-->

المجازر الصهيونية في غزة.. هل جنوب أفريقيا وتركيا أكثر "عروبة"؟


بينما يظل الموقف العربي الرسمي حبيس التنديدات والشجب في رده على مجزرة غزة التي راح ضحيتها عشرات الشهداء سقطوا برصاص قوات الاحتلال في ذكرى النكبة، استدعت دولتا جنوب أفريقيا وتركيا سفيريهما لدى تل أبيب، بينما استدعت إيرلندا السفير الإسرائيلي لديها، في رسالة عملية وبليغة للتعامل مع الغطرسة الإسرائيلية.
رسالة جنوب أفريقية تركية
جنوب أفريقيا -التي عانت لسنوات طويلة من إرهاب نظام الفصل العنصري (الأبرتايد)- لم تكتف بالتنديد وإدانة المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل بغطاء ودعم أميركي واضح في الذكرى السبعين لنكبة فلسطين، ولكنها استدعت سفيرها لدى تل أبيب احتجاجا على إطلاق قوات الاحتلال الرصاص على المتظاهرين في قطاع غزة، مما أدى إلى استشهاد حوالي ستين فلسطينيا وإصابة أزيد من ألفين آخرين.
واعتبرت وزارة الخارجية الجنوب أفريقية في بيانها أن استدعاء السفير الإسرائيلي جاء ردا على "عشوائية الهجوم الإسرائيلي" الذي تسبب في استشهاد عشرات الفلسطينيين، بعدما خرجوا للاحتجاج على "الافتتاح المستفز للسفارة الأميركية في القدس" المحتلة.
وجددت السلطات في جنوب أفريقيا مطالبتها للقوات الإسرائيلية بالانسحاب من قطاع غزة وإنهاء العنف ووقف العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية، ودعت إلى إجراء تحقيق مستقل يفضي إلى محاسبة المتورطين في قتل المحتجين الفلسطينيين.
وتعرف جنوب أفريقيا بوقوفها الدائم إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني ودفاعها عنه في المحافل الدولية، وللزعيم الراحل نيلسون مانديلا جملة شهيرة يقول فيها: "نحن نعلم جيدا أن حريتنا ناقصة من دون حرية الفلسطينيين"، وهو الذي بعث رسالة رسمية أثناء فترة رئاسته عام 1994، لدعم الزعيم الراحل ياسر عرفات والفلسطينيين من أجل تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة في إطار عملية السلام.
كما أن وزير أجهزة الاستخبارات السابق في جنوب أفريقيا روني كاسريلس كان قد وصف في مايو/أيار 2007 احتلال إسرائيل لفلسطين بأنه "أسوأ من نظام الفصل العنصري" السابق في بلاده، وأشار -في كلمة باجتماع نظمته الأمم المتحدة عن الوضع في فلسطين- إلى أن معازل السود في جنوب أفريقيا لم تقصف قط بالمروحيات والدبابات كما يحدث في الأراضي الفلسطينية.
أردوغان و"إرهاب الدولة"
تركيا الشعبية والرسمية أيضا انتفضت في ردها على مجزرة الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وطردت السفير الإسرائيلي لديها، واستدعت سفيريها في واشنطن وتل أبيب بهدف التشاور، وأعلن الرئيس رجب طيب أردوغان حدادا وطنيا في تركيا لمدة ثلاثة أيام من أجل التضامن مع الشعب الفلسطيني، وقال في تصريح له إن إسرائيل تمارس "إرهاب الدولة، هي دولة إرهابية، وما تفعله يمثل إبادة جماعية".
وطالبت تركيا على لسان المتحدث باسم الحكومة بكر بوزداغ، مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات فورية لحماية الفلسطينيين، وحمّل المسؤول التركي -في مؤتمر صحفي بالعاصمة أنقرة- الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية مجزرة غزة بالقدر الذي تتحمل فيه إسرائيل المسؤولية، وقال "إن أيدي الولايات المتحدة أيضا ملطخة بدماء الفلسطينيين".
ومنذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب -في 6 ديسمبر/كانون الأول 2017- الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وقرر نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، لا يتردد الرئيس أردوغان في مهاجمة الموقف الأميركي، وكان قد حذر في تصريح له من أن القدس قرة عين المسلمين وخطهم الأحمر. وهو الذي دعا إلى مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي الذي أعلنت خلاله الدول الـ57 الأعضاء أن القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين، وحثت الدول الأخرى على القيام بالمثل.
وإلى جانب تركيا وجنوب أفريقيا، تفيد آخر الأنباء بأن إيرلندا من جهتها استدعت السفير الإسرائيلي في دبلن زئيف بوكر للاحتجاج على مجزرة غزة، وأعلنت وزارة الخارجية في بيان أن الوزير سايمون كوفني "استدعى السفير الإسرائيلي في إيرلندا للإعراب عن صدمة إيرلندا وشجبها لمستوى أعداد القتلى والجرحى أمس في قطاع غزة".
وبخلاف الموقفين الجنوب أفريقي والتركي والإيرلندي، فإن الأنظمة العربية الرسمية في ردها على المجزرة الإسرائيلية في غزة ونقل السفارة الأميركية إلى القدس ظلت حبيسة التنديد والشجب، فمن الأردن إلى تونس وقطر ونواكشوط والجزائر والمغرب ومصر صدرت تصريحات رافضة للمجزرة، ومحذرة من أن الخطوة الأميركية من شأنها أن تزيد العنف والاحتقان في المنطقة العربية.
بينما دعت الكويت -مدعومة بدول عربية- إلى عقد جلسة طارئة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي من أجل بحث التطورات في الأراضي الفلسطينية، وهي خطوة لن تحقق الاختراق، باعتبار أن الفيتو الأميركي جاهز لإحباط أي محاولة لدعم الشعب الفلسطيني تحت أروقة الأمم المتحدة.
الخذلان العربي
والخطير في الموقف العربي الرسمي هذه المرة أن بعض أطرافه لم تكترث للدماء الفلسطينية التي سالت، ولا بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ولا حتى بالإهانات التي وجهها الرئيس ترامب لجميع العرب والمسلمين، حيث اختار يوم نكبة الشعب الفلسطيني لنقل سفارته إلى القدس.
وبينما كان الفلسطينيون يبكون شهداءهم الذين سقطوا برصاص الاحتلال، تنقل وسائل الإعلام المختلفة عن وزير المواصلات الإسرائيلي أيوب قَرّا قوله إنه تلقى دعوة رسمية وعلنية لزيارة دولة الإمارات، وتوقع أن تكون في يونيو/حزيران المقبل، كما توقع الوزير الإسرائيلي -بحسب مراسل الجزيرة- زيارات من مسؤولين خليجيين لإسرائيل قريبا، مؤكدا أنها ستكون بشكل علني صريح.
المنظمة العربية لحقوق الإنسان -ومقرها بريطانيا- انتقدت في بيان لها دعوة دولة الإمارات وزير الاتصالات الإسرائيلي لزيارتها، في ظل المذابح التي ترتكبها حكومة الاحتلال بحق الفلسطينيين.
وقبل ذلك، وبينما كان الشعب الفلسطيني يقاوم الاحتلال ويدافع عن القدس في مسيرات العودة، هرولت بعض الأنظمة العربية باتجاه إسرائيل، وتحدثت تقارير نشرتها صحف أميركية وإسرائيلية عن اتصالات بين تل أبيب وكل من الإمارات والبحرين والسعودية، لتوطيد العلاقات ثم تطبيعها. 
وتحدث موقع ناشيونال إنترست الأميركي في أبريل/نيسان 2018 عما اعتبره تطبيعا تاريخيا قادما للعلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، وكشف أنه في 13 مارس/آذار الماضي تجّمع ممثلون لكثير من الدول العربية مع ممثلين لإسرائيل في البيت الأبيض برئاسة كبير مستشاري الإدارة الأميركية جاريد كوشنر، واصفا ذلك بأنه حدث لم يسبق له مثيل في التاريخ الدبلوماسي للعلاقات بين إسرائيل والعرب.
ويرى مراقبون أن التعاطي العربي مع الشأن الفلسطيني وهرولة بعض الأنظمة العربية الرسمية -مثل الإمارات والبحرين- لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، يشكل طعنة للفلسطينيين وحقوقهم التاريخية، ويطرح تساؤلات كثيرة حول علاقة العرب بالقضية الفلسطينية، وهل أصبحت هذه القضية لا تدخل ضمن أولوياتهم كما كانت من قبل، خاصة في ظل ما يروج عما يسمى بـ"صفقة القرن"؟
المصدر : الجزيرة + وكالات,مواقع إلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *