-->

الصحراء الغربية لعبة المصالح الدولية في المغرب العربي

بقلم: محسن أبا بداتي
تعد قضية الصحراء الغربية من أكثر القضايا تعقيدا وخطورة في التاريخ المعاصر لمنطقة المغرب العربي، نتيجة لتزايد المصالح الغربية منذ بدايات الاستعمار الأوربي في دول المنطقة وما شهدته من تقسيم للنفوذ بين البلدان الأوربية نفسها، ثم إن الأطماع الغربية في الأراضي الصحراوية ليست وليدة اللحظة و إنما هي نتاج لعديد الاتفاقات القديمة بين المغرب بصفته تحت الحماية الفرنسية والدول الأوروبية من جهة، وبين فرنسا الاستعمارية و إنجلترا والبرتغال و إسبانيا وإيطاليا وألمانيا من جهة أخرى، فلطالما سعت هذه الدول إلى حماية مصالحها مجتمعة وفرادى.
فالموقع الاستراتيجي للصحراء الغربية أو ما عرف أثناء الاحتلال الإسباني ب: ( الصحراء الإسبانية ) جعلها محل أطماع الأوروبيون نظرا إلى كونها تتوسط المغرب وموريتانيا والجزائر والمحيط الأطلسي أي أنها كانت نقطة عبور لمختلف القوافل التجارية بين المناطق المذكورة مما أعطاها الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها اليوم والتي لا غنى عنها في بناء اتحاد مغاربي موحد يضمن لشعوب المنطقة مزيدا من الازدهار والرخاء.
إن قضية الصحراء الغربية لا تنحصر وفقط على تقرير مصير شعب عربي منسي يعاني الاحتلال منذ زمن بعيد أو ادراج ملف حماية حقوق الإنسان إلى مهمة مينورسو بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في آخر مستعمرة إفريقية،  بل تتجاوز ذلك إلى أبعد مما نتصور وهذا ما يقودنا إلى التساؤل عن سبب التناقضات الكثيرة التي تمر بها هذه القضية خاصة وأنها مطروحة على طاولة الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية الاتحاد الإفريقي حاليا منذ عقود؟
كي نجيب على هذ الإشكال يجب أن نعود إلى ثنايا التاريخ، حيث تزامن إندلاع الكفاح المسلح في الصحراء الغربية ضد المستعمر الإسباني ماي 1973 مع حاجة الولايات المتحدة الأمريكية إلى نقاط متنوعة تخلق من خلالها بؤر توتر مما يساعدها في عزل منطقة المغرب العربي بحكوماتها وشعوبها عن المشرق العربي، فليس من المصادفة أن في هذه الفترة بالذات بدأت الحرب الأهلية في لبنان، وليس من باب الصدفة تزامن التوقيع على اتفاقية مدريد المشؤومة  التي قسمت الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا مع التوقيع على اتفاقية سيناء وكلاهما بمثابة الوقود الذي يزيد الوضع العربي تأزما بدل البحث عن حلول كان بالإمكان أن تخرج بالشعوب العربية إلى بر الأمان في تلك الفترة العصيبة.
تلتقي هذه الظروف مع بلوغ الصراع الدولي ذروته بغية السيطرة على إفريقيا و إعادة ترتيب التوازن الدولي السوفياتي-الأمريكي والأوروبي بعد ما لحقه من اختلال جراء تحول عدة حركات تحررية إفريقية إلى صديقة للمعسكر الشرقي أنذاك وبداية التوسع السوفياتي الاستراتيجي الذي يهدف إلى التحكم من الممرات المائية التي تعبرها رحلات النفط العربي والإيراني إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، مما يدخل القضية الصحراوية ومنطقة المغرب العربي كلها في عاصفة الصراع الدولي الذي يتحكم في مصيرها ويخضعها لمصالحه الخاصة.
تظهر جليا من خلال هذه المعطيات التاريخية علاقة قضية الصحراء الغربية  بمصالح القوى العظمى في منطقة المغرب العربي وعمق الرؤية الاستراتيجية لأهمية استمرار النزاع الذي تدفع ثمنه شعوب المنطقة ككل والشعب الصحراوي بالدرجة الأولى، فدعم فرنسا و إسبانيا الاستعماريتين للمغرب في المحافل الدولية لاحتلاله الأراضي الصحراوية وتهرب إسبانيا من مسؤولياتها التاريخية تجاه الشعب الصحراوي في تقرير مصيره بنفسه، يذكرنا بحقائق سجلها التاريخ في ذاكرة شعوب المنطقة، حقائق كرست استراتيجية غربية منبثقة عن مؤتمر فيينا 1815 ورسمت خطوط عريضة لمستقبل كان يطبخ فوق نار هادئة قرب أصحابه.
ففي البند الخامس من اتفاقية الحكومة المغربية وإسبانيا الموقعة بتاريخ 26 نيسان/أبريل 1860، والذي نص على التزام إسبانيا بأن ( لا تفوت الفرصة ولا تتنازل عن حقوقها بأي شكل من الأشكال حتى ولو بصفة مؤقتة سواء بالنسبة لمجموع التراب المشمول بنفوذها أو بعضه.)، ومن هنا يتضح لنا أن الصحراء الغربية الواقعة ضمن النفوذ الإسبانية منطقة مستقلة عن المغرب وبالتالي لا تعد جزءا من التراب المغربي بعد هذه الاتفاقية.
وفي وقت كان يعيش فيه الاحتلال الفرنسي أمرأيامه في الجزائر المجاورة أمام الثوار الجزائريين، أقرت إسبانيا رسميا بأن إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب مقاطعة إسبانية من خلال المرسوم الصادر في 10كانون الثاني/يناير1958، مما يعزز تمسك الاحتلال الإسباني بالأراضي الصحراوية حفاظا على مصالحه في المنطقة.
بعد خمسة سنوات من هذه الفترة وتحديدا في ماي 1963 اكتشفت إسبانيا الفوسفات في الصحراء الغربية وهذا ما وضع الأسس الأولى لتدخل أوروبي غربي وأمريكي في هذه المنطقة، فالفوسفات في تلك الفترة بالذات ليس اكتشافا وفقط بل حاجة بالغة في الأهمية اقتصاديا وسياسيا.
بينما كان الإسبان ينقبون عن الفوسفات الصحراوي سعت سلطاتهم إلى احتواء الصحراويين و إدماجهم تحت الإدارة الاستعمارية الإسبانية في وقت كان سيد إبراهيم بصيري بروحه الوطنية المتطلعة إلى الاستقلال عن إسبانيا يبحث عن دعم شعبي يقف في وجه الاحتلال ويطرده من البلاد، توجت هذه الجهود بانتفاضة الزملة التاريخية التي ارتكبت فيها العساكر الإسبانية مجزرة بشعة في حق الصحراويين العزل.
أمام هذا الواقع المرير وهذه الجريمة الخطيرة وجد الصحراويون أنفسهم في تحديات تحتم عليهم الدفاع عن ترابهم، فبدأت المقاومة في العيون والسمارة والداخلة ولكنها لم تكن في المستوى المطلوب لأن المواجهة لم تكن متكافئة أمام عدد العساكر الإسبانيين الهائل، مما فرض على الصحراويين البحث عن لواء يجتمعون تحته ويضمن لهم القوة، فتأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ( بوليساريو)، في 10 ماي 1973 بعد اجتماع مجموعتي الزويرات والرباط بالزويرات الموريتانية وتحديد الأهداف المشتركة، وبعدها بأيام قليلة تم إعلان الكفاح المسلح في 20 ماي 1973 ضد الاستعمار الإسباني بقيادة جبهة البوليساريو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي.
في ظل هذه الظروف المتأزمة وتصاعد الأصوات الصحراوية المطالبة بخروج إسبانيا من الصحراء الغربية كانت السلطات الإسبانية تبذل ما بوسعها للبحث عن صيغة تعطي من خلالها استقلالا داخليا أو حكما ذاتيا للصحراويين مع ضمان بقاء مصالحها في المنطقة ولكنها منيت بالفشل أمام مطلب السكان بالاستقلال التام، حتى 1975 حيث أبرمت اتفاقية مدريد الثلاثية المشؤومة التي قسمت إسبانيا من خلالها الأراضي الصحراوية بين المغرب وموريتانيا مقابل ضمانات من أبرزها امتيازات اقتصادية لها في المنطقة وسكوت المغرب عن جزيرتي سبتة وأمليلية إضافة إلى حرية السفن الإسبانية في سواحل الأطلسي.
أمام مطالب الصحراويين المتزايدة بالاستقلال التام والتمتع بثرواتهم الطبيعية على ترابهم وتنامي وتيرة التطورات السياسية المحلية، الإقليمية والدولية، وجدت جبهة البوليساريو نفسها في حرب ضروس ضد المغرب في الشمال وجحافل المغاربة النازحين من الشمال المغربي في مسيرة شعبية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مسيرة جياع استغلهم المخزن في احتلاله لتراب جيرانه و أشقاءه الصحراويين هذا من الشمال، أما في الجنوب فواجه الصحراويون موريتانيا بنظام ولد دداه إلى أن وقع اتفاق السلام الموريتاني الصحراوي في 1979 والذي أكدت فيه موريتانيا عدم مطالبتها بأي شبر من التراب الصحراوي، فيما ظلت الحرب قائمة في الشمال بين الثوار الصحراويين والاحتلال المغربي إلى غاية توقيع اتفاق توقيف إطلاق النار 1991 بين البوليساريو والمغرب حيث وصلت بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية مينورسو، ومنذ ذلك الحين والبعثة الأممية عاجزة عن أداء مهمتها أمام تعنت المغرب وتهربه الدائم من البحث عن حل يفضي إلى تقرير مصير شعب آخر مستعمرة إفريقية هي الصحراء الغربية.
في نهاية هذه الدراسة التاريخية المتواضعة والتي يمكن أن تساعد في دراسات مستقبلية، نستنتج أن مواقف الاحتلال المغربي من القضية الصحراوية ما هي إلا إمتداد تاريخي لمصالح أوروبية غربية وأمريكية  في المنطقة، مما يفسر التناقضات التي تعيشها قضية الصحراء الغربية اليوم في المحافل الدولية والمنابر الإعلامية العالمية المرتبطة بالمصالح بالدرجة الأولى.   

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *