-->

كوهلر بين مطرقة القانون الدولي وسندان لعبة المصالح


بقلم: الديش محمد الصالح
تتمتع قضية الصحراء الغربية بحمولة قانونية كبيرة تتعزز باستمرار، وهذه الحمولة القانونية هي التي صنفتها كقضية تصفية إستعمار وآخرها في افريقيا. واصبح واضحا ان استمرار تجاهل حل هذه القضية سينعكس على مصداقية الأمم المتحدة التي تتواجد بالتراب الصحراوي منذ 1991، وعاجزة عن تنظيم استفتاء لتقرير مصير شعب الصحراء الغربية بسبب المصالح المتداخلة والمعقدة التي نسجتها أنظمة توسعية وقوى استعمارية لازالت لم ترق إلى مستوى متطلبات العصر وتطلعات الشعوب في عالم يسوده الأمن والاستقرار والتعايش السلمي.
وقد حاولت تلك القوى والأنظمة اكثر من مرة ان تخلق المبررات والاسباب لعرقلة مسار تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية وخاصة بعد ان أدرجت هذه الاخيرة سنة 1963 ضمن الاراضي التي لا تتمتع بحكم ذاتي في انتظار ان يقرر شعبها مصيره. وانتهزت هذه القوى والأنظمة الموالية لها خاصة النظام المغربي فرصة الحرب الباردة لاحتلال تلك الأراضي ضدا على إرادة شعبها، مستعملة كل انواع الضغوط على القوة المستعمرة انذاك اسبانيا للرضوخ لمخططها الذي لاشك أنه يراهن على الأهمية الجيواستراتيجية للصحراء الغربية والموارد الاقتصادية التي تتوفر عليها.
وان كان المنتظم الدولي مقتنعا كلية بوضوح الطريق القانونية لحل القضية الصحراوية لكن تلك القوى الفاعلة في مجلس الأمن وخاصة فرنسا ظلت واقفة بالمرصاد أمام حصول أي تقدم في اتجاه تطبيق القانون، وهي التي كانت وراء إفشال كل الجهود الدولية وحالة الانسداد القائمة واقتصار مهمة بعثة المينورسو اليوم على ضمان استمرار وقف إطلاق النار. هذا ما شجع النظام المغربي على التمادي في سياسة إدارة الظهر للقرارات الدولية بل التمرد أحيانا عليها، كما أن تورط العديد من الدول وخاصة أوروبا في نهب الثروات الصحراوية بشكل مباشر أو غير مباشر هو الآخر اثر على قوة القرارات الدولية واضعف أية محاولة للضغط على النظام المغربي لتطبيق تلك القرارات. 
يبدو ان المبعوث الشخصي الحالي للأمين العام للأمم المتحدة السيد هورست كوهلر مختلفا شيء ما عن ما سبقه من المبعوثين، بحيث انه يحاول إشراك الجهات الدولية الفاعلة التي لها علاقة مباشرة بقضية الصحراء الغربية لعله بإشراكه لها سيفلح في فك العقدة والاسترشاد إلى طريق الحل النهائي. ويدرك المبعوث الشخصي جيدا ان عامل الجدية اساسي في هذه المرحلة، بحيث جند الدولة التي ينتمي إليها - المانيا- في عمله لضمان التزامها بمقتضيات القانون الدولي، ولعل تأييدها لمهمته ودعوة وزير الدولة الالماني ماتياس ماشنيغ الأخيرة للشركات الألمانية لسحب استثماراتها في الصحراء الغربية جاء في هذا المضمار. ولا شك أن الالتزام بمقتضيات القانون الدولي خطوة في الاتجاه الصحيح لأنه لا يمكن ضمان المصالح دون الاحتكام إلى القانون الدولي خاصة وان المسألة تتعلق بتصفية استعمار وتقرير مصير شعب ارض توجد ضمن لائحة الأمم المتحدة للأراضي التي لا تتمتع بحكم ذاتي.
ويكون كولر، بلقائه بكل من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي ورئيس مجلس السلم والأمن والرئيس المقبل للاتحاد، هذه اللقاءات التي أتت مباشرة بعد قمة الشراكة الإفريقية الأوروبية بابيدجان، كوت ديفوار، والتي شاركت فيها لأول مرة الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية على قدم المساواة وعلى اعلى المستويات، قد انطلق من قوة الموقف الافريقي المساند للقضية الصحراوية والدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد الافريقي باعتبار أن النزاع يقع في منطقته، كما انه الشريك الأول لأوروبا والضامن لمصالحها، وبالتالي فأفريقيا هي التي ستحدد طبيعة المصالح المستقبلية معها، وخاصة بوجود الجمهورية الصحراوية عضو في الاتحاد الافريقي وتحظى بمكانة قوية داخله. 
وكما تأتي جولته لأوروبا، المتورطة في لعبة المصالح ومصدر العرقلة للطريق القانونية لحل قضية الصحراء الغربية، في وقت يزداد فيه صوت العدالة الأوروبية المؤيد لاحترام القانون الدولي قوة بعد توصية المدعى العام للمحكمة الأوروبية خلال الشهر الحالي بتوقيف اتفاقية الصيد بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية لعدم شرعيتها. فاللقاء برئيسة المفوضية الأوروبية من شأنه أن يذكرها بالخروقات المستمرة للقانون الدولي وأهمية التعاون لإنقاذ مصالح أوروبا على أسس ثابتة وحان الوقت للتفكير فيها. اما فرنسا، فهي كذلك لابد من تنبيهها إلى ضرورة تغيير سياستها التقليدية اتجاه إفريقيا، وان تساهم في ترقية القارة بشكل يضمن استقرارها وأمنها ولا يعمق مشاكلها. كما أن اهمية إسبانيا تكمن في كونها لازالت القوة المديرة للصحراء الغربية ومسؤوليتها لن تنتهي إلا بتمكين شعب الصحراء الغربية من ممارسة حقه في تقرير المصير.
ان تركيز السيد كولر على الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي في مقاربته الجديدة ينطلق من قناعته ان قضية الصحراء الغربية ستظل عقبة كبيرة أمام شراكة حقيقة اذا لم يراع في حلها احترام إرادة شعبها في تقرير المصير وبناء كيانه المستقل، لأن عامل الاستقرار والأمن اساسي في ترسيم تلك الشراكة والارتقاء بمستواها. فالكثير من مخاوف الاوروبيين قد زال بزوال أسبابها من حرب باردة وغيرها، وبالتالي فالقبول بالحقيقة الصحراوية اكثر ما يخدم المستقبل من ان يبقى فتيل إشعال النار قائما في اي لحظة وحجم الخسائر التي ستترب في حالة حدوث ذلك سيكون كبيرا جدا.
فهل ينجح كوهلر، ومن وراءه دولته المانيا التي تبحث عن دور اكبر لها في المشهد الدولي، في تسوية أطول قضية تصفية استعمار، وفي تصحيح الاخطاء والمفاهيم في نظرة أوروبا لإفريقيا للتأسيس لشراكة حقيقة في ظل الأمن والاستقرار؟

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *