-->

من لا يستحي، يفعل ما يشاء


قد يجهل البعض ان الصمت في حضور الوقاحة ترفع، و يستهون الكثير من الامور التي يندى جبين كرمائنا للعلم بفعلها و يزدرونها و فاعلها ترفعا، و يبرر فاعل ذلك في ايامنا، قائلا: "انا ماَغَدِلِي" و هو لفظ اصبح شائعا بين شبابا يردده بعصهم ببلاهة، يعني انه لا يهاب الفضيحة (لَفْظَاحَة)، التي كانت تجعل الرجل "يزوگ" عن مجتمعه، "اللي كان يكتل ماتل إحشمْ" و "اللي ما يَحْشَمْ يَوْكَلْ إلين يَشْبَعْ"، في حين انه لا يعلم ان من كساه ثوب الحياء لم ير الناس عيوبه، و تنجم عن هذه الميولات تصرفات تماهي الهمجية، بالمقارنة مع شيم شعبنا و اخلاقه الحميدة، فهي عادات دخيلة تتسلل الى مجتمعنا لتفرغه من محتواه الادبي والاخلاقي، عبر سلكات غريبة لا علاقة لها بالفضية و دين الاسلام الذي هو دين قمةً في مكارم الاخلاق لا يفارقه اهله الحياء، الحياء الذي قال فيه من وصفه اللّٰه انه لعلى خلق عظيم - صل الله عليه و سلم : "الحياء لا يأتي إلاَّ بخير"، فإنَّه يكفُّ عن ارتكاب القبائح و دناءةِ الأخلاق و يحثُّ على مكارم الأخلاق و معاليها. و قد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنَّه قال : "من استحيى اختفى و من اختفى اتقى و من اتقى وُقي". وقال الجَرَّاح بنُ عبد الله، (و كان فارس أهل الشام ): "تركتُ الذنوب حياءً أربعين سنة ثم أدركني الورع". و عن بعضهم قال : "رأيتُ المعاصي نذالةً فتركتها مُروءةً". و لو لم يكن في التواضع عظمة لما إنحنت السنابل الممتلئة ولو كان في الكبْرِ هيبة لما رفعت تلك السنابل رؤوسها و هي فارغة كما ان غاية الأدب أن يَستحي الإنسان من نفسه. كما قال فيه ابن رجب رحمه الله ايضا:
"أنَّ الحياء نوعان : أحدهما : ما كان خَلْقاً وجِبِلَّةً غيرَ مكتسب، وهو من أجلِّ الأخلاق التي يَمْنَحُها الله العبدَ ويَجبِلُه عليها، و هو من خصال الامان، و الثاني : ما كان مكتسباً من معرفة اللهِ، ومعرفة عظمته وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمِه بخائنة الأعين وما تُخفي الصدور، فهذا من أعلى خصالِ الإيمان بل هو مِنْ أعلى درجات الإحسّان".
و هناك ثلاثة مَنْ كُنَّ فيه كان كاملاً، ومَن تعلّق بواحدة منهنّ كان مِن صالحي قومه: دينٌ يُرْشِدُه، وعقلٌ يُسَدِّدُهُ، وحَيَاءٌ يَقُوده، و الحياء و الإيمان مقرونان جميعاً، فإذا رُفع أحدهما ارتفع الآخر.
و قد قال بعض السلف في هذا الباب ما يلي:
يَعِيش المَرْءُ ما استحيَى بِخَيرٍ 
و يبقى العودُ ما بقيَ اللــحـــاءُ 
فلا واللهِ ما في الـــعيشِ خيـرٌ 
و لا الدُّنيا إذا ذَهــبَ الــحَــيـاءُ
وإذا لم تخـشَ عـاقـبـة الليـالي
و لمْ تـستَحْي فافعَلْ ما تَـشـاءُ
ليس كل ما يشيب مجتمعنا الطاهر من شوائب هو امرا مدبرا بسوء نية، بل ان الكثير منه ياتي تلقائيا لاسباب عديدة، غير ان فعل العدو الخبيث ليس غائبا عن المسرح على كل حال، و نأمل ان لا يغتر مغرور منا ببريق اكاذيب مفترسات تتربص بشعبنا حسدا و مكرا لحاجة في نفوسهم الغادرة يسخرون لها كل ما يملكون من وسائل فتاكة، مستغلين فينا "زين النية" و قلة الخبرة في الحيل الماكرة حتى لا نقع في ما حصل للسلحفات في الحكاية التالية: 
قيل ان ضبع و ذئب طمعا في التهام سلحفات و لم يقدرا عليها لان درعها الذي يحميها عصي عليهما، فقالا لها ان الالواح التي تكسوها من الاعلى و من الاسفل يقيدا حريتها و يثقلا مشيها وتقللا من سرعتها و ان التفسخ منهما اجمل لها، فاوهموها بان التحرر من الالواح يجعلها خفيفة، رشيقة و سريعة، و كأنها تتحول الى كنقر حر وسريع و قوي، فإنخدعت بذلكم الهراء السخيف، و بدأت في عملية صعبة، معقدة و متعبة للتفسخ من الالواح، كانت نهايتها انها اصبحت لغمة صائغة في افواه كل المفترسات التي لا ترحم، و ما استطاعت العودة الى الوراء حين شعرت يالضعف بعد فوات الاوان حيث لا ينفع الندم. 
2019/11/11
محمد فاضل محمد اسماعيل obrero

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *