-->

الى آخر المهاجرين...


الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة فقر وسيف يحصد الأرواح قبل الأجساد.

أيها المتعب بالحلم...
لن تتذكر وانت تنتظر دورك في طابور طلب التأشيرات كم من التضحيات و العطاء قدم في سبيل أن لا تصل الى قاع التفكير في الرحيل ، ومغادرة الوطن بفرح ، منتشيا بنصر خاطف ، تظنه ضمانة الخلود وجسر السعادة السرمدية .
أنت لن تتذكر شيئا من هذا ، لأن حيز الزمان والمكان جعل من ذاكرتك الضعيفة ، صغيرة وهشة .. لن تتذكر ، لأن بؤس طريق الحصول على جواز سفر مختوم ، صعب ، و منعرجاته حبلى بكل أمراضنا ، و فسادنا وضعفنا و أوجاعنا .. وعندما تتقزم أحلام الرجال وتتحول الى وثيقة سفر وحقيبة ومساحة أمان للعبور ، فأعلم أن الخطب جلل و أن خللا اصاب الأمل في مقتل.
أيها المهاجر الأخير...
ستصبح في النهاية عالة على دافع الضرائب الاوروبي ، وفي أغلب الأحيان ، سيزين اسمك قائمة المستفدين من إعانة البطالة وقلة الحيلة ، و التي ستستثمرها وبكل كبرياء ، في شراء سيارة تنقلها عبر موانئ الحليف . 
فحذاري أيها الرقم الجديد في قوائم لا متناهية من القصص و المهن والخيبات ، أن تسحبك الأهواء وتجعل استثمارك الصغير كأغلبية من سبقك ، فقد جُعلت أرباحها في سبيل المفاخرة امام الأقران من الذين لم يمنحوا فرصة المغادرة ، أو من اجل إشباع رغبات مراهقة ، و التفحيط أمام أعين فتيات اللجوء المرهقات بقصص العشق الممنوع .
لقد ارهقت أمتعة المهاجرين و ما اكتنزوا خيام اللجوء ، و حولت سكينته الى تشوه في العمران والبنيان والنفوس.
اليك أيها المحترم الأخير ...
في طابور المنفى الطويل كلنا وعاظ و قضاة وحفظة نصوص ..نلعن المضيف ونعتبره غاصبا لنا ولعجزنا و لماضينا وحاضرنا ... وبفخر مزمن ، نحيل للآخر كل خيباتنا و تعاستنا وبؤس احلامنا ، ونمنحه صكوك اللعنة ودعوات التدمير ...نمارس النفاق و نعتنق الكذب والخداع مذهبا ودينا.
في الغربة يا عزيزي....
ستصبح المثقف الألمعي ، وتمسي المحاضر النحرير في الوطنية والقداسة وعظمة العهد والسبيل ، وتقدم دروسا في الوعظ وسبل التنمية البشرية وقصص نجاحاتك التي لا تتعدى غرفة مظلمة من مركز ايواء أو صالون منزل مكترى من جيب حفيد من احفاد المستعمرين.
ستلعن التنظيم وتشكك في المسار و ستعتبر المجتمع قلعة تخلف ورجعية ، لا يليق بأفقك البعيد ولا بما أنت فيه وعليه ..
وثائقنا المرنة التي منحتها لك مؤسساتنا بصيغة العطف و حسن النية والضعف ، هي زاد عيشك عندما تضيق بك في شوارع الشمال الماطرة ... فأنت المطلق والمتزوج والأعزب في آن ، رائدا في حقوق الانسان و مدافعا عن مفاهيم العصر الجديدة واجيال الحقوق التي لا تنتهي .
أيها المثقل بالأمل ..
وانت في طريقك عابرا البلدان لغاية الاستفادة من الإعانات العابرة للحدود ، ستكتب على صفحات حائطك الأزرق بحروف بيضاء كنقاوة منبتك و قضيتك ، انك ديمقراطي و ليبرالي ومتحرر ويساري وشيخ زاهد في ثوب مناضل مطحون ... وأن ضيق المؤسسات الوطنية لم يستوعب سعة طموحاتك ولا قدراتك ولا أفق حلمك .
أيها المحترم ...
ستلعن الكل ، لأن خريف العمر بدأ قبل الأوان ، والمهاجر مرتين يتيم لا بواكي له.
أيها المهاجر الأخير ...
لقد سبقك كثيرون وأقلهم نجح، واختفى ليموت ... لم يحمل نفسه عناء السؤال عن واقع المنفى و وجع الأرملة و البسطاء وما تركته سنين الصبر الأيوبي على محيا الأجساد المنهكة والمتعبة من فرط اللجوء وقساوته ، والاحتلال ومرارته وعلقمه.

أيها الوجع في قائمة التغريبة الصحراوية الصاخبة ...

السبيل لتغيير واقعك هو التفكير في بدائل إيجابية من ذات الواقع والنيل من الصعاب دون مسخ ومس و تدليس .
الكرامة التي يسعى اليها كل واحد منا ، مرهونة بشرط تحقيق الهدف الجماعي .
لم ولن تكون إلا صحراويا ، وقدرك اللا حياد ، وافتقاد ساحة ليس هو نهاية المعركة او مبررا لتغييب وتعطيل فعلك وشله .

فهل تبقى كما كنت دوما ، جديرا بالرهان في جعل كل ساحة حللت بها ، ميدانا للمعركة.؟
محمد الفاروق

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *