-->

حسابات المغرب الخاطئة في معادلة الكركرات


بقلم: الديش محمد الصالح 
يبدو ان المملكة المغربية ماضية في تنفيذ مخططها الهادف إلى تغيير الوضع القائم في الجزء الجنوبي من الصحراء الغربية، هذا المخطط الذي سبق وان بدأته في مثل هذا الشهر من سنة 2016، حيث تعمل على التواجد الدائم في معبر الكركرات، في نية مبيتة للتوسع في احتلال المتبقي من الأراضي الصحراوية التي انسحبت منها موريتانيا على اثر اتفاق السلام بينها وجبهة البوليساريو سنة 1979 بما في ذلك لكويرة. وفي رسالة بعث بها الى كل من الامين العام للأمم المتحدة والرئيس الدوري لمجلس الأمن، يوم 12 أغسطس الجاري، ندد السيد ابراهيم غالي رئيس الجمهورية الصحراوية والامين العام لجبهة اليوليساريو بالاختراقات المغربية المتواصلة ووصفها بالاستفزازية وخاصة في المنطقة العازلة بالكركرات، وحذر من عواقبها الوخيمة على السلم والامن وعلى عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، وطالبهما بالتصرف بحزم لتوقيف هذه الأعمال الاستفزازية، مؤكدا على تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالموضوع. 
لقد لجأت المملكة المغربية لمثل هذا النوع من التصرفات المتهورة بعدما انقطع حبل مبررات احتلالها اللاشرعي للصحراء الغربية سواء تعلق الأمر بمطالبها بالسيادة على الاقليم أو تسويقها لمقترح "الحكم الذاتي"، ولم يعد أمامها الا خياران؛ إما القبول بمعالجة القضية انطلاقا من كونها قضية تصفية استعمار أو إعلان التحدي والاستمرار في احتلالها للإقليم، فاختارت هذا الاخير. وكانت المغرب قد قامت بسابقة خطيرة سنة 2016 تمثلت في طرد المكون المدني لبعثة المينورسو، ليتبع ذلك مباشرة بخرق سافر لوقف إطلاق النار من خلال تعبيد طريق غير قانوني في الكركرات كانت قد فتحت لأجله ثغرة في الحزام يربط الصحراء الغربية وموريتانيا. وقامت المملكة المغربية بردة الفعل المرتبكة تلك على اثر التصريحات التي ادلى بها الأمين العام السابق للأمم المتحدة، السيد بأن كي مون، خلال زيارته للمناطق المحررة من أراضي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية مارس 2016، والتي وصف فيها التواجد المغربي في الصحراء الغربية بالاحتلال، هذه التصريحات التي لم تكن اعتباطية بل كانت إعلانا لاستقرار القرار الدولي بخصوص قضية الصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار. وبالتأكيد ان وراء كلام بان كي مون قوى عظمى ارادت ان توجه من خلاله رسالة لتجديد التأكيد ان الوجود المغربي في الصحراء الغربية هو حالة احتلال يستوجب التعامل معها على هذا الاساس وان الحل يكمن في انهائها وفقا لمقتضيات الشرعية الدولية. ورغم ما مثلته ردة فعل المغرب من هروب الى الامام وتحدي لقرارات مجلس الامن، الا ان الفيتو الفرنسي حال دون اتخاذ أية إجراءات ضدها، ولولا تصدي الجيش الصحراوي لتلك الاستفزازات المغربية وتوقيفها عند حدها، ما كان للأمم المتحدة أن تحرك في الأمر ساكنا. كل الخطوات الاستفزازية التي قامت بها المملكة المغربية كانت بإيعاز من فرنسا باعتبار أن استمرار نزاع الصحراء الغربية يخدم مصالحها وتتخذه مطية لابتزاز بلدان المنطقة. 
تحاول المملكة المغربية تبرير ما تقوم به من خروقات في المنطقة الجنوبية من الصحراء الغربية تارة على أنه بسبب تهديدات أمنية هي من صنعتها كالإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة، وتارة اخرى بالتامين على تنقل البضائع المتوجهة الى إفريقيا. وبدا من الواضح ان المغرب وفرنسا تخططان "للعبة مصالح" تهدف الى توريط الاستثمار الاجنبي في الصحراء الغربية بهدف إطالة الاحتلال المغربي للإقليم وتعقيد الحل، والتي جاء في اطارها إبرام الاتحاد الاوروبي والمغرب لاتفاقيتي الصيد والمنتجات الفلاحية اللتان تضمان الصحراء الغربية. ان المغرب وفرنسا يراهنان على السيطرة على لكويرة والكركرات لما لهذه المنطقة من أهمية جيواستراتيجية للتأمين على مسارات هذه اللعبة بحرا وبرا. ويعتقدان انه بالاستيلاء على هذه المنطقة سيخلقان وضعفا جديدا في وجه صراع النفوذ المحتدم بين القوى العظمى في القارة الافريقية من جهة، ومن جهة اخرى لتقييد حركة الجيش الصحراوي وتأمين السواحل والضغط على موريتانيا وتسهيل عملية تدفق المخدرات نحو افريقيا. 
لكن ماذا سيحدث اذا اندلعت الحرب؟ بالتأكيد ان جميع الحسابات ستنقلب راسا على عقب، ولا احد يستطيع التكهن او التحكم في مسارها، مساحتها، عواقبها وشكل تحالفاتها، الشعب الصحراوي طبعا لن يكون الحلقة الأضعف فيها. 
ان الجيش الصحراوي لن يتردد في الرد على اية محاولة خروج مغربية مهما كان نوعها، وسيكون الرد هذه المرة سريعا وعنيفا. والصحراويون، الذين تضاعفوا عددا وازدادوا قوة، كلهم جنودا مجندين خلف جيشهم ومصممين على الكفاح حتى التحرير الكامل لأراضي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. 
وفي حالة حدوث تطور خطير من هذا النوع فإن اصابع الاتهام في حدوثه ستوجه الى المملكة المغربية التي ظلت تعرقل كل الجهود الدولية الرامية إلى تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير والاستقلال. وسيعتبر هذا التصرف تحديا كبيرا للقرارات الدولية، وستنحر عنه مواجهة بين الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن مع المغرب ستترتب عن تحميل هذه الاخيرة المسؤولية في إفشال الجهود الدولية وربما تُتخذ بحقها عقوبات. كما أن دول الجوار التي سيصبح أمنها القومي مهددا والاتحاد الافريقي لن يبقيا مكتوفي الأيدي أمام مثل هذه الحماقات، مما سيسبب في عزلة إقليمية وقارية للملكة المغربية قد تصل حد تجميد عضويتها في الاتحاد الافريقي. 
وفي الاخير، مهما خطتا له المغرب وفرنسا، فمصيره الفشل كسابقه من مخططات، لان الحق يعلى ولا يعلى عليه وإرادة الشعوب لا تقهر وستبقى بالمرصاد لمصاصي دمائها من الاستعماريين، وستخرج المملكة المغربية من الصحراء الغربية تجر أذيال الهزيمة والعار، مثلما خرجت فرنسا تجرها من الجزائر وموريتانيا.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *