-->

أزمة المغرب مع بانكيمون هل توقظ الضمير الاممي؟


جاءت كلمة احتلال التي وصف بها الامين العام للامم المتحدة بانكيمون وجود المغرب في الصحراء الغربية، كتعبير عن تأخر قطار السلام في اخر مستعمرة في افريقيا، علها تلفت الانتباه وتوقظ الضمير العالمي الى الوضعية القانونية والانسانية التي يعيشها الشعب الصحراوي منذ اربعة عقود مقسما بين ضفتي الجدار، ومعاناة اللاجئين الصحراويين الذين شردوا من وطنهم، في انتظار وعود المنتظم الدولي في حل طال انتظاره.

و بغض النظر عن مستوى ما ستحققه زيارة بانكيون في الدفع بإيجاد حل يبدو مستحيلا في ظل بحث الامم المتحدة عن "إرضاء الطرفين" إلا انها اعادت القضية المنسية الى واجهة الاجندة الدولية، بعد عقود من تمرد الرباط على الشرعية الدولية، وممارسة كافة اشكال الاساءة والتشويه لنضال الشعب الصحراوي وحرب الابادة والتجويع الممنهجة في الجزء المحتل من الصحراء الغربية، وكشفت النزر اليسير من زيف الدعاية المغربية التي مافتئت تنعت اللاجئين الصحراويين بالمحتجزين وتحاول لصق تهم الارهاب بنضالهم التحرري، في حين اندهش الامين العام الاممي من الاستقبال الذي خصه به الشعب الصحراوي والحشود الكبيرة التي وجدها في انتظاره، ومنعته من النزول من سيارته غضبا على تماطل الامم المتحدة في ايجاد حل ينهي مأساة الصحراويين.

الرباط وبعد أن فشلت في الغاء زيارة اول امين عام اممي الى المناطق المحررة من الصحراء الغربية، واستقباله من قبل سلطات الجمهورية الصحراوية وتقديمه لوعود بانه سيعمل ما بوسعه من اجل مستقبل افضل للصحراويين عادت لتتهمه ب"الانحياز والانزلاق اللفظي" لكونه استعمل كلمة احتلال، وهي التهمة الجاهزة لتي تستعملها الرباط مع كل من يخالفها الرأي في نهجها التوسعي، وفتحت الصراع مع المبعوثين الامميين السابقين الى الصحراء الغربية ومؤسسات الاتحاد الاوروبي والاتحاد الافريقي والمنظمات الافريقية والدولية، ومنظمات المجتمع المدني الاسباني، والمنظمات الحقوقية مثل هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية ومنظمة روبيرت كينيدي والشبكة العربية لحقوق الانسان، بسبب التقارير التي تتحدث عن وضعية حقوق الانسان بالمناطق المحتلة من الصحراء الغربية والخروقات المستمرة، ووضعية السجناء السياسيين الصحراويين الذين صدرت في حقهم احكام قاسية من محاكم عسكرية. 
وفي تعقيب المسؤولين الاممين على ردة الفعل المغربية على تصريحات بانكيمون اكدوا انها لم تخرج عن قرارت الامم المتحدة وبياناتها الرسمية المتعلقة بجوهر النزاع المصنف ضمن اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار، واللائحة 1514 المتضمنة لإعلان منح الإستقلال للبلدان و الشعوب المضطهدة، والتاكيد على ان الحل النهائي يجب ان يمر عبر استفتاء يمكن الشعب الصحراوي من تقرير مصيره، وهي نقاط جوهرية لم تهضمها الرباط بسبب ما ستفضي اليه من نتائج تعري الوجود العسكري المغربي في الصحراء الغربية، وبالتالي دأب المغرب على نهج سياسة الهجوم كلما وضع المنتظم الدولي الاصبع على الجرح الذي ينزف منذ اربعين سنة او يزيد حين شرد الصحراويين قسرا من وطنهم وقصفت مداشرهم وقراهم بالنابالم والفسفور والاسلحة المحرمة دوليا، وارتكبت في حقهم ابشع الجرائم التي لا تزال مقابرها الجماعية خير دليل على فظاعة مرتكبيها.
ورطة المغرب مع الامم المتحدة في نزاع الصحراء الغربية ليست بالجديدة، إذ استمرت عبر مراحل مخطط التسوية الاممي الذي تعاقب عليه امناء عامون على غرار بيريز دي كوييار، بطرس غالي، كوفي أنّان، بانكيمون، غير ان الاخير فاقهم جرأة وشجاعة في مواجهة المغرب بحقيقة قرارات الامم المتحدة والتذكير بالتزامات اطراف النزاع التي وقعوها ضمن مخطط التسوية الاممي، فاسحا المجال امام تحرك المياه الراكدة في مسار السلام، واخذ زمام المبادرة في حل النزاع الذي عمر اكثر مما يحتمل ورسم مستقبل اجيال ولدت في المنفى وتجرعت مرارة اللجوء وهي تحلم بوطن سكنها قبل ان تسكنه.
لكن اصرار المغرب مستظلاً بالفيتو الفرنسي، والدعم الامريكي على افراغ البعثة الاممية من محتواها السياسي ينذر باجهاض المساعي الاممية ويعيد القضية الى المربع الاول، وهو ما يدفع بشبح الحرب الى المنطقة من جديد.
بقلم: حمة المهدي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *