-->

سلسلة الفيلق الرابع: معركة أم أدريكة


الفيلق الرابع : الجزء الخامس/ معركة أم أدريكة
الكاتب: حمدي ميارة
مع بداية خريف سنة 1987 كانت مخيمات اللاجئين الصحراويين تترقب زيارة اللجنة التقنية الإفريقية الأممية التي يرأسها عبد الرحيم فرح الأمين العام المساعد لهيئة الأمم المتحدة, وفعلا تم تحديد تاريخ الفاتح ديسمبر1987 كموعد لبداية هذه الزيارة التي كانت القيادة السياسية توليها أهمية كبيرة . 
وفي نفس تلك الأيام كان الفيلق الرابع يستريح مؤقتا بعد سلسلة معارك الصيف التي تم تنفيذها في منطقة تيرس,ومع ذلك كنا ندرك جيدا أن المعارك ستستأنف من جديد. 
كانت القيادة العسكرية تفكر منذ مدة في تكرار تجربة تيرس ثانية ومواصلة الضغط على الجدار السادس الذي أصبح بعد معركة تشلة وحفرة إشياف وأعظيم أم أجلود في عين الإعصار. 
وبعد النجاح الباهر الذي تم تحقيقه في دورية الصيف, تبين أن سلاح المدرعات أثبت فعالية كبيرة في القتال على تلك الأراضي المفتوحة ,وخلافا للمعطيات النظرية التي تفترض عدم قدرة عربات BMP1 على القتال بعيدا عن قواعدها برهنت معركة تشلة التي وقعت على مسافة تزيد عن 1200 كلم,أن الصحراويين لا يؤمنون بالمستحيل. 
وخلال كل الحروب التي تم فيها إستخدام هذه المدرعات الخفيفة كان الصحراويون وحدهم هم من تمكن من القتال بها على هذه المسافات البعيدة جدا. 
في نهاية شهر سبتمبر 1987 كانت الدورية تستعد وقد ضمت هذه المرة إلى جانب الفيلق الرابع ,فوج المدفعية وفيلق البحرية التابعين للناحية السادسة ج,وطبعا كان حجم هذه الدورية أصغر بكثير من دورية الصيف الماضي. 
صباح يوم 25 سبتمبر سنة 1987,صدرت الأوامر بالتحرك نحو الجنوب ,وقبل الزوال بقليل إعتلى الشباب ظهور الناقلات في رحلة نحو تلك الأرض البعيدة التي يبدو أنها قد أصبحت قدرهم. 
كانت هذه الدورية التي أطلقنا عليها في تلك الأيام إسم دورية الخريف تحت قيادة محمد ولد الولي ولد أعكيك, فيما كان الفيلق الرابع لايزال تحت قيادة إبراهيم ولد الليلي. 
كان المسير خلال ذلك الخريف سلس تماما وقد بدأت ملامح الأرض تتغير بعد هطول الأمطار خلال نهاية الصيف , ومع وصول الدورية إلى منطقة ريش أنجيم بدأت النباتات الخضراء تتزايد تدريجيا,ويبدو أن هذه الأرض التي كانت قاحلة قد بدأت تستعيد بعضا من نضارتها المفقودة بسبب سنوات الجفاف المتتالية. 
زوال يوم 04 أكتوبر 1987 وصلت الدورية إلى منطقة تنيولگ الشهيرة,التي كانت في ذلك الخريف في أفضل أيامها ,كانت الأرض خضراء بشكل كامل وذلك الجبل الأسود الشهير يتوسط تلك المناظر الخلابة ,وبدا غريبا كيف تحولت هذه الأرض التي كانت قاحلة منذ ثلاثة أشهر فقط إلى هذا المنظر الأخضر البديع, وعندها فقط أدركنا سبب شهرة هذه الأرض العظيمة. 
كانت نباتات تيرس المشهورة تملأ ذلك المكان ,ورغم ذلك لا أثر إطلاقا لقطعان الإبل التي عادة ما يفضل رعاتها الإنتجاع في هذه الأرض ,وطبعا كانت ظروف الحرب تمنع الحياة في هذه المناطق الجميلة, وحدهم كان مقاتلوا الناحيتين الأولى والثالثة يجوبون تلك المناطق الشاسعة التي تغطيها نباتات أصگيعة النيرب ولحبالية وأنسيل وآسكاف و أم ركبة وتجعل أديم تلك الأرض كبساط اخضر. 
صباح يوم 10 نوفمبر1987 أبلغنا قائد الفصيلة أن الدراسة قد ذهبت وأنه تقرر مهاجمة قطاع أم أدريكة بالتحديد. 
كان إسم أم أدريكة يعني الكثير بالنسبة للصحراويين وتحفظه الذاكرة الجماعية عن ظهر قلب,وكثيرا ما تردد على أسماعنا ونحو أطفالا,لكنه كان يأتي دائما مرتبط بصور الدمار وقنابل النابالم. 
هذه إذا هي المنطقة التي تمت فيها قنبلة النساء والشيوخ العزل بداية سنة 1976,و كانت فيها الطائرات المغربية تطارد الأطفال بقنابل النابالم والفوسفور الأبيض,هذا إذا هو موقع المذبحة الشهيرة, دير ياسين الصحراء الغربية. 
كانت هذه المعركة بالنسبة لنا جميعا ذات طابع خاص, وطبعا كان بيننا عدد كبير من الشباب الذين شهدوا فظاعة تلك الأيام حين كانوا أطفالا. 
حدثنا رفاقنا خلال تلك الأيام القصيرة التي تفصلنا عن المعركة عن الطائرات المغربية التي كانت تصب حمم الفوسفور الأبيض على رؤوس العجائز,وعن كيفية إستشهاد الشائعة منت أحمد زين ورفيقاتها, حدثونا عن ذكريات ذلك اليوم البعيد ، الذي تعرضت فيه ثلاثة مخيمات تأوي الصحراويين الفارين من جحيم الاحتلال وكيف إستمر ذلك القصف مدة ثلاثة أيام متتالية. 
وعبر التاريخ سافرت بنا الذاكرة إلى ذلك اليوم الأسود,الثامن عشر فبراير سنة 1976,حين حلقت غربان الموت في سماء وادي أم أدريكة في حدود الساعة الحادية عشر صباحا ،وأمطرت ساكنة ذلك الوادي المنكوب بكل أسباب القتل والدمار. 
كنا نتابع تفاصيل تلك المذبحة الأليمة التي يرويها رفاقنا ,وحجم المعاناة التي رافقت عمليات الإنقاذ التي أشرف عليها الشهيد بلة ولد أحمد زين,وكيف تبرع بدمه للجرحى حتى آخر قطرة,وطبعا كانت الذاكرة الصحراوية لا تزال حبلى بكل تلك التفاصيل المسكونة بالغضب . 
في مساء يوم 16 نوفمبر 1987 كانت مجموعة من الكتيبة الأولى مجتمعة حول أواني الشاي في دفء جرف صخري شمال تنيولݣ, وتشعب الحديث كالعادة ليقودنا من جديد إلى مجزرة أم أدريگة مرة أخرى, كان أحد رفاقنا قد حضر تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم وهو لايزال طفلا ,وحدثنا عن حجم الدمار الهائل الذي لحق بتلك المخيمات التي تناثرت فيها جثامين الشهداء في كل مكان ,ثم كيف كان الناجون من ذلك الجحيم يهيمون على وجوههم في تلك المناطق الجرداء وهم لا يملكون سلاحا يدافعون به عن أنفسهم. 
كانت وقائع هذه المجزرة السوداء تسكن الصحراويين جميعا حتى بعد مرور كل هذا الوقت, والصحراويون بطبعهم لا ينسون بسهولة, ومع إقتراب ساعة الصفر بدا واضحا أن هذه المعركة ستكون ذات طابع خاص. 
مع بزوغ شمس 17 نوفمبر1987, بدأت الزوابع الرملية تضرب ذلك الجزء من تيرس كعادتها دائما , ومع ذلك تحرك الفيلق الرابع نحو الغرب,كان الشباب يجلسون على ظهور الناقلات ولسعات حصى الرمال الحادة تضرب الوجوه وتصل العيون ,ومع ذلك ساعدت تلك العواصف كثيرا على تنقل المدرعات نحو المعركة . 
كانت الناحية الثالثة قد تولت مهمة إختيار موقع الهجوم ,وهم بطبيعة الحال يعرفون تلك الأرض جيدا,وخلال عدة ليال كان رجال الهندسة يتفحصون ذلك الفاصل بعناية بالغة وبحذر شديد دون أن يتركوا أي شي ء للصدف. 
كانت هذه هي المرة الثالثة التي يقاتل فيها الفيلق الرابع إلى جانب الناحية الثالثة ,وبعد معارك حفرة إشياف وأعظيم أم أجلود تبين أن تلك الناحية الشهيرة والمعروفة بقوة إقتحامها يمكن الإعتماد عليها بكل تأكيد,وهم بطبيعة الحال يمتلكون تاريخا حافلا مع منطقة تيرس التي يحفظون تضاريسها عن ظهر قلب,وخبروا كل زاوية فيها وقاتلوا في كل مناطقها منذ بداية الحرب. 
وفي الوقت الذي كنا نعتقد فيه أن القتال في الجنوب هو مجرد دوريات إستثنائية, وأننا في النهاية سنعود إلى موقعنا الأصلي في الشمال,كانت القيادة العسكرية تدرس إمكانية بقاء المدرعات في تيرس بشكل دائم, ويبدو أنهم كانوا يعملون على تأهيلنا لتلك المهمة الصعبة. 
مساء يوم 17 يوليوز1987 ,كانت النواحي المشاركة في المعركة قد وصلت كلها إلى منطقة آودارات,وبدأ الاستعداد النهائي للهجوم. 
كان الفيلق الرابع يجثم بكامل ثقله خلف مرتفع صغير,وغير بعيد عن تلك النقطة توقف فيلق البحرية الذي سيقاتل معنا لأول مرة ,وبعد قليل وصل فوج المدفعية التابع للناحية السادسة ج,فيما كانت كتائب الناحيتين الثالثة والأولى ترابطان قرب الحزام منذ أيام. 
بعد صلاة المغرب بوقت وجيز إجتمعت قيادة المعركة لدراسة آخر المعطيات المتوفرة,وتقرر تنفيذ الخطة التالية: 
- تم تحديد نقطة الانطلاق من قرب آوديرات الكحل وإعتماد الساعة الخامسة فجرا كموعد لبداية المعركة. 
- تم تحديد مكان ثغرة العبور في جزء من الحزام السادس يقع في منطقة أتواجيل الطلح. 
- تتولى مشاة الكتيبة الأولى من الفيلق الرابع التسلل نحو النقطة المستهدفة وتأمين الثغرة حتى وصول المهاجمين. 
- تتولى الكتيبة الثالثة من الفيلق الرابع الدخول من الميمنة (الخالفة العربية). 
- تتولى الكتيبة الأولى من الفيلق الرابع الدخول من الميسرة (الخالفة العسرية). 
- تتولى وحدات من الناحية الثالثة مهمة أحتلال نقطة الاسناد الشرقية. 
- تتولى الكتيبة الثانية من الفيلق الرابع والناحية الثالثة والناحية الأولى وفيلق البحرية مهمة الدخول من القلب (المحرد) وأحتلال عمق جبهة المعركة ومواجهة النجدات المحتملة. 
- يتولى فوج المدفعية مهمة تدمير القواعد الموجودة على أطراف المعركة والرد على مدفعية العدو. 
-فيما تتولى سرايا الدفاع الجوي مهمة مواجهة الطيران المغربي في حالة تدخله. 
وفي نهاية هذا الإجتماع صدرت الأوامر بضرورة تحطيم الحامية المتمركزة في قطاع أم أدريݣة وتدمير كل القواعد المستهدفة. 
كان الليل قد بدأ يرخي سدوله على تلك المنطقة الوعرة التي كانت هادئة بشكل يثير الريبة رغم وجود كل أولائك المقاتلين المتأهبين والمدججين بالسلاح. 
وبعد منتصف الليل بقليل تم إنزال مشاة الكتيبة الأولى – وكنت من بينهم – على مسافة قريبة من الحزام,كنا هذه المرة خمسين مقاتلا أغلبهم من الشباب, وطبعا بالاضافة الى أهمية هذه المعركة كانت صور ضحايا هذا الوادي تكاد تصرخ في آذان تلك المجموعة التي تستعد لكتابة التاريخ . 
بعد معارك الصيف الماضي أصبح الجنود المغاربة في الجدار السادس يدركون أن ذلك الفيلق المزعج مازال قريبا منهم, وبالتالي كان ذلك يعني أنهم معرضون للاجتياح في أي وقت,وطبعا كانت أسباب نجاتهم دائما على كف عفريت . 
في حدود الساعة الثانية فجرا وفي سكون ذلك الليل البارد , بدأ المسير نحو الحزام وكانت روائح النباتات البرية التي تكسو وجه الأرض تداعب الأنوف طوال الليل,وبدت تلك الأرض الحديثة العهد بالأمطار وكأنها تبتسم. 
ووسط الظلام الدامس كان الرجال يتنقلون بحذر بالغ ودون إصدار أي ضجيج رغم صعوبة تضاريس تلك المنطقة,التي كانت دون أن تدري تبيت ليلتها على فوهة بركان. 
بعد إحدى عشر سنة وتسعة أشهر بالتحديد وفي ليلة الثامن عشر نوفمبر 1987 عاد الشباب الذين كانوا قد أصبحوا رجالا لينتقموا لشهداء تلك الأيام البعيدة الدامية,ولكنهم هذه المرة عادوا على ظهور ناقلات BMP1 ليعيدوا رسم معالم ذلك الوادي الذي قدر له أن يشهد قساوة إنتقام الصحراويين. 
بعد ساعتين تقريبا تم فتح ثغرة العبور وسط فاصل بين القاعدة ونقطة الإسناد ,وطبقا لخطة المعركة كان على مشاة الكتيبة الأولى من الفيلق الرابع تأمين تلك الثغرة حتى وصول المهاجمين, ثم إقتحام القاعدة الرئيسية والسيطرة عليها قبل وصول الناقلات. 
وقبل ساعة الصفر بقليل كان نائب قائد الكتيبة يراقب ساعته وفجأة دوى هدير محركات BMP وللحظات قليلة بدا وكأن الزمن قد توقف,وحده كان ذلك الصوت الهادر يشق سكون الفجر معلنا عن بداية المعركة. 
ووسط الظلام الحالك وفي لحظات الفجر الأولى بدأت عملية الإقتحام , وكنت ترى مشاهد الرجال يتسابقون نحو الغرب وأعمدة الغبار التي تثيرها جنازر الناقلات المدرعة تتصاعد نحو السماء. 
ومع وصول أولى موجات المهاجمين تحرك مشاة كتيبتنا نحو القاعدة الجنوبية البعيدة نسبيا, وبعد أن إجتزنا نصف المسافة تقريبا بدأت تلك القاعدة تطلق كل نيرانها صوب هذه المجموعة التي كانت بالنسبة لهم تشكل أولى علامات الخطر, ومع مرور الوقت تفرق المشاة إلى جماعات صغيرة ثم بدؤوا يطلقون النار بالتناوب ويتقدمون نحو القاعدة التي يحميها رشاش 12.7 والذي كان يطلق النيران بدون توقف. 
كانت المجموعة الأولى من المشاة قد وصلت الى مسافة قريبة جدا من القاعدة,وتحت ضغط النيران الكثيفة إصطف خمسة مقاتلين من بينهم راميان لسلاح RBG7 خلف صخرة ناتئة في الجدار الرملي, ينتظرون الفرصة للانقضاض على ذلك الرشاش المشؤوم,ومع مرور الوقت بدأ الوضع يزداد صعوبة,وأصبح واضحا أن التقدم نحو تلك القاعدة لم يعد ممكنا ما لم يتم تحطيم ذلك الرشاش اللعين. 
كانت هذه المجموعة القليلة التي شاءت الأقدار أن تكون في المقدمة في ذلك الفجر الساخن تدرك جيدا خطورة الموقف ,ولكنهم مع ذلك كانوا مطالبين بالوصول إلى تلك القاعدة والسيطرة عليها قبل وصول المدرعات مهما كان الثمن. 
وكعادة الصحراويين دائما في مثل تلك المواقف تبادل الرجال كلمات قليلة,تبين بعدها أن الأمر يتطلب إتخاذ قرار سريع ,كانت هذه المجموعة المحاصرة تعتلي جانب الجدار الرملي فيما كان السفح الذي يقع غرب الجدار يغلي من كثرت الرصاص وطبعا كان النزول إليه يتطلب الكثير من الجرأة. 
وفي هذه اللحظات العسيرة تقدم أحد رماة القاذف الصاروخي وقبل أن يصل ذلك السفح الملتهب تمكن من إطلاق صاروخ صوب الرشاش المغربي,ومباشرة نزل الرامي الثاني خلف رفيقه, وحدث كل شيء بسرعة ,راميان يقفان في مواجهة قاعدة كاملة ,وقبل أن يتمكن الرامي الثاني من إستهداف المربع الذي يتحصن خلفه الرشاش أصيب إصابة بالغة وسقط على الأرض ,وبشكل يثير الاعجاب تمكن من النهوض ثانية رغم خطورة جراحه وأطلق صاروخا باتجاه الرشاش ,وفي نفس تلك اللحظة أطلق رفيقه صاروخا ثالثا وحلق ذلك الرشاش وراميه نحو السماء تطارده لعنات تلك المجموعة التي كانت تراقب المشهد,وبعد لحظات قليلة تبين أن محمد ولد أمهمد ولد زيو قد إلتحق بركب الشهداء. 
وقبل أن يسحب الفجر آخر خيوط ظلامه إقتحم المشاة تلك القاعدة الكبيرة قبل وصول الناقلات بوقت وجيز وتمكنوا من تطويقها بشكل كامل, ومع وصول ناقلات الكتيبة وتحت ضغط الحصار الخانق والكثافة النارية الكبيرة إستسلمت تلك القاعدة وتمت تصفيتها بالكامل. 
وفي نفس هذا الوقت تقريبا كان مشاة الناحية الثالثة المكلفون باحتلال نقطة الاسناد الشرقية ,قد فتحوا النار من مسافة بعيدة ,وطبعا كانت نقطة الاسناد مجهزة برشاشات 12.7 ملم,وتمكنت من عرقلة تقدمهم مؤقتا,ثم فجأة إستشهد نائب المجموعة وجرح قائدها في وقت متقارب, وبعد وقت قليل إنفجر لغم أرضي بسيارة تابعة لتلك المجموعة التي ظلت متماسكة رغم كثافة النيران. 
كانت تلك القاعدة المشؤومة تطلق النيران في كل الاتجاهات ,لكن تدخل ناقلات الكتيبة الثالثة من الفيلق الرابع قلب كل الموازين, وبدا مشهد تلك العربات المدرعة يثير الإعجاب وهي تطلق النيران ثم تتقدم والمشاة يحيطون بها حتى وقفت على رأس تلك القاعدة سيئة الحظ , وفي مشهد رائع إختلط شباب الفيلق الرابع و مقاتلوا الناحية الثالثة وأحاطوا جميعا بتلك القاعدة التي قدر لها أن تتحول إلى أنقاض. 
وفي الوقت الذي بدأ فيه إجتياح القواعد الأمامية كانت كتائب من الناحية الثالثة مدعمة بالكتيبة الثانية من الفيلق الرابع والناحية الأولى وفيلق البحرية , قد إنتشروا جميعا في أعماق المعركة وتمكنوا سريعا من التصدي لكل النجدات التي حاولت التدخل, وبعد وقت وجيز كانوا يطاردون تلك الأسراب التي تفرقت وتم إصطيادها في نفس ذلك الوادي الذي كانت الطائرات المغربية ذات يوم تصب فيه الفوسفور الأبيض على رؤوس الاطفال. 
وبعد نهاية المعركة كانت حفرة أم أدريݣة قد إشتعلت تماما ومناظر الجثث تملأ ذلك الوادي الذي شاءت الأقدار أن يصبح إبتداءا من ذلك اليوم شاهدا على مجزرتين. 
توجه الفيلق الرابع بعد المعركة مباشرة إلى منطقة أݣراير لبيار,وقبل الزوال بقليل تم دفن الشهداء عند آمخيول أتويزرفاتن,ومع حلول عصر نفس اليوم تم تسليم الأسرى والغنائم للناحية الثالثة و توجهنا مباشرة نحو تنيولݣ. 
مساء يوم المعركة 18 نوفمبر1987 وبعد صلاة المغرب بقليل ,كنا نتناول الشاي عند جماعة من الفصيلة الثانية من كتيبتنا ,وطبعا كنا جميعا نترقب البلاغ العسكري الذي ستصدره وزارة الدفاع عبر الاذاعة الوطنية ,وفجأة إرتفع صوت الموسيقى العسكرية معلنة تباشير ملحمة أم أدريگة,وقرأ المذيع البلاغ العسكري التالي: 
هاجمت فجر هذا اليوم الأربعاء 18 نوفمبر 1987 وحدات جيش التحرير الشعبي الصحراوي ,من الساعة الخامسة فجرا الى العاشرة صباحا الحامية المتمركزة بقطاع أم ادريݣة وحولوا جزءا من الحزام السادس إلى جحيم ونار تحت أقدام الغزاة. 
وعلى جبهة طولها 10 كلمترات وعمق يزيد عن ذلك تمكن مقاتلونا من إحكام السيطرة على العدو رغم تدخل طيرانه منذ الوهلة الأولى وتم إكتساح قواعد العدو المتمثلة في المجموعة الرابعة للأمن الخفيف ومطاردة فلول نجداته ,وبالذات الحشد الأول من الراجمة الحادية عشر والفيلق الثاني للمشاة المحمولة من الراجمة الرابعة. 
وكانت نتائج هذه المعركة البطولية كالتالي: 
- إحتلال 03 قواعد دعم. 
- تدمير قاعدتين. 
- تدمير معظم نجدات العدو. 
- أسر 26 جنديا غازيا من بينهم الملازم أول ملال أعلي. 
- قتل وجرح ما يزيد على 350 ضابطا وجنديا. 
- تدمير 06 مستودعات للذخيرة. 
- إسكات بطاريتين 155 ملم. 
- حرق 34 سيارة LANDROVER تحمل رشاشات 12,5 ملم. 
- حرق 16 سيارة TOYOTA تحمل رشاشات 23 و14,5 ملم. 
- حرق 03 دبابات SK 105 ملم. 
- حرق 03 شاحنات GMC. 
- تدمير بطاريتين هاون 120 ملم. 
وخلال هذه الملحمة تم غنم وسائل ومعدات العدو التالية: 
- 50 بندقية أكلاشينكوف. 
-01 مدفع 106 ملم. 
-01 هاون 81 ملم. 
-04 رشاشات 12,7 ملم. 
-01 مدفع SBG 9 
-07 قواذف RBG 7. 
-03 قواعد لإطلاق صواريخ DRAGON. 
-04 رشاشات ماك. 
-10 بنادق فال. 
-02 رشاش GRINOF. 
-04 سيارات LANDROVER. 
-01 شاحنة ENIMOG. 
-01 سيارة TOYOTA تحمل رشاش 23 ملم. 
-05 مواسير رشاش 14,5 ملم. 
-03 أجهزة للاتصال. 
-عدد ضخم من الذخائر والوثائق العسكرية الهامة. 
وقد تزامنت هذه المعركة مع تنفيذ معركة أخرى في القطاع الشمالي,هي معركة الفرسية,التي حدثت في نفس اليوم. 
بعد نهاية البلاغ العسكري بدت علامات الارتياح واضحة على ملامح تلك المجموعة التي كانت تشعر بالفخر. 
وبعد أيام قليلة كان المقاتل الزعيم ولد علال التابع لفيلق البحرية ينشد أمام جمع غفير من المقاتلين قصيدته الشهيرة التي يصف فيها تفاصيل هذه المعركة: 
عاش الجيش الحسم الصراع ******** يفرظ حلولو حل ابحل 
وازلزل فرايس لطماع ******** بالحيلة والوقت ولعقل 
حد ابݣافو ما يزرك گاف 
واللا طلعة ساعت زفاف 
ام ادريگة تحت الكشاف ************ اللي نارو تبهر لعقل 
ذاك انگولو ماهو عراف *********** والى عاد اللي يعرف ذل 
أما حد ابعينيه وشاف ************** وابعقلو وابوذنيه وحل 
عينيه اعل زين التفاف ************* ناقلات الجيش وسجل 
ذيك اللحظات اللي خاف ************ فيها عقل اعدوه ومنسل 
عاطي للحزام ابلكتاف ************** ماهو متلفت مركل 
مفروظ اعليه اݣول آلاف ************** امن الگيفان ويتنهول 
عاش الجيش الحسم الصراع *********** يفرظ حلولو حل ابحل. 
ومع بداية شهر ديسمير سنة 1987 وصلت اللجنة التقنية الإفريقية الأممية ,التي يرأسها عبد الرحيم فرح إلى النقطة الحدودية رقم 22 قرب آدغيد قادمة من مدينة أزويرات الموريتانية,ثم توجهت مباشرة إلى بلدة آغوينيت تحت حراسة جيش التحرير الشعبي الصحراوي.. 
يتبع....معركة حفرة إشياف الثانية.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *