-->

الرسائل القوية لجبهة البوليساريو على اثر قرار مجلس الامن 2494 (2019).


بقلم: الديش محمد الصالح 
كان موقف جبهة البوليساريو بإعادة النظر في تعاطيها مع العملية السياسية برمتها التي ترعاها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية جاء عقب قرار مجلس الامن المخجل رقم 2494 (2019) الصادر يوم 30 أكتوبر الماضي الذي مدد مأمورية بعثة المينورسو لسنة بضغط من أطراف داخل المجلس وعلى رأسها فرنسا التي تسعى الى تغيير طبيعة الحل السياسي بما يخدم استمرار احتلال المملكة المغربية لأراضي الجمهورية الصحراوية. وبهذا الموقف تكون الجبهة قد قطعت الطريق امام لعبة المد والجزر التي دامت اكثر من 28 سنة على حساب معاناة صاحب الحق المشروع الذي سئم من انتظار إتاحة له فرصة اختيار مستقبله.

وتوجد الصحراء الغربية منذ ادراجها سنة 1963 من طرف الامم المتحدة ضمن الاقاليم التي لا تتمتع بحكم ذاتي وظلت قضيتها تعالج كمسالة تصفية استعمار من خلال تمكين شعب الإقليم من حقه غير قابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال. فجميع قرارات الجمعية العامة ومجلس الامن وكذلك الاستشارات القانونية لمحكمة العدل الدولية 1975، ومستشار الامين العام السابق هانس كورل 2002 وقرارات محكمة العدل الاوروبية 2016 و 2018، كلها تؤكد الحق المشروع لشعب الصحراء الغربية في تقرير المصير وفي المقابل عدم الاعتراف بأية سيادة للملكة المغربية على الاقليم، هذا بالإضافة إلى قرارات الاتحاد الافريقي سليل منظمة الوحدة الافريقية التي قبلت بالجمهورية الصحراوية كعضو كامل الحقوق في هذه المنظمة والتي اصبحت فيما بعد أحد المؤسسين للاتحاد الافريقي وتتمتع بمكانة مرموقة داخله. 
ويحمل موقف جبهة البوليساريو رسائل عديدة وقوية منها ما هو موجه للمملكة المغربية، نظاما وشعبا، ومنها ما هو موجه للعالم الخارجي (قوى عظمى، منظمات دولية، دول ومجمع مدني) ومنها ما هو موجه للرأي العام الوطني الصحراوي. 
فبخصوص الرسالة الموجهة للمملكة المغربية تؤكد جبهة البوليساريو اولا للنظام المغربي أنه قد اضاع فرصة ثمينة للسلام لطالما دعاه الطرف الصحراوي من أجل استغلالها وأنه لم يستغل نية الصحراويين الصادقة التي أظهروها في التعايش السلمي بين الدولتين والشعبين الشقيقين. أما بالنسبة للشعب المغربي فمضمون الرسالة الموجهة اليه هي ان الصحراويين يتأسفون لتمادي حكومة بلاده في الاحتلال اللاشرعي للصحراء الغربية وان ذلك لن يجلب له الا مزيد من تأزم اوضاعه والعودة مجددا للتوتر وسفك مزيد من دماء الاشقاء. لقد نفذ صبر الصحراويون ولم يعد امامهم سوى خيار التحدي بما يحمله ذلك من إمكانية للعودة مجددا للكفاح المسلح.
اما بالنسبة للرسائل الخارجية، فإن الجبهة تؤكد على ضرورة الاحتكام للشرعية الدولية التي يقرها ميثاقي الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي وقرارتهما، وهي مرجع وأساس الحل العادل لقضية الصحراء الغربية الذي تضمنته خطة التسوية الأممية- الافريقية التي تبناها مجلس الأمن في قراره 690 (1991) وبموجبها ومن اجلها توجد بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو). ان تعاطي جبهة البوليساريو مع الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي في البحث عن حل سلمي كان أتي من قناعة ثابتة بالحل الديمقراطي باحترام الحق المشروع للشعب الصحراوي ومن اهمية السلام والاستقرار في المنطقة، لذلك ظلت يدها ممدودة للسلام والتزمت بما وقعت عليه وقدمت الكثير من التنازلات على طول اكثر من 28 سنة رغم ما يتعرض له الصحراويون من قمع يومي من طرف سلطات الاحتلال المغربية ورغم قساوة الظروف التي يعيشها مئات الآلاف من الصحراويين في اللجوء ورغم الانتظار الطويل والنهب المستمر لثروات الاقليم، وفي الاخير يقابل كل هذا برفض صريح للمملكة المغربية لاستفتاء تقرير المصير في غياب تدخل دولي لإلزامها بالقبول بالشرعية الدولية. من هذا المنطلق قررت جبهة البوليساريو اعادة النظر في عملية السلام، مؤكدة ان لا سلام ولا استقرار في المنطقة الا برحيل المحتل المغربي، وبالاعتراف بالدولة الصحراوية وبسيادتها على كامل ترابها الوطني، وأن الصحراويين سيرفعون التحدي للدفاع عن حقوقهم المشروعة وبكل الوسائل الممكنة.
أما القوى المتنافسة على شمال افريقيا فان جبهة البوليساريو تؤكد أن اساس امن واستقرار المنطقة هو احترام الحق غير قابل للتصرف لشعب الصحراء الغربية في تقرير المصير والاستقلال، وان الدولة الصحراوية مستعدة للتعاون مع جميع الشركاء على اساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة انطلاقا من موقعها جيواستيراتيجي الذي يجمع بين ثلاث قارات بما يخدم تكامل شعوب المغرب العربي وافريقيا عامة. وفي هذا الاطار تحذر جبهة البوليساريو من العواقب الوخيمة للسياسات الاستعمارية التي لازالت فرنسا تتبعها من اجل زعزعة أمن واستقرار المنطقة وعرقلة اندماجها، ولعل أدق دليل هو توريطها للاتحاد الاوروبي في نهب ثروات الصحراء الغربية وتشجيعها للنظام المغربي في مواصلة احتلاله اللاشرعي لأجزاء من تراب الجمهورية الصحراوية.
أما الرسالة الموجهة للرأي العام الوطني الصحراوي، فإن جبهة البوليساريو تؤكد لكل الصحراويين ان هناك خطوط حمراء لا يمكن بتجاوزها وأولها احترام إرادة الشعب الصحراوي وأن المكاسب المحققة هي بفضل تضحياته جسام من اجل هذا الهدف ولن تذهب سدى، وسيبقى الهدف المنشود هو تحرير الوطن وطرد الغزاة المغاربة. كما تؤكد الجبهة ان تعاطيها الطويل مع الأمم المتحدة كان تأكيد للعالم بأسره نيتها الصادقة في انهاء الصراع وبالمقابل غياب الارادة السياسية لدى النظام المغربي المدعوم من فرنسا، احد الاعضاء الدائمين في مجلس الامن، لأجل إطالة وتعقيد إنهاء الاستعمار من آخر مستعمرة في افريقيا. 
وتؤكد جبهة البوليساريو أيضا لشعبها ان الظرف صعب، والأعداء يتربصون به بكل الطرق والوسائل ومن كل الاتجاهات، لذلك تدعوه للوحدة والتلاحم وإلى مزيد من التضحيات، وأن يتخذ من المؤتمر الخامس عشر للجبهة محطة فاصلة لرص الصفوف وتجديد العهد واظهار قوة وإصرار الصحراويين على انتزاع حقوقهم المشروعة وطرد الغزاة المغاربة واستكمال سيادة الجمهورية الصحراوية على كامل ترابها الوطني. ان نظام المغرب وحلفاءه لازالوا يعيشون وهمهم القديم للنيل من الحقوق المشروعة للشعب الصحراوي، ويبد ان ضمائرهم لم تستيقظ رغم صمود الشعب الصحراوي على مدى أزيد من 44 سنة، وان الثمانية والعشرين سنة من اللاحرب واللاسلم جعلتهم يتناسوا الهزائم العسكرية على ايدي مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي وما سببت لهم الحرب من خسائر.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *