-->

ذكرى حرب تموز 2006 في ظل المشهد السياسي والوضع الأمني في إسرائيل


حلت الذكرى العاشرة لحرب تموز 2006والتى كانت لها تداعيات سياسية وعسكرية واقتصادية وجيواستراتيجية كبيرة على المجتمع الإسرائيلي وقادته ,فلم يكن يتوقع احد وقتها أن الجيش الذي لا يقهر والذي هزم الجيوش العربية مجتمعة والحق بها هزائم نكراء سوف يتلقى ضربة عسكرية وتكتيكية مؤلمة وغير متوقعة ولا زال العقل العسكري والاستراتيجي الصهيوني يعانى منها ويحاول عبثا أن يقنع المؤسسة الأمنية والقيادة السياسية أن سيناريو ما حصل في لبنان وقتها لن يتكرر مرة ثانية ويعطي لذلك مبررات واهية وغير منطقية ولكن يجمع تقريبا كل المحللين العسكريين والخبراء الأمنيين والمعلقين السياسيين في الكيان العبري أن حزب الله بعد التجربة التي خاضها في سوريا على مدى 3سنوات من الصراع مع القوى والمجموعات الإرهابية قد اكتسب طرقا ومهارات جديدة في القتال وحرب الشوارع ,فهذه الجماعات الإرهابية تعتبر إسرائيليا احد أوجه الدفاع الضمنية في وجه محور المقاومة الذي يعتبر حزب الله احد أهم اللاعبين ضمنه الذين تحاول تل أبيب ومن يقف خلفها من الدول الغربية العظمى الحد من فاعليته الميدانية وإضعافه عسكريا ولوجستيا وسياسيا ,ليس لارتباطه فكريا ومنهجيا وعقائديا وسياسيا إلى حد كبير بإيران التي اعتبرها مؤتمر هرتز يليا الذي أقيم قبل فترة في إسرائيل والذي جعل منها على قائمة أعداء إسرائيل الاستراتيجيين والذين يجب القضاء عليهم وتدميرهم وجاء كما كان متوقعا حزب الله في المرتبة الثانية .
فحزب الله وفي احد خطابات أمينه العام السيد حسن نصر الله قد أشار إلى هذه النقطة بالذات لان كوادر الحزب وعقوله الذين يحيطون علما إلى حد بعيد بكل شاردة وواردة في الكيان الصهيوني تابعوا كل جلسات هذا المؤتمر الإسرائيلي الذي يضع الأسس والمبادئ ويدرس التحديات الأمنية والعسكرية المحتملة لدولة إسرائيل ويرسم السياسة العليا التي يجب أن تكون هي المظلة التي تحمى الأمن القومي الإسرائيلي وتوجهاته المستقبلية للحفاظ على كيان الدولة العبرية من التحديات والأخطار الداخلية والخارجية التي تحيط بها من كل حدب وصوب وأولها ربما في الآونة الأخيرة انتفاضة الشعب الفلسطيني العربي فداخل الخط الأخضر وقيامه بعمليات بطولية بوسائل بدائية وبسيطة أهمها السكاكين,إضافة إلى صواريخ المقاومة الفلسطينية التي تنهمر من قطاع عزة لتصيب العمق الصهيوني وكان أخرها ربما إطلاق 3صواريخ باتجاهات مستوطنات إسرائيلية في الجنوب,فإسرائيل التي بنت عقيدتها القتالية منذ عهد ديفيد بن غور يون على نقل المعركة إلى أراضي الخصم وعلى الاستهداف الجوي من اجل ضرب مقرات القيادة والتحكم وأجهزة الاتصال الرئيسية للجيوش العربية في ارض المعركة مثلما يؤكد على ذلك اللواء عبد الرحمن شحيتلي والذي كان وقتها مساعد رئيس جهاز المخابرات في الجيش اللبناني فكل المعطيات والمؤشرات باتت واضحة وخاصة بعد تقرير فينوغراد الذي تم وضعه من قبل رئاسة الأركان ووزير الدفاع الصهيوني عمير بيريتس في تلك الحرب لتقييم الوضع العسكري ومدى جاهزية القوات الصهيونية لخوض حرب طويلة الأمد مع حزب الله.
وكذلك لمعرفة الأسباب الأساسية لهزيمة النكراء التي لحقت بالجيش الإسرائيلي الذي تهاوت معنويات جنوده بعد تلك الحرب ولم يستطع استيعاب ما حدث حتى بعد مرور 10سنوات على تلك الحادثة,فقوة الردع الإسرائيلية قد انخفضت إلى الحد الأدنى ولم يعد بإمكانها التفاخر بتفوقها البري بعد أن اصطادت وحدات المدفعية في كتائب حزب الله دبابات المركافا4فخر الصناعة العسكرية الصهيونية الواحدة تلو الأخرى وخسرت إسرائيل في 3ايام مجتمعة ما لم تخسره في 30يوما من عدوانها الغاشم على لبنان وكلفت إسرائيل خسائر بشرية مرتفعة إذ جاء في مقال قبل 3سنوات للكاتب الصحفي في صحيفة يديعوت احرونوت اليمينية ارئيلا هوفمان أن ذكري هذه الحرب ستبقي في التاريخ الإسرائيلي يوم حزن ونكسة إذ بلغ عدد ضحاياها 121جنديا و600جريح كما أن 40مواطنا إسرائيليا قد قتلوا خلال حرب تموز ويضيف كاتب المقال أن 3ايام الأخيرة من عمر الحرب كانت قاسية جدا ومرتفعة الضحايا إذ قتل فيها 35من جنوده وأصيب حوالي 400اخرين كما أن التكلفة الاقتصادية والمالية لهذه الحرب كانت باهضة إذ كلفت خزينة الدولة 13مليار شيكل ,فرغم كل ما أعدته إسرائيل لهذه الحرب من ترسانة عسكرية وخطط ميدانية وما رافقها من زخم أعلامي ,وكذلك فان المجتمع الدولي وعدد من الدول العربية قد دعمت هذه العملية العسكرية لتخلص من تهديد حزب الله نهائيا وإخراجه من معادلة الصراع الذي أصبح للأسف الشديد عربيا قبل أن يكون صراعا بمفهومه الكلاسيكي القديم وزيارة أنور عشقي الجنرال السابق ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط لإسرائيل والتقاءه بعدد من مسئوليها دليل على مدي ما وصلت إليه العلاقات السعودية الإسرائيلية من تطبيق شبه رسمي إذ لا يمكن أبدا له أو لغيره من المسئولين السابقين زيارة تل أبيب بدون اخذ الضوء الأخضر من القيادة السعودية التي بات حزب الله وإيران من يشكلون ألد أعداءها أما إسرائيل الذي تقتل الأطفال في غزة وتدمر البنية التحتية وتحتل فلسطين وجزءا من الأراضي العربية فهي أصبحت حليفا يشكل احد أعمدة الحلف العربي الصهيوني لمجابهة حزب الله وفصائل العمل المقاوم العربي ودوله.
التي رفضت التطبيع من إسرائيل أو التنازل عن دعم المقاومة في لبنان أو سوريا أو فلسطين ووقفت سدا منيعا في وجه المشروع الأمريكي الصهيوني الهادف إلى القضاء على كل ما يمت إلى المقاومة بصلة,وحزب الله ومن يقف خلفه من الأصدقاء والحلفاء يدركون هذه الحقائق لذا تركز قيادة الحزب التي استفادت كثيرا من تواجدها في سوريا في اكتساب قدرات قتالية والتمرس أكثر على حرب العصابات وكيف تدير المعارك في الأراضي الصعبة والوعرة ,ولا ننسي أيضا أن الحزب قد استفاد من تواجد خبراء إيرانيين وروس في الميدان السوري من اجل نقل الخبرات والتجارب العسكرية لدولة عظمى لها تاريخ عسكري عريق ,إلى مقاتليه وكوادره بالإضافة لغض الكرملين الطرف عن نقل معدات وأجهزة وأسلحة عسكرية متطورة من سوريا إلى حزب الله وتدريبه على كيفية استخدامها وهذا ما يثير الرعب الإسرائيلي إن أخذنا في الاعتبار ما صرح به افغدور ليبرمان وزير الحرب الصهيوني الحالي من أن الترسانة العسكرية الصاروخية لحزب الله قد تجاوزت عتبة 100الف صاروخ مختلفة الأحجام والأوزان ومدى بعضها يصل إلى العمق الإسرائيلي بل يتجاوزه إلى تغطية كل مساحة الكيان الصهيوني وهذا ما دفع بقائد لواء الدفاع الجوي في الجيش الصهيوني العقيد يونى صعده ماروم إلى القول بان حزب الله اللبناني يعد من اكبر التهديدات لإسرائيل في المنطقة لامتلاكه إمكانيات كبيرة ,فالكيان الغاصب الإسرائيلي في مأزق استراتيجي لا يحسد عليه بعد أن فشلت كل محاولاته وأنظمته الدفاعية منذ 2006وصولا إلى حرب غزة 2014في وقف انهمار صواريخ المقاومة الفلسطينية واللبنانية على المدن والبلدات والقرى الإسرائيلية فرغم أن الجيش الإسرائيلي قد صرف المليارات من الدولارات على أنظمة اعتراض الصواريخ وتفجيرها جوا كنظام القبة الحديدية ولكنه قد فشل في صدها أو حتى إسقاط الجزء الأكبر منها وهذا ما يثير عدة تساؤلات حول ما يمكن لإسرائيل فعله في المواجهة المقبلة مع حزب الله التي يعلم كلا الطرفين أنها قادمة لا محالة .
والشيء الأخر الذي بات يؤرق صناع القرار السياسي والعسكري في تل أبيب هو التكنولوجيا العالية والغير مسبوقة والتي لا تتمتع بها دولا عربية كبرى والتي أصبحت في متناول مهندسي الحزب وعقوله حيث تم تزويده بها إيرانيا ونجح في صنع نسخ معدلة ومطورة منها محليا وهي الطائرة بدون طيار والتي حلقت قبل أيام وتوغلت من جبهة الجولان المحتل نحو الأراضي الإسرائيلية وحلقت لحوالي 3ساعات كاملة وزودت الحزب بمعلومات وصور هامة عن الاستعدادات العسكرية الصهيونية في الجبهة الجنوبية ,ولم تستطع أجهزة الرادار الجوي المتطورة ولا طائرات سلاح الجو من اكتشافها فضلا عن استهدافها وإسقاطها وأدت مهمتها بنجاح منقطع النظير,وبالتالي فان هذا الأمر يجب أن يدق نقوس الخطر في المؤسسة الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية
لان فرص دخولها حربا شاملة مع حزب الله وتحقيقها انتصارا عسكريا يغير من معادلات القوى في المنطقة ويضمن لها التفوق الاستراتيجي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط بات أمرا شبه مستحيل في ظل حديث السيد حسن نصر الله عن مفاجآت غير متوقعة يعدها الحزب في أي حرب قادمة مع الصهاينة وتلميحه ضمنيا بإمكانية استهداف مخازن الامونيا في حيفا واجتياح بلدات الجليل الأعلى وان حدث ذلك فان عدد القتلى في الكيان الصهيوني لن يقل عن 100الف قتيل وهى كارثة بشرية وإنسانية لن تقوى إسرائيل على تحملها بالتأكيد فدروس حرب تموز 2006 والتي استفاد منها الحزب على عكس إسرائيل التي رغم أن جيشها ولواء الشمال في كل شهر تقريبا يقوم بعمليات تحاكي حربا حقيقية مع عناصر الحزب أطلق عليها نقاط التحول ولكن كل هذه المناورات والتكتيكات الإسرائيلية والتي هي مرصودة قطعا من طرف استخبارات الحزب وشعبة المعلومات في الجيش اللبناني وخسارة الموساد الإسرائيلي لأهم شبكات عملاءه في لبنان والتي يتم كشفها وتفكيكها تباعا جعلت إسرائيل ومن قبلها وكالة المخابرات الأمريكية بدون فواعل أمنية وعسكرية وعناصر استخباراتية ومصادر معلومات يمكن التعويل عليها في الحروب القادمة ورغم الأقمار الصناعية العسكرية التجسسية ولكن كل هذه الأقمار والأجهزة المتطورة أثبتت فشلها في كشف أسرار حزب الله العسكرية وخططه التكتيكية وبالتالي فان أي حرب يشنها الكيان الصهيوني على لبنان ستكون نتائجها كارثية بالتأكيد على مستقبل الدولة العبرية وربما وجودها من الأساس.
بقلم: عميرة أيسر كاتب جزائري

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *