-->

إبتزاز ترامب لبعض من دول مجلس التعاون الخليجي سيفقد المغرب دعما ماليا كبيرا !


تربط المغرب بدول مجلس التعاون الخليجي علاقات قوية منذ زمن بحكم التماهي الكبير في طبيعة الحكم والسياسات المبنية على مصالح الأسر الحاكمة وحمايتها ، بغض النظر عن تطلعات شعوب بلدانها الرامية الى حكم راشد يصون حقوق العباد ومصالح البلاد .
فمنذ بداية ما سمي بالربيع العربي حينها ، بدأت أنظمة هذه الدول التي من عادتها مجافاة المد التحرري وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ، تحس بالخطر مما جعلها تحكم قبضتها على شعوبها وتحي سأديتها على كل من تخول له نفسه السباحة عكس تيارها المستبد ، فإنتهجت القهر والإعتقالات والتعذيب والإختطافات والإختفاء القسري والمحاكم الصورية لردع المعارضين والحد من ثورة الشارع ، وهذا طبعا بمساعدة بعض الدول الوازنة في العالم والتي لها مآربها من وراء ذلك ، ولهذا بقت هذه الأنظمة قائمة الى حد الساعة لكنها لاتعرف أين تضع رجلها في ظل المتغيرات الحاصلة اليوم .
لقد شهدت العلاقات المغربية مع بعض هذه الدول وخاصة السعودية فتورا لافتا ذهب الى حد الخلاف ، والدليل ماتناولته آنذاك بعض وسائل الإعلام السعودية الرسمية كقناة العربية بشأن قضية الصحراء الغربية بوصفها قضية تصفية إستعمار تشكل حساسية كبيرة للنظام المغربي الذي أخل ببعض شروط علاقته العريقة بهذه الدول .
إن السعودية الأم الحاضنة لدول مجلس التعاون الخليجي ولمصالح المملكة المغربية منذ زمن ، ما عادت قادرة على الإنفاق اليوم بسبب تورطها في الحرب ضد اليمن وفي العديد من القضايا التي منها الوضع في سوريا والخلاف مع إيران وقطر ، ناهيك عن الإبتزاز الذي يمارسه عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وللمرة الرابعة منذ وصوله الى سدة الحكم في الولايات المتحدة ، وإضافة إلى مسألة إختفاء مواطنها الصحفي جمال خاشقجي بقنصليتها باسطنبول التركية مؤخرا ، والتي ستكون لها تداعياتها على مستقبل محمد بن سلمان في حكم السعودية خاصة إذا ماتم إثبات ضلوعه في قضية الإختفاء القسري هذه للصحفي المذكور .
إذن السعودية اليوم في مأزق حقيقي والدور جار على بقية دول مجلس التعاون الخليجي عاجلا أم آجلا وسوف لن يكون مستقبل غالبيتها أفضل مما آلت إليه العراق وليبيا اللتين أسقط رؤساؤمها وعاث في أرضهما الغرب بزعامة أمريكا جورا وفسادا ، والدور الآن آت على السمين من دول مجلس التعاون الخليجي ليطالها الخراب والدمار ويطال زعماءها حبل المشنقة ، وهم الذين كذبوا ذات يوم بمقولة " أكلت يوم أكل الثور الأبيض " وإسترخوا على أرائكهم يمرحون .
في ظل هذا السيناريو الذي بدأ يتحقق جزء منه على الساحة في الشرق الأوسط وقد تكتمل بقيته في أفق موعود ، أخذ المغرب يفتش عن بديل له بحكم خوفه من المجهول وحاجته الى الدعم المالي والسياسي في العديد من القضايا التي تقع على رأسها قضية الصحراء الغربية ، وهو الشئ الذي دفعه الى البحث عن تحالفات جديدة تقيه شر الإنهيار أمام نضال الشعب الصحراوي ، وحراك الشعب المغربي المتفاغم بسبب العديد من الأزمات السياسية ، الإجتماعية والإقتصادية المتفاقمة ، والى حد الساعة مازال المغرب يترنح محاولا خطب ود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أشر على نظام المخزن الفاسد بالأحمر يوم دفع أموالا طائلة لغريمته في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية السيدة هيلاري كلينتون ، ولعل ترامب مازال يأخذ هذه المسألة بعين الإعتبار بدليل حرصه على حل القضية الصحراوية من خلال تقليص عهدة بعثة المنورسو الى ستة اشهر بدلا من عام والضغط بإتجاه ضرورة استئناف المفاوضات المباشرة بين جبهة البوليساريو والمغرب دون شروط مسبقة ، لإنهاء هذا المشكل الذي عمر طويلا واستنزف جهدا وميزانيات كبيرة دون تقدم ، وهذا ما يضع المغرب اليوم في ورطة حقيقية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، والأكثر من ذلك في عزلة دولية خانقة ، بدأت بوادرها من الفتور الذي تشهده العلاقات المغربية الفرنسية ، والعلاقات المغربية الإسبانية ، وعلاقاته حتى داخل الإتحاد الإفريقي ، الذي أثبت المغرب مآربه السيئة من وراء إنضمامه إلى هذا الإتحاد القاري الذي اصبح ذا وزن مؤثر على الساحة الدولية ، هذا فضلا عن محاصرة المغرب بقوانين ومواثيق الشرعية الدولية الصادرة عن محكمة العدل الدولية بلاهاي والتي تعتمدها الأمم المتحدة كمرجعية لتسوية النزاع في الصحراء الغربية ، هذا الى جانب قرار محكمة العدل الأوروبية القاضي ببطلان أي إتفاق بين المغرب والإتحاد الأوروبي لاسيما في مجال الصيد البحري في المياه الإقليمية الصحراوية ، هذا الإتفاق الذي يبدو أن البرلمان الأوروبي سيلغيه في قادم الأيام بالنظر الى النتائج التي توصلت إليها البعثة البرلمانية الأوروبية التي زارت المناطق المحتلة من الصحراء الغربية والتي وقفت على حقيقة مفادها أن الصحراويين لا يحظون فعلا بالإهتمام في أرضهم ولا يستفدون من خيرات بلدهم لتحسين ظروفهم وأحوالهم المعيشية .
في ظل هذه المعطيات الجمة وخلافات النظام المغربي مع حلفائه التقليديين سواء كانوا في الخليج ، أو في أوروبا أو في القارة السمراء ، لم يجد المغرب بدا من الإرتماء في أحضان إسرائيل كعادته لتفعيل التعاون المتبادل بينهما لاسيما في المجال المخابراتي ، والهادف الى زرع البلبلة وخلق التوتر للنيل من الخصوم ، وتاريخ المغرب حافل بمثل هذه الأشياء ، فلقد سبق وأن سرب الحسن الثاني في هذا الإطار وأيام الحرب العربية الإسرائلية ما دار في جلسات القمم العربية أثناء إنعقادها بالمغرب ، وبالتالي سيظل المغرب حليفا مدعوما من طرف اسرائيل خاصة وأن ملكه مازال يترأس لجنة القدس التي لم تجلب للشعب الفلسطيني منذ تأسيسها غير المزيد من المآسي والنكبات ، وهي التي لم تحرك ساكنا عندما أعلن ترامب نقل سفارة بلاده من تلأبيب الى القدس ، كل هذا وغيره جعل التطبيع مع هذا الكيان واردا بالنسبة للمغرب وللممالك والإمارات الخليجية وبعض الحكومات العربية المتخاذلة ، لتدفع الشعوب العربية في الأخير الثمن غاليا من ثرواتها ومن إستقرارها ومن حلمها بالرفاهية والإستقرار .
كل هذه الأمور تحرك المغرب اليوم ومايزال بعينه حول تجاه أمريكا ، التي لا يبد رئيسها ترامب أي إهتمام تجاه المغرب ، الذي يتبجح الآن بكونه أول دولة تعترف بالولايات المتحدة سنة 1777 ، لكن ترامب لا يقرأ التاريخ ولا ير في المغرب غير الفقر وإنعدام الموارد الطبيعية المهمة وضعف مكانته الدولية .
الآن وفي انتظار ماستسفر عنه حادثة إختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بأسطنبول التركية ، والتي قد تذهب الى متابعة الملك الصاعد محمد بن سلمان وربما تفضي إلى إزاحته عن السلطة في السعودية خاصة إذا ما ثبت تورطه في إختفاء أو قتل خاشقجي ، فحين ذاك يكون الملك السعودي المغرور قد مهد الطريق لنهايته ، والسبيل للرئيس الأمريكي ترامب في توجهه نحو مزيد من الإبتزاز ، لابل حتى نحو الإستحواذ على أموال دول مجلس التعاون الخليجي برمتها في المستقبل ، وهذا هو رهان ترامب للفوز بفترة رئاسية ثانية ، فغرض الرجل هو تجفيف منابع المال لصالح بلاده ومنع المستفيدين منها كالمغرب وغيره ، وبالتالي يتسنى له النهوض بالإقتصاد الأمريكي إلى أعلى المستويات ، حين تصبح كل أموال دول التعاون الخليجي تصب في الخزينة الإمريكية . 
أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تترك الشرق الأوسط بسلام قبل أن تبسط سيطرتها التامة على المال السعودي والخليجي عموما ، وحينذاك ستحقق حلم الشرق الأوسط الجديد ، وستتحكم في أسعار النفط وفي السوق وفي السياسة العالمية برمتها ، إذا لم تحدث روسيا وحلفاؤها المفاجئة بندية تفرض توازنا غير منتظر بالنسبة لترامب ودولته المهيمنة على العالم بعامل القوة .
بقلم : محمد حسنة الطالب

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *