-->

الخطاب السياسي الإسباني من الإزدواجية الى الإنتهازية


بقلم: ابراهيم داهي
تشهد اسبانيا هذه الايام حملة ممنهجة غير مسبوقة ، تشارك فيها مرجعيات مختلفة إعلامية وسياسية وحقوقية وحتى ثقافية تؤطرها مؤسسات رسمية وحزبية، حيث تستهدف النظام القائم في فنزويلا وفي دعم واضح للمعارضة السياسية في هذا البلد الكبير، بلد سيمون بوليفار رمز الحركة الوطنية التحررية في امريكا اللاتينية. 
لعلنا جميعا ندرك ماهية هذه الحملة كسابقاتها اذ أنها من منطلقات إيديولوجية سياسية محضة تتوق الى محاصرة النظام السياسي القائم هناك سعيا لإيقاف التوجه الثوري التحرري اللاتيني بخصائصه الديمقراطية الجديدة، مما أثار حفيظة منظري الليبرالية الجديدة الذين اعتبروا هذه التحولات بمثابة الخطر الحقيقي الزاحف على التطلعات الامبريالية الرأسمالية بفعل ما عرفه هذا المد من تنامي متصاعد في عدد من البلدان الأمريكولاتينية وفي مقدمتها فنزويلا البوليفارية، التي جادت أرضها المناضلة بالراحل هوغو شافيز الثائر والسياسي المثقف المحنك، صاحب الشخصية الكاريزمية النادرة، لذا ما فتئ التكالب الامبريالي الاستعماري يستعر برعونة ضد هذه المناطق المتحررة من العالم في فصول متعددة وبسيناريوهات مختلفة 
إن ما يثير الانتباه فيما تعرفه اسبانيا اليوم من حملات عدائية ضد فنزويلا فضلا عن ارتباطها العضوي بالأجندات الانتخابية المحلية هذه الايام، هو كون الحملات إياها ترفع شعارات حقوقية انسانية أصيلة بدعوى الدفاع عنها وحماية الشعوب من بطش الطغاة 
ولأننا نحن الصحراويون ممن اكتوى وما زال كذلك بنار القمع والاحتلال وتنكيل الغزو المغربي السافر، لا يمكننا أن نرى في أي تحرك من هذا القبيل بغض النظر عن القراءات المختلفة في المحصلة، إلا فعلا إيجابيا محمودا ونبيلا من شأنه مراكمة تجربة تنويرية في الدفاع عن الكرامة الانسانية في كل الاصقاع، لكن الامر يبدو مختلفا هذه المرة عند اسبانيا القوة الاستعمارية السابقة للصحراء الغربية، إذ أن سياساتها الدولية ومواقفها الازدواجية في بعض القضايا والنزاعات باتت تطرح اكثر من علامة استفهام وحتى استنكار. فالحكومة الاسبانية بأجهزتها الايديولوجية والاعلامية تدعي في سياق المصوغات التي تتذرع بها لتبرير استهداف الحكومة الفنزويلية حماية الديمقراطية، حقوق الانسان وحرية التعبير في محاولة مكشوفة للظهور بمظهر الغيورة والمدافعة عن هذه المثل في كل البقاع؟؟ 
إن الرأي العام العالمي اليوم بات على بينة من الأجندات الخاصة والحسابات المصلحية الضيقة بحيث المواقف السياسية من قضايا الساعة باتت ُتباع وُتشترى في سوق المصالح والاطماع الاستراتيجية، وما المواقف الاسبانية في هذا السياق الا تعبيرا بليغا عن هذه الصورة المزيفة/المفارقة التي تطبع السياسات والعلاقات الدولية المعاصرة 
نحن الصحراويون ندرك مليا هذا التناقض المشين في مواقف الحكومات الاسبانية المتعاقبة لأننا خبرنا جيدا النفاق السياسي المتمصلح الذي مارسته وتمارسه اسبانيا الرسمية كمؤسسات وزعامات حزبية تقليدية بكل تجليات ذلك في القضية الصحراوية بعد أن كشفت تداعياتها القانونية والسياسية زيف هذه المواقف وحجم التآمر البغيض الذي ظلت تتمرس خلفه في تنكر مخزي لمسؤولياتها القانونية تجاه قضية الشعب الصحراوي العادلة وتجاهل مفضوح للشرعية الدولية بتواطؤها مع الغزو المغربي الاستعماري، من خلال دعمه السري والعلني في المحافل الدولية متنكرة بذلك للمثل والمبادئ التي تزعم اليوم أنها تدافع عنها في فنزويلا 
إن اسبانيا الرسمية، بحزبيها التقليديين بعيدة كل البعد وغير جديرة بالمرافعة عن الديمقراطية وحقوق الانسان في اي مكان من العالم بحكم النهج الإنتقائي التلفيقي الذي ظل يحكم مواقفهما الانتهازية والمصلحية التي ما فتئت تمليها وتحددها الظرفية والمرحلة، والشأن اليوم لا يخرج عن هذه القاعدة اذ تعيش اسبانيا اجواء الحملة الانتخابية وحساباتها المصلحية، لذا يبدو التهافت جليا والاندفاع نحو استغلال الملف الفنزويلي عبر حضوره المثير للجدل في الأجندة الانتخابية لهذه القوى بشكل مائع واستفزازي لمشاعر الاسبانيين المسكونين حتى النخاع والمهمومين بتداعيات الازمة الاقتصادية وفصولها السوداء التي لا تنتهي باستشراء الفساد المحلي وتزايد مؤشر الفقر في المجتمع الاسباني مقارنة بالمجتمعات الاوروبية الاخرى.
لقد كان الرد الشعبي الاسباني واضحا خلال انتخابات ديسمبر الماضي ، اذ أبت الغالبية تجديد التفويض لأحد الحزبين التقليديين الاشتراكي الديمقراطي واليميني الشعبي كما درجت على ذلك، وهو ما يعني رفضا صريحا للثنائية الحزبية الاحتكارية التي من شأنها أن تقوض أكثر فأكثر التعددية الديمقراطية والشفافية وتحد من الانفتاح السياسي المتأمل من اسبانيا الجديدة المتعددة كقوة سياسية اوروبية رئيسية ذات مؤهلات وامكانات عملاقة و رابع اقتصاديات اوروبا، في أن تلعب الدور المشرف المنوط بها في الدفاع عن الحقوق السياسية والحريات الاساسية لا في فنزويلا وحسب، بل وفي الصحراء الغربية المحتلة التي تتحمل فيها المسؤوليات القانونية، التاريخية والاخلاقية جراء استمرار الاحتلال الأجنبي وما يتعرض له الشعب الصحراوي المكافح من حملة ابادة منظمة على يد الغزاة المغاربة

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *