-->

الجزء الأول : التحضير لإختراق الجدار وتكوين الفيلق الرابع


الجزء الأول : التحضير لإختراق الجدار وتكوين الفيلق الرابع الكاتب: حمدي ميارة
مع بداية الثمانيات كانت الحرب في الصحراء الغربية تدور بشكل متسارع,وكانت جبهة البوليساريو قد أطلقت قبل ذلك, وبالضبط في 19 يناير 1979 هجمة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين, وهذه المرحلة تم تدشينها بمعركة لمسائل التاريخية. 
خلال سنة 1979 بلغت قوة البوليساريو العسكرية أوجها,حيث تجاوز عدد المقاتلين الصحراويين حاجز العشرين ألف مقاتل,حسب كتاب " الحرب والعصيان في الصحراء الغربية"، الصادرعن معهد الدراسات الاستراتيجية، التابع للجيش الأمريكي. وبعد توقيع وقف اطلاق النار مع موريتانيا تفرغ كل هاؤلاء المقاتلين لمواجهة الجيش المغربي,وشهدت السنوات اللاحقة تسجيل انتصارات باهرة على كل الجبهات. 
خلال السنوات من 1979 الى 1983,كان المقاتلون الصحراويون يضربون في كل الاتجاهات, 
تم استرجاع مدينة السمارة وتحرير 750 مواطنا صحراويا ,وتم اجتياح لبيرات ,التي سميت بعد ذلك بمقبرة الدبابات ,اضافة الى النصر الساحق في كلتة زمور التي احتلها الجيش الصحراوي, وتمكن من اسر 235 جنديا مغربيا واسقاط 5 طائرات عسكرية . 
ومع اشتداد ضغط الجيش الصحراوي وفشل حملات أحد والزلاقة و ايمان, والهزائم المنكرة التي لحقت بالجيش المغربي ,في معارك جبال الوركزيز والدمار الهائل الذي أصاب الاقتصاد المغربي بفعل خسائر الحرب. 
وتحت وطأة الهجمات اليومية التي ينفذها المقاتلون الصحراويون , لجأ الحسن الثاني وحلفاؤه الى فكرة بناء جدار عازل,على شاكلة خط بارليف الاسرائيلي ,لحماية قواته والسيطرة على الأقل على مثلث: العيون,السمارة,بوكراع. 
وعلى هذا الأساس بدأت مراحل بناء الجدار العازل,بدءا بالجدار الأول الذي بدأ العمل فيه في شهر أغسطس 1980 واستمر حتى يوليو 1982 والذي يحيط ب"المثلث المفيد" العيون، السمارة ومناجم الفوسفات في بوكراع ,ويمتد هذا الجدار على مسافة: 500 كم. 
وتواصل الجهد الحربي المغربي في بناء الأحزمة,حيث انطلق العمل في الجدار الثاني في ديسمبر 1983 واستمر حتى يناير 1984 ,وأحاط بمنطقة آمكالا على مسافة 300 كلم. 
ومنذ بداية بناء الاحزمة الدفاعية,شهد الصراع نوعا آخر من المواجهة ,سيعرف لاحقا باسم حرب الاستنزاف,وخلال هذه الفترة ركز الصحراويون على استنزاف الجهد الحربي المغربي طيلة مرحلة بناء الجدران. 
وبالنسبة لبناء الجدار العازل كان الجيش المغربي يحشد عشرات الالاف من الجنود,المزودين بالاليات المدرعة والسيارات والشاحنات,وحتى الجرافات ليتمكن من مواصلة عملية الحفر, 
وعلى كل حال كانت عملية بناء الجدار صعبة جدا ومكلفة كثيرا بالنسبة للمغرب,وكان الجيش المكلف بحراسة آليات الحفر يعاني الأمرين, بفعل الهجمات المباغتة والكمائن وحقول الألغام التي تزرع في طريق الجرافات والمهندسين,ومع ذلك شكل هذا الجدار بعد نهايته تحديا بالنسبة لجبهة البوليساريو,فالارض لم تعد مفتوحة,والحسن الثاني يتباهى بالحزام الذي سيحمي جنوده ويوقف هجمات البوليساريو المكلفة,ومع مرور الوقت أصبح الخبراء العسكريون المغاربة والغربيون يعتقدون أن الأمرقد حسم,وأن البوليساريو لن تتمكن من تجاوز هذا الجدار المجهز بكل آلات الدمار. 
في ظل كل هذه المتغيرات بدأت جبهة البوليساريو ,تدرس كل الاحتمالات التي قد تمكنها من اختراق الجدار المغربي والدخول في مرحلة جديدة من الحرب . 
وعلى هذا الأساس قررت القيادة العسكرية تكوين فيلق خاص,سيكون هو رأس الحربة خلال المعارك القادمة. 
تم الاتفاق على ضرورة تشكيل فيلق من الشباب المتعلم ,واخضاعه لأعلى أنواع التدريب العسكري ,وهكذا تم جمع الفيلق في مدرسة الشهيد الولي العسكرية ( المقاطعة السادسة) في بداية اكتوبرسنة 1982, وتكون الفيلق من الطلبة الذين كانوا يدرسون في الجزائر و ليبيا و كوبا,اضافة الى مجموعات من الاشبال من مدرسة 12 أكتوبر الوطنية. 
لقد كانت إلتحاقات الشباب الصحراوي بالجيش، أمرا مألوفا ويشكل دافعا ودعما للمقاتلين، وعلى هذا الاساس تم اعتماد شعار “شباب مقدام لتحطيم الحزام ”. 
وبطبيعة الحال التحق شباب كثر بالقتال منذ فجر الثورة,لكن الفيلق الرابع كان,على حد علمي, أول تشكيلة عسكرية من هذا الحجم تلتحق بشكل كامل بجبهات القتال. 
أولى مراحل التدريب قضاها الفيلق في المقاطعة السادسة,واستمرت لمدة خمسة أشهر,وتركز التدريب خلالها على فترة الأساس والتحضير البدني. 
وفي أواخر شهر فبراير سنة 1983, تم نقل الفيلق في حدود الساعة السادسة فجرا, على متن شاحنات عسكرية, دون أن يعلموا وجهتهم,وبعد ساعات كانت الطائرات, تحلق بالجميع نحو ليبيا. 
بعد قضاء أسبوع من الراحة في معسكر 07 أبريل ضواحي مدينة طرابلس,توجهت الدفعة نحو الشرق. 
كان جميع أعضاء الفيلق يدركون أن التدريب هذه المرة سيكون ذات طابع خاص,ولكن أكبر المتشائمين لم يتوقع أبدا نوع التدريب المنتظر. 
بعد وصول الدفعة الى مشارف مدينة بنغازي,توقفت الحافلات أمام مبنى كبير,كتب على مدخله: معسكر بوعطني لقوات الصاعقة. 
كان المعسكر محروس بشكل مبالغ فيه وقسمات الجنود والضباط التي تبدو من خلف زجاج الحافلات توحي بصرامة كبيرة. 
بعد تجاوز البوابة الرئيسية تقع عيناك مباشرة على لوحة ضخمة مكتوب عليها بخط عريض: التضحية ب 25% من أجل اصلاح البقية. 
وكان هذا الشعار وحده كافيا ليفهم الجميع معنى تدريب قوات الصاعقة. 
كانت ليبيا,أو الجماهيرية,كما يحلو للمرحوم القذافي تسميتها, متقدمة جدا في تلك السنوات على سلم أصدقاء الشعب الصحراوي,قبل أن يغدر بنا العقيد ويوقع اتفاقية الاتحاد الافريقي-العربي مع الحسن الثاني في وجدة ,شهرأغسطس 1984,والتي تخلت ليبيا بموجبها عن دعمها لجبهة البوليساريو, وتشاء الأقدار أن يحطم هذا الفيلق الذي تم تدريبه في ليبيا ,أسطورة الأحزمة الدفاعية المغربية بعد شهرين من توقيع هذه الاتفاقية, ومع ذلك لازال الصحراويون,على المستوى الشعبي على الأقل, يحتفظون بتقدير كبير للدعم السخي الذي قدمته ليبيا للقضية الصحراوية تحت قيادة العقيد القذافي. 
بعد وصول دفعة الشباب الصحراوي الى معسكر بوعطني,بدأت بشكل سريع الفترة التمهيدية التي كانت رغم صعوبتها,كمن يقضي عطلة في ولاية الداخلة, مقارنة بالتدريب الخاص بقوات الصاعقة. 
فيما يتعلق بقوات الصاعقة,وفي كل دول العالم,يشترط في الجندي,أن يكون شابا ,وان يتمتع بلياقة بدنية عالية,وبالتأكيد سيتم رفض كل من لايتمتع بهذه الصفات. 
فترة التدريب كانت جحيما لا يطاق,حيث أن المنتسب لفترة الصاعقة يتعرض لأقسى أنواع المعاملة بما في ذلك حصص خاصة, يتم فيها ضرب المتدربين بالأسلاك الكهربائية وهم يخوضون موانع مملوءة بالطين,اضافة الى فترات القتال المتلاحم والمسير الطويل,ويبقى يوم التعايش هو أشد التدريبات مرارة,حيث يرغم الجميع على إلتهام الحشرات والزواحف والضفادع وهي حية. 
لن أتوسع كثيرا في شرح تفاصيل التدريب, رغم أنني لا أعتبر الموضوع سرا,خصوصا بعد مرور ستة وثلاثين عاما على هذه الأحداث. 
خلال كل هذه التدريبات كان عدد الفيلق 206 من الشباب الصحراويين المؤهلين جسديا ونفسيا لتجاوز كل هذه التفاصيل. 
وبعد نهاية التدريب عاد الفيلق الى مدرسة الشهيد الولي وتواصلت عملية التأهيل العسكري والتدريب على استخدام السلاح. 
وفي بدية سنة 1984 توجه الفيلق الى قاعدة الشهيد هداد للتدريب على سلاح المدرعات. 
وخلال هذه الفترة ألحق بالفيلق مجموعة من الاطارات, اضافة الى أطقم الناقلات الأساسية ,وهاؤلاء تم اختيارهم بعناية من مختلف النواحي العسكرية. 
في نهاية فترة التدريب الخاصة بالمدرعات,تم توزيع الفيلق الى ثلاثة كتائب قتالية. 
وتم تعيين القيادة العسكرية على الشكل التالي: 
قائد الفيلق: محمد ودادي. 
الكتيبة الالى بقيادة أبا عالي حمودي,ونائبه لكهل ولد الحافظ. 
الكتيبة الثانية بقيادة صلحة الراحل,ونائبه محمد ننات. 
الكتيبة الثالثة بقيادة مولود أحمد حمة,ونائبه الشهيد سلمتو ولد مليكة. 
ومع بداية شهراكتوبر سنة 1984 توجه الفيلق نحو منطقة لعكد. 
أغلب الشباب كانوا مزهوين لكونهم أخيرا أصبحوا مقاتلين,وهم الى ذلك الوقت لم يشاركوا في أي قتال حقيقي. 
كانت صفة مقاتل في تلك الأيام تعني الكثير بالنسبة للرجال,وفي كثير من الأحيان كنا متعجرفين جدا في تعاملنا مع الرجال المدنيين في المخيمات أثناء العطل التي كنا نستفيد منها من حين لآخر. 
وكان بعض الرفاق يمزح عندما يتناولون الشاي مساءا على ضوء جمرات تخبو أكثر مما تشتعل,حول بطولات شاهدها في بعض أفلام الأكشن الهندية التي كانت رائجة بين الطلبة في الثمانينات. 
وعلى كل حال كان حماس الشباب,والرغبة في التجربة,والتباهي بكونهم أصبحوا مقاتلين, تدفع هذه المجموعة الى موعد مع التاريخ. 
خلال كل سنوات الحرب التي سبقت ذلك لم تستخدم البوليساريو المدرعات إلا مرة واحدة, وكان ذلك في معركة الگلتة التاريخية في 13 أكتوبر1981,حيث شاركت وحدات من ناقلات 1bmb وعربات btr وكاسكافيل في القتال لأول مرة, وقبل ذلك تم خوض كل المعارك العسكرية باستخدام سيارات لاندروفير المكشوفة وبعض سيارات تويوتا fg45 التي كانت في الغالب تحمل الرشاشات الثقيلة. 
كانت مرحلة أخرى من الحرب على وشك أن تبدأ,بعد ثلاث سنوات بالضبط من النصر الساحق في معركة الگلتة, وفي يوم 12 اكتوبر, ودون أن ينتبه العدو ,تحرك الفيلق الرابع للمشاة الميكانيكة نحو نقطة كان قد تم اختيارها بعناية أياما قبل ذلك. 
عشرات العربات المجنزرة تنساب بهدوء نحو الغرب,ومئات الشباب الذين يتقدون حماسة والمدربين على أعلى مستوى يستعدون لكتابة التاريخ. 
كانت القيادة العسكرية تدرك ,رغم صعوبة التحدي,أنه قد آن الأوان لجني ثمار سنوات من التدريب والتخطيط والصبر.. لقد حانت ساعة اختراق الحزام المغربي لأول مرة. 
يتبع...... الجزء الثاني: هجمة المغرب العربي الكبير..معركة أزمول النيران.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *