-->

قصة اسير ... الجزء الثاني

كان جيش التحرير الشعبي الصحراوي يستقطب كل ابناء الوطن الذين كانوا يتسابقون للانضمام الى صفوفه حيث لازال في طور النشاة و كان الجيش بحاجة الى كل صحراوي بالغ يؤمن بتحرير الوطن من الغزات و المحتلين الجدد بعدما قررت اسبانيا الانسحاب تحت جنح الظلام مكبلة بهزائم هنا و هناك على ايدي ثوار جبهة البوليساريو الذين اسسو لجيش صحراوي لقن لجيوش الاطماع التوسعية فيما بعد دروسا لن ينسوها في التكتيك و التضحية.
و كان حينها النخ بدة لم يبلغ سن الرشد بعد و هذا يدعونا للتساؤل
- كيف تمكن الطفل النخ بدة من الانصمام الى جيش التحرير الشعبي؟
حكى لي محدثي ان إنضمامه إلى جيش التحرير الشعبي الصحراوي كان بالصدفة هو أيضا حيث دخل رفقة مجموعة من الثوار إلى بلدة گلتة زمور و كان قائد المجموعة آنذاك سيدي اعلي بويا ميارة، المعروف ببومدين.
و كان إلتحاق الشباب بصفوف الجيش يتم بشكل يومي، قادما من مختلف جهات الوطن، العيون و السمارة و الحكونية و بوجدور و الداخلة و غيرها، أعطاني القائد دفترا كبيرا و قلما - يقول محدثي - و أمرني بتسجيل الإسم الثلاثي لكل فرد سلم له سلاحا مع تسجيل رقم هذا الأخير و 50 رصاصة، كان السلاح عبارة عن ماص 36 بندقية تكرارية من صنع فرنسي.
بعد مضي فترة تصل إلى قرابة الشهر و نصف قال لي القائد بومدين: أن هناك قرار من  الولي مصطفى السيد بأن كل الأطفال يلتحقون بمدينة المحبس لمتابعة الدراسة، و شاء القدر انه في صبيحة اليوم الموالي جاءت دورية تتكون من أربع سيارت تحمل دفعة مدربة على سلاح الهاون 82 مم، قذائف صاروخ  (ر ب ج 7) و مدفع (ب 10) و كانت المجموعة متجهة نحو جنوب وطننا الحبيب و كان من بين أولئك المقاتلين شباب لا تتعدى أعمارهم الثامنة عشر و التاسعة عشر و كان من بينهم شاب رامي لسلاح (ر ب ج) يدعى عبدالله لعروصي معروف (بالليوة)، كنت معجب به و معجب بطريقة حمله لذلك السلاح و بطريقة كلامه و حماسته و قوله انه سيحرق اية دبابة شاهدها في المعركة و كلام كهذا ... و كانت القوة متجهة للتمركز في بلدة لگويرة، و بدل من الإلتحاق بالأطفال للدراسة فضلت الركوب مع المجموعة و أخذنا الطريق نحو مدن الجنوب إلى أن و صلنا لگويرة. بدأت المعركة صبيحة  اليوم الموالي و الذي كان يوافق يوم 10 ديسمبر 1975 حيث استمرت المعركة 10 ليالي حتى سقطت المدينة في 20 ديسمبر.
كان النخ بدة يتذكر تلك الايام بحسرة كبيرة و حينها لم يكن عقله الا عقل طفل او مراهق حيث يتذكر انه كان معجب بمقاتلين سقطا  شهيدين بعد ذلك كان كل منهما يقود فصيلة وهما : الشهيد أعلي احمد زين و باهية آب بوزيد، و مما يدل على طفولته و براءته يقول: كنت أتسلل من حين لاخر عندما تهدا المعركة حتى أصل إلى تمركز تلك الفصائل و كانوا لا  يسمحون لي أن أبقى معهم عندما تهاجمهم القوات الغازية الموريتانية و عندما أرجع إلى المدينة تكون خاوية على عروشها نظرا لشدة القصف و كثافة الرصاص حيث الشوارع خالية كأنها مدينة أشباح، لأن سكانها كانوا يجتمعون في منازل معروفة و هم الذين كانوا يتمتعون بدرجة من الأخوة و المحبة و التكامل فيما بينهم قل مثيلها و بما انني لم اكن أعرف أحداً أعود إلى منزل كان عبارة عن دار التنظيم لآخذ قطعة رشاش قصيرة المدى مات 49 كان المقاتلون يسمونها «گنيديز الذيب» و أتوجه نحو ذلك الشاطئ الجميل بحثا عن الكلاب الضالة للرماية عليها.
و في اليوم التاسع و بينما كنت اتسلل في الطريق اذ اقتربت من انتشار الوحدات الصحراوية في الخطوط الامامية بينما انا اتجول في المنطقة مر بي البعض و قال لي احدهم اعطيني سلاحك و امتعتك لاننا سننسحب رفضت ذلك و تابعت سيري وفي الطريق وجدت الاخ ع.ل مصابا في الصدر و اخذته الى المشفى و عندما وصلت الى المستشفى لمحت بطرف عيني في احدى زوايا الغرفة الشهيد باهية اب بوزيد و قد استدار ليخفي عني شيئا و بعد الاقتراب منه وجدت يده مبتورة و مصاب بنزيف و اراد ان يخفي عني ذلك حتى لا اتاثر و انا ذلك الصبي البرئ في نظره، و تاسفت كثيرا لحالته في المستشفى اين وجدت الجرحى و بعض الشهداء و من شدة الغضب اخذت سلاح احد الاخوة و اردت ان ارمي على بعض الجنود الموريتانيين الذي انهكتم المعركة و استغلوا ظلال الحيوط ليستريحوا حينها منعني الاخ م.ع المكلف بالمستشفى و قال لي ان من قوانين الحرب ان لا تستغل المستشفيات و المراكز المدنية كحماية و لا يجوز اطلاق النار منها او عليها و لكن إذا كنت مصرا على اطلاق النار علي بالخروج خارج المركز الطبي و حينها منعني البعض من ذلك، بدات في اعداد لهم بعض الاشياء من ضمنها اشعال النار و تحضير بعض الاغراض.
و عندما اشتد القصف بعد تدخل المدفعية الثقيلة المغربية في معركة لگويرة سقطت المدينة بتاريخ 20 ديسمبر اي بعد 10 ايام من المقاومة الباسلة لمقاتلي تلك الوحدات التي وصلتُ معها من كلتة زمور.
بعد  سقوط المدينة و أسر كل سكانها بدون إستثناء نساءً رجالا شيوخا، و كنا من بينهم نحن 6 جنود بيننا 3 جرحي حيث اقتادتنا القوات الموريتانية.
كان اول من وصل الينا ملازم اسمه «صار» من حظه انه كان يعرفني سابقا في بئر ام گرين فقال لي: تطورت جدا من التظاهر من اجل  الجبهة الشعبية الى حمل السلاح ضدنا و امر احد معاونيه بالاهتمام بذلك الصبي الذي اربك الحضور فلا هو من اهل المدينة و لاهو من المدنيين و يرتدي الزي العسكري حينها كنت اصغر الاسرى و الجرحى في المكان.
اقتادتنا القوات الموريتانية مقر الدرك في مدينة نواذيبو و هناك بدات قصة اخرى اشد قساوة وهي قصة السجون والمعتقلات الموريتانية.
تحقيق: بلاهي ولد عثمان. (يتبع)

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *