-->

التقدير الأوروبي المغلوط لعملية الإصلاح في المغرب


بقلم: إلياس ساليبا/ الموقع الإلكتروني (Open Democracy).
18 غشت 2016
ترجمة/ حمادي البشير
الإستقرار تحت غطاء الحكم المطلق ليس ظلما ووحشية فحسب، إنه عدم إستقرار.
في الوقت الذي أدى فيه الربيع العربي إلى تغيير الأنظمة، والحروب الأهلية أفلحت الملكية المغربية في إحتواء الإحتجاجات من خلال الإصلاحات والتي حظيت بمباركة قوية من طرف قادة العالم. ففي 06 يوليو 2011 عبرت كاثرين أشتون عن دعم واسع النطاق لدى الحكومات الاوروبية وأشارت إلى التعديل الدستوري المغربي بأنه " تجاوب ملحوظ مع التطلعات الشرعية للشعب المغربي". إلا أن التعديل لم يجعل المغرب أكثر ديمقراطية ولم يضع النظام عرضة للمحاسبة.
بإلهام من الثورات العربية في تونس ومصر، إستطاعت حركة ما يسمى 20 فبرائر توحيد المجموعات المتعددة في المجتمع المغربي ونظمت مظاهرات حاشدة هي الأكبر على مدى عقد تقريبا. وللمرة الأولى يتحد كل من المجموعات الغير متجانسة والمثقفين من خلال إنتقادهم للممارسات الإستبدادية للمملكة. وكان تجاوب القصر سريعا وفعالا بشكل واضح، فبعد أسابيع من خطاب الملك محمد السادس في 09 مارس تضاءلت قدرة الحركة الإحتجاجية على تجميع المتظاهرين وإستمرار الضغط من أجل التغيير السياسي.
وعين الملك لجنة إستشارية لمراجعة الدستور، وهذه العملية لم تشمل ممثلين عن المؤسسات، كما أنه لم يُعلن عن تأسيس أي مؤسسة منتخبة ـ مثل الجمعية التأسيسية ـ كما أن البرلمان لم تتم إستشارته في الموضوع. وبالإضافة إلى إختيار وتعيين اللجنة الإستشارية تم تأسيس لجنة سياسية والتي تضمنت تمثيلا من الأحزاب الثمانية التي تُشكل البرلمان. وترأس المستشار المقرب من الملك، عبد اللطيف منوني، اللجنة الإستشارية مما سمح للقصر بدوام مراقبة العملية وكذا ما ستسفر عنه على الدوام. 
وإرتباطا بما يرغب به العرش " مقاربة تشاركية " عملت اللجنة الإستشارية بآلية تشاورية تعتمد على جلسات الإستماع، ومع ذلك فقد إنتقدت العديد من المنظمات الهامة مصداقية اللجنة نظرا لتركيبتها وغياب الشفافية في ما يتعلق بعملها. كما أن إتحاد العمال الأهم في البلد، وثلاث أحزاب يسارية ( حزب النهج الديمقراطي/ الحزب الإشتراكي الموحد / نهج المقاومة) بالإضافة إلى الحركة الإسلامية العدل والإحسان والمنظمة المغربية المستقلة لحقوق الإنسان (AHDM) كلها قاطعت هذه العملية كما أن حركة 20 فبرائر لم تشارك في جلسات الإستماع.
كما أن النقاش حول النص النهائي للدستور كان حصريا على اللجنة الإستشارية، فلا البرلمان ولا الصحافة ولا أي منظمة أخرى شاركت في نقاش علني حول النصوص النهائية للدستور. والمداولات المتعلقة بالدستور الجديد كانت حصرية في الشكل والمضمون، ليس فقط بسبب الطبيعة الغامضة لعملية التعديل ولكن أيضا بسبب غياب المعلومات لدى الصحافة والرأي العام.
وقد قدم الدستور الجديد عدة تعديلات لكنها في الغالب تجميلية في طبيعتها، فالملك، مثلا، لم يعد يوصف "بالمقدس" لكن شخصه بشكل إجمالي بقي مهاب الحرمة وغير قابل للإنتهاك. بالإضافة إلى أن دوره كأمير للمؤمنين وكذلك صلاحيته في التأثير في الحياة السياسية من خلال منصبه الديني بقيت غير قابلة للنقاش. أصبح إختيار الوزير الأول المغربي يتم من طرف الملك ومن الحزب الأكثر في البرلمان، ورغم ذلك فالدستور يحفظ ايضا هيكلة غامضة موازية ثنائية: واحدة يرأسها الوزير الأول الذي يترأس الحكومة، والثانية يرأسها الملك وتسمى مجلس الوزراء. 
وإستمرت آلية المراقبة المتنوعة، وحق النقض الذي يدعم نظام إتخاذ القرارات التنفيذية غير الشفاف والذي من خلاله تحتفظ الملكية بزمام السلطة. وبما أن الدستور الجديد لم يوزع السلطة في المملكة، فقد بقيت رسميا المؤسسات الديمقراطية مثل الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية شركاء ضعافا في حكومة ثنائية الهيكلة يتحكم فيها القصر، ولم يؤسس أي نظام مراقبة فعال على سلطة القصر.
بعيد الإستفتاء على الدستور والإنتخابات المترتبة عنه في نوفمبر 2011، إتسم المناخ السياسي بالإستقرار وعاد بشكل تام للظروف الإستبدادية التي كانت قائمة قبل الإحتجاجات. ورغم أن القصر إحتفظ برقابته على الصعيد السياسي إلا أن التحركات المستقبلية لايمكن بأي حال إستبعادها، والهدوء الحالي قد لايدوم طويلا. وما الإحتجاجات الأخيرة حول أسعار الطاقة، وإصلاح التعليم العالي والقسوة ضد النشطاء والصحفيين إلا مؤشر على المظالم القائمة.
بوضع في الإعتبار طبيعة ونتائج عملية الإصلاح فإن التقدير والثناء الصادر عن القادة الاوروبيين يعتبر نتاجا للتضليل، وعلى الاقل جزء من التعديل الدستوري كان يجب ترجمته إلى سياسة خارجية أكثر تركيزا على المملكة، إلا أن الإستقرار تحت غطاء الحكم المطلق ليس ظلما ووحشية فحسب بل هو أيضا عدم إستقرار. إن صناع القرار في أوروبا لا يجب أن يفترضوا أن تغييرات جوهرية في النظام السياسي في المغرب ستؤدي إلى عدم الإستقرار في المغرب وأنها ستخلق مناخا للتطرف، لماذا يكون التغيير الشامل نحو ديمقراطية برلمانية ملكية سيقوض الإستقرار؟ 
بما أن الثورات العربية أثبتت أن الأنظمة البغيضة في العالم العربي كانت توفر فقط إستقرارا مزيفا فإن الديمقراطية الحقة والعملية السياسية الشاملة ومؤسسات قادرة على التعاطي مع معاناة الطبقات الشابة المسحوقة والمحرومة هي السبيل الوحيد لتوفير إستقرار قوي ودائم، وهذا ينطبق بحق على كامل المنطقة. وبالنظر إلى العيوب التي تشوب الدستور الجديد فإن مادأب الإتحاد الأوروبي على ترديده من أهمية ومثالية دور المغرب جدير بأن تتم مراجعته. كما أن التعاون الإقتصادي يمكن أن يُشرط بتطبيق معايير الديمقراطية بدلا من المداهنة والتملق، وسحب الإمتيازات الإقتصادية القائمة، ودخول السوق الاوروبية يجب أن تتم مناقشتها بصراحة بين الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي. وكذلك فإن المؤسسات القائمة مثل البرلمان، الأحزاب السياسية، منظمات المجتمع المدني والقضاء والتي لديها القدرة الأكبر على خلق التغيير في النظام السياسي القائم يجب أن تحظى بالتركيز في التعاون بين الحكومات.
ويجب دعم الأحزاب السياسية والإتحادات العمالية والمنظمات غير الحكومية من خلال بناء القدرات وتبادل التجارب، كما أن الدعم الفعلي للتحول الديمقراطي سيجعل السياسة الخارجية الاوروبية ليس فقط أكثر مصداقية في المنطقة المغاربية ولكنه أيضا يمكن أن يساهم في إستقرار أكثر في المملكة المغربية. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمحة عن الكاتب: إلياس ساليبا مترشح للدكتوراه في جامعة برلين للعلوم الإجتماعية (BGSS)، باحث في شؤون الديمقراطية والدمقرطة في مركز برلين للعلوم الإجتماعية (WZB). 
رابط للإطلاع على الموضوع باللغة الأصل:
https://www.opendemocracy.net/arab-awakening/ilyas-saliba/europe-s-misguided-applause-for-morocco-s-reform-process

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *