-->

يومياتي بمدينة السمارة 3

بقلم : مبارك الفهيمي
دموعي تسيل أفرك عيني بشكل مستمر . أكره رائحة البصل ولكننا لا نستغني عنه أبدا ، كيف نستغني عنه وثمنه يعادل عملة اليورو في هذا البلد ، بخار آنية الطبخ ينعكس في آتجاه وجهي ، نظارتي المربعة آلتصق بها ضباب ذكرى أيام كنت سارحا غنم جدي " الجيد بوتباعة " في منطقة " تنويمل " ،حين أجلس أمام حطب النار في " النوالة " . البصل في ذاك اليوم كان متعدد الخدمات ، صنعت من خلاله أُكلة متوسطة الجودة ، وذكرني بخاره بأيام البوادي. بعد دقائق ليست بالقصيرة وضعت وجبة الغذاء وتجمع الأصدقاء حول المائدة ،يقول" فتن " بروحه المرحة :
_ ما رأيكم أن نأكل اللحم ونتقاسم البصل ؟
يضحك الجميع ضحكة خفيفة لكي لا يفوتهم القطار ، كما حدث لي في مرة سابقة حين وجدت صحن " الطوس " ليس فيه سوى طائر الطاووس المرسوم في وسط الإناء ، هي " عشرة " متفاهمة رغم الخصام في بعض اللحظات ولكن الأمور عادية وتسير بشكل جيد . " فتن " شاب في مثل عمري أسمر البشرة أنيق في لباسه ، لحيته تذكرني بلحية الخليجيين في الشرق ، دائما ما يخلق جوا من الضحك و المرح في المنزل المكترى من عند " الجيلالي " . قانون المنزل يقول أن الذي يبقى الأخير فوق المائدة هو من يتكفل بحملها للمطبخ ، هذه المرة وككل مرة " الحسين " هو من سيحملها بعد آنسحاب الجميع بسرعة بما فيهم أنا . " الحسين " شاب من حي " دِيرْ أَيْدَكْ" بمدينة العيون ، يكره أن يجد شيء من مكونات المنزل في غير محله ،له قصة عجيبة مع الخبز و"سباكيتي " ، في المساء يطلب منا المغادرة ويطلب العودة بعد التاسعة ليلا، ويبقى ينظم المنزل ويزين رائحته بقيت أسابيع أحاول أن أعرف السر . حين نتجول في الشارع الرئيسي تاركين الحسين يرتب المنزل ، تفاجئني قوافل من الشباب يحملون حقائبهم يبدو أنهم مِمَّن يضيفون ساعات إضافية للدارسة ، وقوافل أخرى وجهوهم ظاهر عليها البؤس ، من كثرة علب السردين التي يتناولونها أصبحت وجوههم تملئها الأمراض ، أحدهم بفعل الندوب على وجهه أصبح كصحن العدس . أمُرُّ من سوق المدينة وألتوي لليمين فأجد حي يسمى " حي الظلام " وحسب ما يروى فالبيوت السرية التي تمتهن صاحبتها الدعارة منتشرة بشكل رهيب هنا . تأملي لهذه البيوت يظهر أنها قديمة وتكاد تسقط على من فيها ، بعض الأحياء المجاورة لهذا الحي تركها الإحتلال الإسباني حسب ما يقول البعض. أتجول وأرفع عيني يمينا وشمالا متأملا الوضع في هذا الحي النتن ، خرجت إحداهن ظانة أني زبون لوحت لي بيدها ، رفعت أصبعي ووجهته يمينا وشمالا ، عرفت أني مجرد مار ، وتراجعت للوراء . لا أعرف أسباب إمتهانهن الدعارة هل الأمر متعلق بالفقر أو شيء أخر ولكن الأكيد أن الجوع كافر وكما قال أحد الأصدقاء " يلوح فياسر". هنا يُعرَف الغريب عن المدينة بسهولة رغم كثرة الوجوه ، في بداية سكناي هنا أتضايق من الذهاب للشارع أو المقهى بسبب كثرة النظرات التي تكاد تلتهمني ، ولكن مؤخرا بدأت تنقص لقد تعودوا علينا ونحن أيضا . السمارة مدينة يظن الكثيرون أنها صغيرة ولكنها ليست كذلك ، ما ينقصها هو الإستقلال لكي تعمر و تعبد طرقها ، أما الآن فلا يمكن ذلك ، فالشاحنات العسكرية والطيران الحربي منتشر هنا مما يؤكد أنها منطقة عسكرية كونها غير بعيدة عن الجدار العازل الذي بناه الإسرائليون للملك السابق.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *