-->

رحيل المرحوم ابراهيم السالم لبيظ و التاريخ الضائع


بقلم: المهندس امبارك البشير
بسم الله الرحمان الرحيم
قال الله سبحانه و تعالى (كل نفس ذائقة الموت), و قال ايضا ( كل من عليها فان) صدق الله العظيم.
برحيل الأب العلامة و الفقيه ابراهيم السالم لبيظ سيدي بلالي تكون قد انطفأت شمعة علم ظلت تضيء ما يقارب المئة عام و نكون قد خسرنا شخصية كانت تعتبر رافدا من روافد العلم و المعرفة و الفتوى لدى المجتمع الصحراوي.
الفقيد رحمة الله عليه من مواليد 1917 بضواحي واد الساقية الحمراء. درس و حفظ القران على يد سادة عرفوا بالعلم وحفظ القران و الالمام بالسنة النبوية و العلوم الشرعية من امثال ابيه و اجداده و العلامة سيد البشير اعمن، حفظ على ايديهم كتاب الله و تعلم سنة رسوله، تربى و نشأ في اسرة صحراوية محافظة معروفة بالعلم، عرف عنه الصدق و الأمانة و التواضع و الصبر و الوفاء. كرس حياته في تدريس و تحفيظ القرأن الكريم و السنة النبوية، كان كذلك اماما و مفتيا ملما بالعلوم الشرعية، عارفا بالعلوم الفلكية و امنيرا، وقد عرف عنه كذا شغفه بمتابعة تطورات القضية الوطنية و لم يزره احدا الا و بادره بالاستفسار عن مستجداتها ثم يتبعه بالسؤال عن احوال الناس.لقد ظل صامدا مع هذا الشعب ولم يبرح مخيمات اللاجئين الا في حالة واحدة عندما أتيحت له الفرصة لزيارة بعض افراد عائلته في المناطق المحتلة و ذلك في اطار الزيارات العائلية التي تشرف على تنظيمها مفوضية غوث اللاجئين و غير ذلك فإنه رفض جميع عروض و انواع الزيارات بما فيهم الخروج الى البادية لأنه كان يفضل البقاء مع المستضعفين الذين لم تتح لهم الفرص ليشاركهم ألآمهم و أفراحهم على هذه الأرض التي قدر له ان يدفن فيها.
المرحوم ظل متمكننا من ذاكرته بالرغم من كبر سنه و بلوغه المئة عام و كان يعتبر مرجعية تاريخية بكل ما تحمل الكلمة من معنى وخبير في جمهرة انساب المجتمع الصحراوي و بفقدانه يكون قد افل نجم ظل يضيء لاكثر من قرن من الزمن و نكون نحن قد فوتنا فرصة لا تعوض بثمن.فرصة كتابة و تدوين التاريخ القديم للمجتمع الصحراوي بكل تفاصيله الدقيقة، يحكى ذلك بموضوعية تامة وبكل صدق و امانة و بدون تحيز لاي كان و بطريقة مشوقة ما يجعل المستمع متشوق لسماع المزيد، ان فقدان المرحوم يعتبر انتكاسة لنا مضاعفة لاننا لم نفقد شخص عادي بل فقدنا شخصية فذة يعتبر مكتبة متكاملة في حد ذاته ان صح التعبير جامعة لجميع العلوم الفقهية و التاريخية و الفلكية و المعرفة الدقيقة و المتمكنة لجميع مكونات المجتمع الصحراوي، و اذا استفسرته عن احد من الذين عاشرهم او عاصرهم أعطاك الجواب الكافي و الشافي.
ان رحيله عنا ترك فينا فراغا لا يمكنه سده و قليل هم امثاله الباقين اليوم اولئك الملمين بالتاريخ القديم للمجتمع الصحراوي العارفين بعاداته و تقاليده ومكوناته و اذا بقينا في غفلة من امرنا ولم نعطي الامر حقه من كتابة تاريخنا و تدوينه بكل حيثياته و بكل موضوعية و مصداقية فاننا سنصبح مجتمعا بدون تاريخ و نعطي للاخرين فرصة كتابة و تحريف و تشويه تاريخ و امجاد و بطولات اجدادنا.
ان كتابة التاريخ و تدوينه يعتبر مرجعية مهمة و اساسية للكثيرين من مؤرخين و طلاب جامعات و باحثين و احيانا في التحكيم الدولي للنزاعات. واذا لم ناخذ الامر على محمل الجد و نستغل الفرص الباقية و نضع الية لتدوين التاريخ الشفوي المحفوظ لدى بعض مشايخنا الباقين فاننا سنتحمل مسؤلية ضياع تدوينه و تفويت الفرص المتاحة.
لقد كنت احاول في كل مرة ان اجد فرصة للجلوس مع الفقيد و كتابة ما استطعت من تاريخ المجتمع الصحراوي القديم من غزوات و معارك ضد المستعمر الاسباني و الفرنسي التي وقعت على ارض وطننا الحبيب او تلك التي وقعت في البلدان المجاورة و التي شارك و استشهد فيها الكثير من اجدادنا باسم الجهاد و محاربة المستعمر الدخيل، كتابة كذلك علوم الفلك الملم بها و تدوين ما استطعت منها، لكن انشغالي الكثير بهموم الدنيا حال دون ذلك و اختطفه الموت دون ان يترك لي حتى فرصة الوداع الاخير. رحم الله الفقيد و اسكنه فسيح جنانه.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *