خطاب رئيس الجمهورية ، الأمين العام لجبهة البوليساريو خلال الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ 44 لإعلان الجمهورية الصحراوية
ألقى اليوم الخميس رئيس الجمهورية ، الأمين العام لجبهة البوليساريو السيد إبراهيم غالي كلمة خلال إشرافه على الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ 44 لإعلان الجمهورية الصحراوية .
وفيما يلي النص الكامل للكلمة :
كلمة الأخ إبراهيم غالي، رئيس الجمهورية، الأمين العام للجبهة، بمناسبة الذكرى الرابعة والأربعين لقيام الدولة الصحراوية،
ولاية السمارة، 27 فبراير 2020
بسم الله الرحمن الرحيم
ضيوف شعبنا الكرام،
الأخوات والإخوة،
يخلد الشعب الصحراوي اليوم، في كل مواقع تواجده، الذكرى الرابعة والأربعين لإعلان قيام دولته، الجمهورية الصحراوية، كتجسيد ميداني وأبدى لإرادته السيدة في التحرر من براثين الاستعمار، والعيش حراً كريماً فوق ترابه الوطني، على غرار سائر شعوب المعمورة.
وإننا، كما في كل المناسبات الخالدة، لا يمكن إلا أن نستهل بتقديم آيات العرفان والتبجيل والتقدير والإكرام والاحترام والوفاء إلى كل شهيدات وشهداء القضية الوطنية البررة، وفي مقدمتهم شهيد الحرية والكرامة، مفجر الثورة ومؤسس الدولة، الولي مصطفى السيد، والرئيس الشهيد محمد عبد العزيز الذي قضى أكثر من أربعين عاماً في قيادة معركة التحرير والبناء التي يخوضها شعبنا.
ويحق لهذا الشعب الصامد البطل أن يفخر كل الفخر ويعتز كل الاعتزاز برصيده الكفاحي الزاخر بالمكاسب والإنجازات التي حققتها الدولة الصحراوية، على كافة الصعد والجبهات، رغم واقع الاحتلال لأجزاء من ترابها الوطني من طرف النظام المغربي الغازي والتوسعي، وممارساته الاستعمارية، بما فيها محاولة الإبادة الجماعية، باستخدام أبشع الطرق والأساليب، بما فيها القصف النابالم والفوسوفور الأبيض وعمليات القتل الجماعي، بالدفن والحرق والرمي من الطائرات العمودية وتسميم الآبار، ناهيك عن التصفية الجسدية المباشرة بالرصاص وتحت التعذيب والتنكيل والاعتقالات التعسفية والاختفاء القسرية وغيرها.
الجمهورية الصحراوية اليوم واقع وطني، جهوي، قاري ودولي لا يمكن تجاوزه، وحقيقة لا رجعة فيها وعامل توازن واستقرار وسلام واعتدال في كامل المنطقة. تحتل بجدارة واستحقاق مكانتها كعضو مؤسس في الاتحاد الإفريقي، وتتمتع بعلاقات واسعة في شتى أنحاء العالم. الدولة الصحراوية واقع ميداني بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، بسياساتها وبرامجها وإدارتها الوطنية، وتسييرها لمختلف القطاعات، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وتعزز تجربتها المتميزة في بناء مجتمع عصري منفتح على العالم، وتكريس مثل الديمقراطية والعدالة والمساواة واحترام الأديان والحضارات والثقافات.
الجمهورية الصحراوية فخورة بالمكانة المستحقة التي تحتلها المرأة والشباب في مختلف مفاصل التسيير الوطني، ومصرة على تعزيز هذا الدور المحوري، حاضراً ومستقبلاً، في بناء هيئات ومؤسسات الدولة الصحراوية، انسجاماً مع توجه استراتيجي لجبهة البوليساريو، أكد عليه بجلاء مؤتمرها الخامس عشر.
وقد كان انعقاد المؤتمر الخامس عشر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في بلدة التفاريتي، في ربوع الأراضي المحررة من الجمهورية الصحراوية، في أحضان جيش التحرير الشعبي الصحراوي، رسالة قوية أخرى، بعثها الشعب الصحراوي إلى العالم أجمع. رسالة عزم وتصميم وإصرار على المضي قدماً على درب الوفاء لعهد الشهداء حتى استكمال سيادة الدولة الصحراوية على كامل ترابها الوطني. رسالة تحدي واستماتة ويقظة دائمة لإفشال خطط العدو ودسائسه ومناوراته. إنها بالتالي رسالة وحدة وإجماع كل الصحراويات والصحراويين، أينما تواجدوا، تحت قيادة الممثل الشرعي والوحيد، رائدة كفاحهم الوطني، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
ولا يفوتني هنا أن أتقدم، باسمكم جميعاً، بالتحية والتقدير إلى جيش التحرير الشعبي الصحراوي، المرابط في الميدان على عهد التحرير، وعلى أهبة الاستعداد لكل الاحتمالات، يجسد ممارسة سيادة الدولة الصحراوية على ترابها المحرر، ووفائها بالتزاماتها تجاه العالم وفي إطار الاتحاد الإفريقي، من خلال التصدى، بكل مسؤولية وصرامة، لسياسات المملكة المغربية العدوانية، والتي لا تتوانى عن اللجوء إلى أرذل الأساليب، بما فيها التدفق المكثف لمخدراتها، ودورها في دعم وتشجيع عصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية، وبالتالي في التهديد المستمر للسلم والأمن والاستقرار في كامل المنطقة.
الأخوات والإخوة،
لا شك أن تطورات القضية الصحراوية اليوم لا تعكس إرادة حازمة من الأمم المتحدة في تحمل مسؤوليتها في التعجيل بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية. فعلى مرأى ومسمع من بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، المينورسو، وفي منطقة نزاع واقعة تحت المسؤولية الأممية، لا تزال سلطات الاحتلال المغربي ترتكب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، تمارس القمع والاعتقال وطرد المراقبين الدوليين وتفرض الحصار والتضييق على المنطقة وعلى المواطنين الصحراويين، وتمنع أي تواصل لهم مع المينورسو. وفي الوقت نفسه، نشهد ممارسات استفزازية خطيرة من دولة الاحتلال المغربي، من قبيل تنظيم انتخابات وفتح قنصليات وتنظيم تظاهرات ثقافية ورياضية والنهب الممنهج للثروات الطبيعية وغيرها في الأجزاء المحتلة من الجمهورية الصحراوية. وبقدر ما تعتمد على التضليل والمغالطة، وبقدر ما تمثل من انتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وللقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، بقدر ما تشكل تهديداً محدقاً بجهود التسوية الأممية الإفريقية للنزاع بين الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية.
إن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب لا يمكن أن تنخرط في أي مجهود لا يحترم بالكامل الحق الدولي المقدس للشعب الصحراوي في تقرير المصير واستكمال سيادته على كامل ترابه الوطني، على غرار كل الشعوب والبلدان المستعمرة. الشعب الصحراوي مصمم على الدفاع عن هده الحقوق المشروعة بكل السبل التي تكفلها له الشرعية الدولية. إننا ندعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته، لأن استمرار الاستفزازات والخطوات التصعيدية التي تقوم بها دولة الاحتلال المغربي وتنصلها الممنهج من التزاماتها الدولية لا يمكن أن يقود إلا إلى خلق الاحتقان والتوتر واللااستقرار.
وإننا لندعو الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى تحمل كامل المسؤولية لوضع حد لكل هذه الممارسات وكل هذا الاستهتار، بما في ذلك الخرق السافر والمستمر لوقف إطلاق النار والاتفاق العسكري رقم 1، وخاصة على مستوى منطقة الكركرات، وممارسة الضغوط اللازمة للتطبيق الفوري لميثاق وقرارات الأمم المتحدة، ومقتضيات خطة التسوية الأممية الإفريقية التي وقع عليها طرفا النزاع وصادق عليها مجلس الأمن الدولي.
وإننا ونحن نحي الموقف المبدئي للاتحاد الإفريقي، ندعوه للتحرك بصرامة من أجل وضع حد للانتهاك الصارخ من طرف المملكة المغربية لمبادئ القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي الذي وقع عليها، كشرط أساسي للانضمام إلى المنظمة القارية. إن الجمهورية الصحراوية لتجدد استعدادها للتعاون من أجل حل النزاع القائم مع جارتها المملكة المغربية، بما ينسجم مع مبادئ الاتحاد في حل النزاعات بالطرق السلمية وعدم الاعتداء على البلدان الإفريقية واحترام الحدود الموروثة غداة الاستقلال.
الأخوات والإخوة،
ونحن نجدد مرة أخرى إدانتنا للانتهاكات المغربية لحقوق الإنسان الصحراوي في الأجزاء المحتلة من الجمهورية الصحراوية، فإننا نرفع تحية التقدير والتضامن والمؤازرة مع بطلات وأبطال انتفاضة الاستقلال، روح المقاومة السلمية البطولية التي يخوضها شعبنا بكل تحدي وإصرار ضد الاحتلال المغربي وممارساته البغيضة. إنها جبهة متقدمة في معركة شعبنا الوجودية من أجل الحرية والكرامة والاستقلال، برهنت على صلابتها واستمراريتها وإصرارها على بلوغ أهدافها، رغم كل أساليب البطش والتنكيل والقمع الوحشي لدولة الاحتلال المغربي. فتحية إلى الأسيرة المدنية محفوظة بمبة لفقير وكل الأسرى المدنيين الصحراويين في السجون المغربية، وفي مقدمتهم مجموعة اقديم إيزيك. وإننا لنوجه نداءً ملحاً إلى الأمم المتحدة من أجل التعجيل بإطلاق سراحهم، والوقف الفوري لعمليات النهب المغربي للثروات الطبيعية الصحراوية وإزالة جدار الاحتلال المغربي، الجريمة ضد الإنسانية.
وفي هذه الذكرى الخالدة، ينبغي أن نقف عند المسؤولية التاريخية والقانونية والأخلاقية للدولة الإسبانية تجاه الشعب الصحراوي، ونذكر الحكومة الحالية بأنها مسؤولية لا تسقط بالتقادم، وبأن المواقف المخجلة المتغاضية عن سياسات التوسع والعدوان المغربية، والانجرار خلف الموقف الفرنسي المنحاز، لا تعكس على الإطلاق أي انسجام مع تلك المسؤولية ولا مع مثل الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان واحترام إرادة الشعوب.
ولكننا في هذه المناسبة أيضاً نتوجه بتحية التقدير والعرفان إلى كل الشعوب الإسبانية ومن خلالها إلى الحركة التضامنية الأوروبية والدولية، والتي هي ممثلة اليوم معنا أحسن تمثيل، من خلال التظاهرة التضامنية العالمية مع كفاح الشعب الصحراوي، صحراء ماراطون. وأنتهز الفرصة لأتقدم بالتهنئة إلى الفائزين، والواقع أن كل المشاركين، من مختلف بلدان العالم، هم فائزون وأبطال، تجشموا عناء السفر لينثروا ورود التضامن والصداقة مع هذا الشعب الطيب المضياف.
وإذ أتقدم بالتحية إلى كل الوفود المشاركة معنا، فلا يمكن إلا أن نخص الوفد الجزائري الشقيق بتحية مميزة، ملؤها الفخر والتقدير إزاء تلك المواقف المبدئية للجزائر العظيمة، حكومة وشعباً، والتي لا تزيدها الأيام والتطورات إلا رسوخاً وثباتاً.وها هي الجزائر اليوم، وهي تشق طريقها بثبات في مرحلة جديدة، باختيار شعبي ورسمي، تحتل عن جدارة واستحقاق مكانتها الجهوية والقارية والدولية، ودوره المحوري في ضمان السلم والاستقرار في المنطقة، تجدد الدعم والتأييد لكفاح الشعب الصحراوي من أجل الحرية والاستقلال، في انسجام كامل مع مبادئ ومثل ثورة الأول من نوفمبر المجيدة وميثاق وقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.
والشعب الصحراوي بدوره، وفي الذكرى الرابعة والأربعين لقيام الدولة الصحراوية، يجدد العهد لشهدائه البررة على المضي على درب الكفاح والنضال، بعزم وإصرار وإرادة راسخة لا تلين، حتى استكمال سيادة الجمهورية الصحراوية على كامل ترابها الوطني.
كفاح ، صمود وتضحية لاستكمال سيادة الدولة الصحراوية .