-->

حديث تحت ظل “المحظرة ” : على هامش رحيل العلامة ابراهيم السالم ولد لبيظ


في ظل زحف مظاهر المدنية . ورحيل قاماتها الجليلة هل تتحول “المحظرات” والكتاتيب الدينية في مخيمنا الى صرح هوى.
مرة اخرى يغيب الموت المحتوم قامة من قاماتنا الدينية التي عاشت بيننا ورحلت دون ان نحفظ جليل بصمتها الدينية التي ظلت محل احترام الكبار وتقدير العارفين ، لكنها كغيرها من القامات الدينية الاخرى لم تحظ باهتمام الدارسين ، العلامة ابراهيم السالم ولد لبيظ .شيخ جليل ينتمي لجيل من الففهاء الصحراويين الشعبيين الذين كانوا اقرب للناس واجدر باحترامهم من ائمة الزمن الجديد.
افنى الشيخ عمره في الصلح وإبتغاء مرضات الله وتعليم الصغار القرآن الكريم ، حمل الشيخ على عاتقه تدريس الكتاب والسنة على نهج سلفنا الصالح . فترك بصمته بين اجيال كثيرة تعلمت ابجديات القراءة والنحو على يد الشيخ الذي سلم الامانة لواحد من ابناءه ، رحيل العلامة ابراهيم السالم ولد لبيظ ، يعيد الى الاذهان تساؤل مشروع للمهتمين بذلك : مامصير كتاتيبنا الدينية ومحظراتنا على قلتها والتي تحافظ الآن ورغم كل الاهمال الذي يصيبها , تحافظ على هوية مجتمعنا الدينية السمحة والتي تميل الى الوسطية على نهج المذهب المالكي السمح.
يجهل الكثير منا الآن واقع الكتاكتيب القرآنية وحتى مساهمتها الكبرى في تعليم ابنائنا الصغار طرق العلم الصحيحة . وتاثيرها الجلي في صقل مهارة التلميذ لغويا وحتى عقليا . اذ ان اغلب الاطفال المتفوقين في دراستهم داخل الفصول المدرسية سبق لهم المرور عبر الكتاكتيب القرآنية قبل ولوج المدرسة . لذلك في الاغلب تعترف وزارة التعليم بالدولة الصحراوية باي اثبات للمستوى يحمله التلميذ الذي يدرس المدارس القرآنية . مثلا قد يقضي التلميذ اغلب عمره الدراسي في المدراس القرآنية الى غاية الطور الثانوي مثلا فيكون بإمكانه القبول في التمدرس بلا مشكل .
ونظرا لنجاحها الكبير في تعليم الطفل ابجديات النطق السليم وتقويم لسانه . ادرجت وزارة التعليم تدريس “اللوح” في دور التربية للاطفال الصغار . وذلك اعترافا بالأثر الايجابي الذي يترك هذا النوع من التعلم في ذهن الطفل وتنمية مهاراته المعرفية . غير ان كل هذا الجهد المبذول من قبل القائمين على الكتاتيب القرآنية لايزال يواجه بتكاسلنا وجهلنا لما تقوم به تلك المدراس الاصلية التي حافظت على هوية المجتمع الصحراوي قديما وحديثا .
ومع تقصير الدولة والحركة في اعطاء رجالات الدين دور على ركح المسرح بمخيمنا ، الا ان الكثير من حملة القرأن الكريم عمل بجد وتفاني وبشكل فردي على ايصال رسالة الاسلام ونشرها ، فظهرت كتاتيب قرآنية تحدت الظروف وقلة الحيلة لصنع اجيال صحراوية مفيدة . كان الراحل ابراهيم السالم ولد لبيظ احد شيوخها الفضلاء . قبل ان يترك المشعل لتلاميذه لاستكمال مسيرة نشر خير علم .، انه العلم الشرعي الصحيح .
وفي الكلام عن المدارس الدينية ودورها بالمخيمات لايمكن التطرق لذلك دون الحديث عن “المحظرة ” الوحيدة التي لاتزال قائمة في مخيمنا صامدة في وجه كل شيء . الاهمال والظروف الطبيعية واحيانا تشويه البعض. محظرة الشيخ محمد عالي ولد احمد جدو ، اسم مشهور وبصمة لن تندثر منذ بداية تسعينيات القرن الماضي . وارث يستحق ان يكون ضمن الموروث العالمي في اجندة اليونيسكو . فهي الوحيدة في مخيمات اللاجئين وعلى ارض قاحلة تحيطها الكثبان . ولاتزال تحافظ على بيئة المحظرة الطبيعية رغم كل التغيرات .
كانت “المستقبل الصحراوي” سباقة في تسليط الضؤ على تلك المحظرة في تحقيق خاص . شمل كل شيء من التاريخ الى التحديات التي تواجه التعليم الاصلي في مخيماتنا . محظرة الشيخ محمدعالي , هي اكبر المدراس تاريخيا واوضحها منهج للتدريس واكثرها تلاميذ حيث وصلت في بعض مراحلها الى 300 تلميذ.
شكل وجودها ثورة دينية حقيقية . وتطورت من الخيم الى البيوت . كانت المحظرة قبلة الكل يومها . حتى الآن تخرج المدرسة سنويا ازيد من 30 فتاة من حملة القرآن في ظل غياب استغلال امثل لهن كمرشدات دينيات ينشرن الدين الصحيح بين النساء في ظل التيارات الدينية المتصارعة .
الكلام عن الكتاكتيب القرآنية والمحظرات يحيلنا الى المنهاج الدراسي الذي تدرسه تلك المدارس في الاعم ويجهله كثيرون . حيث يتدرج الطلاب من تعليم القراءة اومايعرف شعبيا “تيديمكي” قبل معرفة كتابة القرآن بشكل متدرج. وبعد الحفظ الاول المعروف شعبيا ب”اذهابة ” واعادة الحفظ لمرة اخرى . بعد سنوات من الدراسة يتعمق الطالب اكثر في التخصص الفقهي حيث امهات الكتب المالكية كالاخضري وابن عاشر ورسالة ابن ابي زيد القيرواني كل هذا في الفقه . وفي اللغة مقدمة عبيد والاجرومية وثم الفية ابن مالك . السيرة النبوية هي الاخرى لاتغيب عن المنهاج حيث سيرة النبي لابن هشام او الرحيق المختوم لابن المباركفوري.
وجود بيئة محظرية تحتصن التلاميذ ساهم بشكل كبير في احتضان العديد من ابنائنا وتحويلهم الى اشخاص نافعين في المجتمع .يحملون كتاب الله . غير ان الاهمال وجهلنا طال هذا الموروث الشعبي الديني الذي يحمل جلودنا .دون ان يغير لباسنا او استيراد منتوج الغير في اللباس والكلام وحتى المشيء.
وسط ضجيج اهل المخدرات . وفتاوي القتل المنتشرة . لاتزال المحظرات الدينية والكتاتيب تحارب تهميشها وتصنع اجيال ملتزمة باخلاقنا وقيمنا .صحراوية اللباس والنطق . وفيما نستهلك انتاج البعض جهلا وتقليدا حتى نكون مسخا فقهيا يردد فتاوي الغير كالببغاوات .تبقى المحظرات الدينية قائمة .تحارب الجهل وتزرع الخير .رغم ظلم ذوي القربى الذي هو اشد وقعا من الحسام المهند .
رحم الله الشيخ ابراهيم السالم لبيظ وكل مشايخنا الاجلاء . وجزاهم الله احسن ماتركوا علما ينتفع به .
المصدر: المستقبل الصحراوي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *