المغربية لظروف عيش الصحراويين يقودنا إلى السؤال التالي: ماذا فعل المغرب لتحسين ظروف عيشهم، مادام يدعي مغربيتهم؟ الجواب لا شي. بل الأدهى و الأمر أن المغرب حاول أكثر من مرة، ثني المنظمات الإنسانية عن تقديم الدعم للاجئين الصحراويين بالمخيمات، تارة بسبب عدم إحصائهم، و تارة أخرى بسبب نهب المساعدات الإنسانية الموجهة للاجئين. و في هذا المقام نذكِر الكاتبة أن فيضاناتٍ غير مسبوقة اجتاحت المخيمات شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مخلفةً أضراراً بالغة، و لم يحرك المغرب أي ساكن، بل و لم تكلف أي جمعية إنسانية مغربية نفسها عناء إرسال قطرة ماء لإغاثة اللاجئين الذين تدّعي الكاتبة مغربيتهم، في المقابل يتم إرسال طائرات محملة بآلاف الأطنان من المساعدات إلى ضحايا زلزال هايتي سنة 2010. يا للمفارقة!!
على المغاربة التفكير بعقلانية، و الإبتعاد عن التضليل الإعلامي، و طرح السؤال البسيط، لماذا تتواجد البعثة الأممية لتنظيم الإستفتاء بالصحراء الغربية المعروفة إختصاراً ب "المينورسو" في كل مدن الصحراء الغربية، وليس في الدار البيضاء مثلاً، أو مراكش؟. الجواب واضح وضوح الشمس لأن الصحراء الغربية مدرجة في لوائح الامم المتحدة لتصفية الإستعمار حسب القرار الأممي رقم 2354 الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 19 ديسمبر/ كانون الأول 1967 و الذي يلح على ضرورة تطبيق مبدأ تقرير المصير للشعب الصحراوي. ثم لماذا لم يبن المغرب لا جامعة، و لا مستشفى و طرق سيارة، ولا أي من البنى التحتية في كل مدن الصحراء الغربية؟.
تصريح بان كي مون جاء من أرض تسيطر عليها جبهة البوليساريو و تمارس عليها سيادة الدولة الصحراوية، و بان كي مون يدرك جيداً خصوصية المكان، و مع أن تصريحه يتماشى مع قرارات المنظمة الأممية التي يترأسها، غير أن دولاً حليفة للمغرب كفرنسا و إسبانيا مثلاً أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية لا تعترف بسيادته على الصحراء الغربية، لذلك أصر بان كي مون على ذلك الوصف و لم يشأ التراجع عنه، بل و وبّخ وزير الخارجية المغربي أثناء إستقباله قبل يومين في مقر الأمم المتحدة بنيويورك.
كلنا يعلم سهولة جميع آلاف الحشود في عالمنا العربي، لتهتف طيلة اليوم بما يمليه الحكام عليها، لكن ذلك، لا يعني بالضرورة أن تلك الحشود تعي و تؤمن بما تقول، و من مصلحة النظام المغربي الإبقاء على قضية الصحراء الغربية دون حل، من أجل إلهاء الشعب المغربي عن همومه و حقه في المطالبة بالعيش الكريم، كما أن الحشود في عالمنا العربي، تردد تماماً ما يطلب منها و إلا فلماذا لم ترفع في نفس المظاهرة أي مطالبة بإسترجاع سبتة و مليلية مثلاً، حيث كانت آخر مرة طالب فيها البرلمان المغربي باستعادة المدينتين يوم 10 ابريل/ نسيان 2010، ثم نُسي الأمر بعد تحسن العلاقات مع اسبانيا، و ما إن تتوتر العلاقات مجدداً حتى نرى الحكومة المغربية تُجيش الشعب، و تستأجر آلاف الحافلات لنقل الفقراء من الأرياف للمطالبة بإستعادة المدينتين، كذلك الشأن مع الصحراء الغربية. و في ذلك أبشع أنواع الإستغلال السياسي للشعب عبر تجييشه و اثارة مشاعره، من غير وعي. 
البشير محمد لحسن ـ كاتب من الصحراء الغربية.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *