-->

منزلة الشاي في نفوس أهل الصحراء

ما من شيء قدسه الإنسان الصحراوي وفاز بحسن صحابته،اكثر من الشاي،الذي فطر علي عادة شربه؛بعد أن ورث محبته عن أسلافه كابرا عن كابر،وهم الذين ابدعوا له طقوس تليق بجماهيريته ،وشربوه أكثر مما شربوا اللبن والماء؛وباعوا لأجله خيرة ما ركبوا من خيل وجمال !!
وعلي مدي القرنيين الأخيرين،تربع الشاي علي عرش مذاق أهل البادية من سكان الصحراء من عرب وعجم،وشغفا به وإعلاء من شأنه،تعد دعوة أحدهم لك للجلوس علي الشاي،اكثر جلسة استضافة شعبية،بين سكان الصحراء.ومن الشواهد القليلة،التي وصلتنا علي أن الشاي، -أو (اتاي) كما يحب أن يسميه أهل الصحراء- يمثل ابرز مظاهر الاحسان اظهارا للمكانة الاجتماعية؛كونه يحرم شربه علي العبيد،وذوي المكانة الادنى في تراتيب المجتمع القبلي قديما،خاصة في زمن ندرته،وحتى علي الحر مالم يصوم رمضانه الأول.
وبالنسبة لمن يسكن الصحراء،فإنه لا احد يمكنه صد نفسه بالامتناع عن شرب الشاي،كما لا يمكن لمن لم يعتاد علي شربه أن يعبر عنه أو يعدد فوائده،فهو اكثر المشروبات ملاءمة لطبيعة الصحراء القاسية؛لكونه من اندر الاعشاب،التي تخفف العطش وتعمل علي تبريد الجسم خلال مواسم الحر الشديد،كما يساعد علي تحمل الجوع وازالة التعب،فضلا علي انه يعمل علي تعديد المزاج وضبط الاعصاب.وغالبا ما يحرص الانسان الصحراوي،وبشكل تلقائي علي الحصول علي ثلاثة وجبات من الشاي طيلة اليوم،موزعة علي فترات النهار،أي عند الصباح،وبعد الظهر،وبعد صلاة المغرب،حيث يقضي الجمع حول الشاي ساعات منتشين بالحديث عن كل شيء؛لتأخذ الجلسة شكل الفضاء الاجتماعي المفتوح،الذي يميزه جو من تبادل الاخبار والسؤال عن ضالة الماشية،والمقايضة بالسلع والمواشي،وتحديد مواعيد لكل شيء من مواعيد الخطوبة والزواج،الي مواعيد الزز،والطلي،والوسم….الي آخره.
وحتى اليوم، تستمر معنا معاركنا القديمة من أجل الحصول علي الجيد من هذه النبتة،التي لا نطيق فراقها،فالصحراوي يعرف الشاي الجيد من رائحته،ويستطيع تمييزه والتعرف علي جودته من خلال لونه،ورائحته،وملمسه،قبل أن يتذوق طعمه،حتى وأن البسه التجار حلل مختلفة،واطلقوا عليه أسماء تدور كلها في فلك الصحراء،من قبيل: شاي الخيمة،والجمل،والبادية،والمهر،وغيره من الاسماء،التي تلقي الكثير من القبول والاستحسان في نفوسهم.ولا عجب اذا ما عرفت ،بأن ثلث الادوات،التي يحرص الصحراوي علي التنقل بها،ولو بحملها علي كتفيه،أو الاحتفاظ بها داخل بيته،تخص اعداد الشاي كلها،وليس هذا الا من باب علو شأن المكانة،التي يحظي بها الشاي في نفوس الصحراويين،الي درجة أن يلام قوم – قديما – بالقول:(جينا لأهل فلان…ذبحوا لنا غير ماتياوي انا)!!.
بقلم: ازعور ابراهيم.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *