-->

معضلة الفساد…


بقلم : عالي محمد لمين.
يواصل الفساد ورواده العابثون في الأرض منذ أكثر من عقدين من الزمن هدم مكاسب وإنجازات شعبنا المكافح الواحدة تلو الاخرى والتي حققها بدماء الشهداء والجرحى وجهود المخلصين وجموع أبنائه الخلص، ويستمر الفاسدون بكل حرية وطلاقة وإستهتار في تدمير مقومات الصمود ضمن القطاعات الحيوية من صحة وتعليم وأمن وإدارة…، مستغلين تقاعس الدولة والمجتمع عن محاربة الظاهرة.
– لقد أضحى ذلك العجز عن التصدي للمعضلة بمثابة ضؤا اخضر لتنامي الفساد وازدياد سطوة حيتانه وتكاثرها وتجذرها في مؤسساتنا وتعاظم نفوذها، حتى أصبح الفاسدون يشكلون دولة عميقة متغلغلة في كل المؤسسات تحكم قبضتها على مفاصل حيوية عدة أو تكاد، عبر لوبي متعاضد على الهدم ومتعاون على تخريب المؤسسات وتحويلها الى ملكيات فردية أو عائلية أو قبلية أو مصلحية، وهم بذلك يعملون بقصد أو بغيره على دعم العدو المغربي ويساندونه في العبث والتأمر على قضية شعبنا وإطالة معاناته، ويسعون لاستمرار بقاء المحتل وتأخير ساعة الحسم وتأجيل تحقيق الحلم في الحرية وبناء الدولة الصحراوية ذات السيادة على كامل ترابنا الوطني.
– ليست المشكلة الكبرى عندنا في وجود معضلة الفساد البت، فكل الأمم والدول لها نصيبتا وافرا كان أو نادرا منه، لكن المشكلة الأكثر خطورة والعيب كل العيب في أن تبقى الظاهرة المدمرة دون علاج يذكر طيلة سنوات كثيرة، بل دون حتى دراسة معمقة لها ولأسبابها وسبل التصدي لها.
– فعلى مر تلك العقود لم نرى أو نسمع إقالة مسؤولا واحدا أو محاكمة ولو شكلية لمتورط في الفساد على الإطلاق وزيرا كان أو مسؤولا أو حتى موظفا بسيطا، بل عكس ذلك تماما، يتم تبديل الفاسدين بعض إنكشافهم وإفتضاح أمرهم إلى مناصب أخرى، أو تدوير مهامهم، وربما تتم ترقيتهم ويحصلون على مناصب أرفع، وفي أحسن الأحوال يوقفون عن العمل ويحالون إلى “أگراج” مدة تطول أو تقصر حتى يهدى الإستياء الشعبي المؤقت من شعبنا الطيب الضعيف الذاكرة، ثم يعادون بلباس جديد ومنصب أخر.
– إن معضلة الفساد أكثر خطورة وتشعبا وتعقيدا وعمقا من الإختفاء الأخير لجزء من الموازنة العامة لسنة 2018، وأكثر تجذرا من جهاز التخطيط والسمسرة في تأشيرات الإجلاء والأدوية، وقرار هدم التعليم المتوسط صائفة 2018، وبيع شاحنات نقل المياه، وإختفاء جزء من إيرادات قطاع دون معرفة أوجه صرفها 2018، وإستخدام ختم الدولة لإبرام صفقات مزيفة 2014 مع مستثمر أجنبي وغيرها الكثير..، فالفساد أشد تغلغلا في مؤسساتنا وأعظم أثرا وتدميرا على مصير ومكاسب شعبنا من كل ماسبق ذكره، رغم أهمية تلك القضايا وضرورة التحقيق فيها.
– متجذر الفساد هو عندنا حتى النخاع، وذاك ما يصعب إقتلاعه أكثر، وهو الباسط ذراعيه العابثة لتمتد وتشمل كل المؤسسات والهيئات بدون إستثناء، وهنا تكمن صعوبة مواجهته، وما يعقد العلاج اكثر، هو السند الإجتماعي والفكري الذي حظي به الفساد ولايزال ويجد له على الدوام المبررات حسب البعض وبحجج واهية، ومن ذلك، قبلية متأصلة تتجذر يوما بعد يوم وتحمي “أبناء العمومة”! وتستصغر في سبيل ذلك كل الإعتبارات الوطنية والاخلاقية والقانونية أمامها، وإن المرء هنا لينتابه شعور بالأسى وهو يرى مجتمع أضحى يصف الفساد ب”التفگريش” و”متن الرگبة” ويطلق على السرقة “لغفازة”، وعند أول مسألة لأحد الفاسدين على قلتها وندرتها تبرز القبيلة وشيوخها بوجهيهما القبيحان للدفاع عن “ولد العم”! تحت شعار “هو أثرو أمالو، ماهو كيف الناس”!، و”نحنا ولدنا أمالو” ، ولا تقتصر الإكراهات وصعوبة علاج ظاهرة الفساد على ماسبق ذكره، فعجز النخب الشابة عن تحقيق ولو قدر قليل من المثالية والمصداقية والجدية في إحداث النقلة النوعية يكرس بدوره لمزيد من التعقيد، وهنا نستحضر أن أغلب الشباب المنخرطين في السلطة تعينييا أو إنتخابا كانوا أكثر فشلا وقبلية وفسادا وضيقا للأفق من سابقيهم، وبدون أن ننسى أن غياب أي داراسة علمية لمعضلة الفساد هو الاخرى يساهم في إستمرارها فرغم كثرة الحديث عنها، فقد بقي ذلك الحديث بمجمله مجرد لقط سرعان ما يختفي مع الأيام ويخبو بريقه، كما أن كثيرون يعتبرون الفساد مجرد وسيلة لضرب الخصوم السياسيين وتشويه بعض المسؤوليين تحديدا في شخصنة فجة تنافي قيم المهنية، مصحوبة بألفاظ سوقية نابئة وسب وتجريح، فيما يتجاهلون بقية المسؤوليين بل ويتم تفخيم إنجزاتهم إن وجدت أصلا.
– إننا نحتاج فعلا الى مقاربة وطنية وإستراتيجية مدروسة وأكثر شمولية وجدية لمعالجة معضلة الفساد، تأخذ بعين الإعتبار الخلفيات الفكرية والإجتماعية والإقتصادية والقانونية للظاهرة، وتمكننا من تفكيك مبرراتها وضحضها، وتحصين وضعية الموظف الاجتماعية والنفسية برواتب تحفظ كرامته، مصحوبة بسياسات لإستقطاب الكفاءات وتشبيب المؤسسات وإدماج الخرجين في مفاصل الدولة، وتطهير المؤسسات وتنظيفها من الفاسدين، وإعادة الإعتبار لهيئة الرقابة والمحاسبة وبعث نشاطها من جديد، مع تقوية المساطر القانونية، وخلق قانون للإدارة يحدد الواجبات والحقوق وكذا العقوبات ويمكن من التصدي لهذا العبث المتواصل، ومع أهمية إستبدال نظام ” لگرع” في التعيينات، بعقلية الرجل المناسب في المكان المناسب، وبمحددات الكفاءة والمصداقية والخبرة والنزاهة، وتجريم تدخل مايسمون ب”شيوخ القبائل” في الحياة العامة، وإنهاء سياسة “أگبيظ لخلاگ” ووقف أسلوب”الرظى” وتجميد أي إمتيازات للشخصيات أو الأعيان وكذا ملوك الطوائف(الشيوخ)، مع خطوة ضرورية وشجاعة لابد منها وهي الزج بالفاسدين في المحاكم، ليزرع الرعب في قلوب غيرهم من مصاصي الدماء، كما نحتاج الى نخب شابة تتمتع بالمصداقية والنزاهة مع ولو قليلا من المثالية ونكران الذات تأخذ المشعل تدريجيا وتحقق تواصلا للأجيال يصل بنا إلى بر الأمان، وللإعلام دوره الهام، فإعلام وطني مهني ومسؤول بعيدا عن القذف والسب والشتم والتجريح و التجاذبات السياسية والقبلية والصراعات الضيقة وغير مصاب بعقدة المماحكات السياسية والشخصنة بإمكانه أن يساهم في التصدي للمعضلة.
-أملنا كبير في أن تتحرك السلطة عاجلا، وفق سياسة مدروسة وعملية وتعلن حربا حقيقية شاملة لاهوادة فيها ضد الفساد والفاسدين، ببندقية الرؤى المستقبلية والإرادة الجادة والحزم القاطع والعدل النافذ، مهما كانت العقبات والتبعات، وذلك لحفظ المؤسسات وصون المكاسب الوطنية وحماية مقومات صمود شعبنا المكافح، فالفساد شقيق الإحتلال وسنده وابرز أركان بقائه.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *