-->

نفوذ واشنطن في افريقيا صار واقعا...ماهي ردود باريس؟


السياسات الفرنسية الاستعمارية هي من أفشل فرص الاستثمار... 
شركة Kosmos Energy كوسموس للطاقة الأمريكية، وشركة BP بريتيش بتروليوم البريطانية، هما من استحوذ على الصفقة التاريخية: التنقيب والاستخراج والتشغيل للغاز في موريتانيا والسنغال.
هكذا حسمت إحدى حروب المصالح والبحث عن الثروات في ذلك المكان من افريقيا، الذي له تماس مباشر مع دول الساحل ودول المغرب العربي ودول غرب افريقيا وبشكل اشمل مع قارة افريقيا وشواطؤه تطل على المحيط الاطلسي.
في المعادلة تظهر خسارة الشركات الفرنسية، والاتحاد الاوروبي وكذا الصين وروسيا، غير ان الخاسر الاكبر هو فرنسا والصين بحكم ان الصين عملت على تطوير موانئ موريتانيا سواء في العاصمة الاقتصادية نواذيبو او في ميناء نواكشوط، اما فرنسا فتعتبر تاريخيا كلتا الدولتين محسوبتين على الدول الفرنكوفونية.
انحسار المد الفرنسي في افريقيا يبرره ضعف سياسة فرنسا وجمودها واستمرار ساستها في استعمال النمط الاستعماري القديم في افريقيا الغربية، كتدخل الجيوش الفرنسية المباشر في دول الساحل والصحراء بحجة محاربة الارهاب وعرقلة المغرب العربي من خلال كسر الحلول الديمقراطية والسياسية في قضية الصحراء الغربية بالدفاع عن الطرح الاستعماري المغربي الذي لم يعد يساير التوازنات الدولية، وكذا القلاقل الداخلية في فرنسا نفسها التي لا شك ان لها تأثير على القرارات الخارجية.
كل تلك القوي هي محصلة خسارة النفوذ الفرنسي عالميا امام قوة القطب الواحد الولايات المتحدة.
ردود الفعل الفرنسية... 
ردود فرنسا لم تتأخر كثيرا بدأت فرنسا في سياسة جديدة داخل موريتانيا على محورين:
1-التجييش الداخلي ضد الدولة الموريتانية والقرار السيادي من خلال تحريك اللوبيات.
2-المهادنة الخارجية: اظهار حسن إعلاميا والتعاطف مع سياسة الرئيس لزيادة ردة الفعل الداخلية.
1-تحريك كبير وغير مسبوق للراي المضاد في موريتانيا من خلال إيقاظ وتجنيد اللوبيات المغربية وحسب محللين موريتانيين، سياسة التغلغل الاجتماعية والاقتصادية والمخابراتية لم يسبق لها مثيل ضد سياسات الرئيس الموريتاني داخليا من خلال تهييجا الأعراق والألوان وكسر وحدة الشعب الموريتاني وتقزيم كل المنجزات.
2-غلاف خارجي على مستوى الاعلام الفرنسي والمغربي وقف الهجمات الإعلامية.
عمدت فرنسا والمغرب معا في نفس الوقت وعلى نفس الوتيرة تحقيق الشروط المعلنة في الاعلام الموريتاني الخاص خاصة كتسليم المعارضين او طردهم، لاحظنا ان المعارض الموريتاني الأكبر "ولد بوعماتو" تم منعه من دخول المغرب ومتابعته قضائيا، تمت تشكيل وفود من رؤساء الشركات ولرجال الاعمال المغاربة وشحنهم لعقد صفقات مع موريتانيا، بشكل مفاجئ، تتم الكثير من الندوات الداخلية لإظهار حسن النية والعلاقات التاريخية وغيره، حتى فرنسا من جانبها أعلنت بشكل ملفت من خلال وزارة الخارجية عدم تعاطفها مع المعارض الموريتاني الأسمر "بيرام"؟.
وكل ذلك التعاطف ليس له جذور وخاصة هو مجموعة سياسات ليست عميقة، لا تقارن بالدعم الذي وفرته افريقيا، او الدعم العسكري المباشر للجيش الموريتاني لمواجهة الإرهاب من الجانب الجزائري، حيث لم يكن في عهد معاوية حسب تصريحات الرئيس الموريتاني في مقابلة مع الصحفيين الموريتانيين الا ما يشبه الميليشيات وكان تهديم الجيش الموريتاني هو نقطة الفصل في فقدان موريتانيا سيادتها وعقد شراكات لاستغلال ثرواتها دون تدخل القوى الأخرى. 
كل تلك الردود المتأخرة تعمل على التغلغل المرن في موريتانيا والتحكم في دواليب القرار السيادي الموريتاني الذي قرر عدم وضع المصالح الفرنسية كأولوية ومعاقبة فرنسا للولايات المتحدة وعرقلة سياساتها خوفا من ان تحذوا بقية الدول الافريقية حذوها، بعدما فشلت سياسة التهديد والوعيد التي انتهجتها فرنسا بمساعدة المغرب في التهديد باحتلال لكويرة وقضية الكركرات وحتى عرقلة القمة العربية في موريتانيا والاستهزاء بالقمة الأفريقية والحملات الإعلامية التي تشوه صورة موريتانيا عبر العالم.
المواجهة الأمريكية الاستباقية...
الآن بعد حسم توقيع استغلال الغاز وربما لاحقا المعادن سوف تكون القوة الامريكية الاقوى سياسيا -عسكريا-اقتصاديا-تجاريا أكثر تفرغا للدخول في الصراع على بقية النفوذ الفرنسي في افريقيا، حيث بدأت مظاهر فك التضامن الاوروبي الامريكي في صراعات على قضايا حلف الناتو ويغلب الطابع الاقتصادي البحت على الاوراق الموضوعة على الطاولة.
رد باريس كان سريعا ففرنسا الأقوى عسكريا في اوروبا بدأت في الجمع الحثيث للمال لتكوين جيش اوروبي، لمواجهة السياسة الامريكية بالغرامة مقابل الحماية، ولكن ايضا سيشكل خروج بريطانيا كقوة عسكرية كبيرة في هذا المجال، تخلخل جيوسياسي كبير للاتحاد الاوروبي وارتباك بسبب توقعات الضعف والهزالة خاصة ان خرجت بريطانيا بشكل غير منظم "بدون شروط اتفاق".
يظهر ان سلوك ما بدأ يظهر في كلام "صناع القرار" في الولايات المتحدة تصريح جون بولتون الذي يشغل منصب رئيس الامن القومي الامريكي بأنه “محبط" من عدم حل قضية الصحراء الغربية، لا يمكن ان لا ان يوضع في الحسبان.
يصب في ان الاستقرار في تلك المنطقة الافريقية الواعدة بالغاز سيكون الدافع الكبير للولايات المتحدة في استتباب الامن ورفض كل التوترات في منطقة الاستثمارات.
الولايات المتحدة الامريكية وألمانيا... 
وهنا ستتقاطع المصلحة الامريكية والحلول السلمية التي ينتهجها مجلس الامن من خلال مبعوث الامين العام الى الصحراء الغربية الرئيس الالماني كولر الذي يتجه الى حل الصراع بالطرق السلمية او بالسلام حسب تعبيره، حيث يميل الجانب الألماني في خلفية الأمور الى وضع الأمور في منسوب ومستوى القوة الألمانية، الجانب الاقتصادي والجانب التجاري والجانب السياسي في فض النزاعات لا الجانب العسكري الذي تود فرنسا حشره دائما، وتميل الى حل كل النزاعات من اجل فتح الأسواق لمنتجاتها واحتياجات مصانعها.
المصلحة الالمانية بدأت تظهر على شكل تصريحات تؤكد تململ في اعادة ترتيب اوروبا لتتكيف مع الخروج البريطاني والسياسات الامريكية الهجومية المتواصلة،
تطالب المانيا من فرنسا التراجع الى حجمها الجديد وهو "دولة أوروبية" وان يبقى كرسيها يتناسب مع قوتها داخل الاتحاد أو ان يستغل الكرسي للاتحاد الاوروبي لكي يكون لأوروبا صوت موحد وقوة في صنع القرار في العالم بطريقة شرعية وقانونية وهو ما يؤشر الى تفكير المانيا في اعادة تجديد الاتفاقيات التي كانت تقيدها من ناحية التسليح والجيوش وغيرها تلك القيود التي صارت واهنة وضعيفة ولم تعد تستطيع تكبيل القوة الالمانية الصاعدة.
العلاقات الفرنسية-الألمانية مواجهة وتكامل... 
خروج بريطانيا الذي سيؤدي الى اضعاف فرنسا ومحاورها، سيؤدي الى زيادة رصيد المانيا التي سياستها الاقتصادية تتجه أساسا الى الأسواق الأوروبية بدل الأسواق الخارجية، حيث تصدر أكثر من 60 % من صادراتها نحو أوروبا وتعتمد على التقنية والصناعة والتطوير المستقبلي (قبل أيام اغلقت آخر مصنع لإنتاج الفحم الحجري)، واستقبلت مليون مهاجر ليرتفع ناتجها المحلي.
في حين تعم القلاقل فرنسا التي تشتكي وتصب جام غضبها على مئة ألف مهاجر فقط، المهاجر الذي استفادت منه عجلة الاقتصاد الألماني في تسريعها، كانت السياسات الفرنسية فاشلة في احتوائه.
السياسات الفرنسية الألمانية تتجه الى طريق يتقارب ويتباعد حيث تحاول فرنسا استخدام القوة السياسية-الاقتصادية-العسكرية-التجارية تفتقد المانيا الى القوة العسكرية مقارنة بفرنسا رغم انها تعتمد بديلا على الاستقرار في الجانب الاجتماعي الديمقراطي
في حين تتخل فرنسا في الكثير من الصراعات تبقى المانيا بعيدة خاصة في الجانب العسكري، وتلجأ الى القوة الاقتصادية خاصة وبالتالي يبقى، على فرنسا استغلال القوة التي تتمتع بها خاصة العسكرية في احداث الانقلابات او التدخل تحت ذريعة محاربة الإرهاب او غيره لاستعراض القوة التي تظل تهدد بها، لحلب المنافع المادية والحصول على أسواق بيع صفقات السلاح المربحة.
يعتبر فقدان المستعمرين لمستعمراتهم وحرية الدول فرصة لألمانيا لبيع منتجاتها في حين يعتبر بالنسبة لفرنسا ان تلك المستعمرات تحت قوة التهديد ستبقى حكرا لها.
خلاصات...
يظهر ان هناك الكثير من المتغيرات تمت في 2018 وهي خطوط لبداية رسم سياسات جديدة في الصحراء الغربية وموريتانيا 
والمغرب الأقصى والمغرب العربي ستكون 2019 سنة مهمة جدا في اظهار خلفية المشهد ... 
بقلم حمدي حمودي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *