-->

لا يكون "لَخْتِيلْ ابْلَحْشِيشْ" الا لأمر خفي:



إن اللعب بالمفاهيم و المصتلحات في الحملات الدعائية العدائية التي تستهدف التأثير على نفسية الخصوم في الحروب التي يسمونها "باردة" و هي في عمقها لهيبا مشتعلا لَيُحدث تدميرا لا تحدثه المدافع و القنابل، فتتحول الكلمات في هذا الفن الخطير المسلح بالزيغ و البهتان الى لعب بالنار لا هوادة فيه، يفتح الباب لتراشق خفي قاتل لا يقل وقعه التخربي عن غيره من اسلحة الدمار الاخرى، و قد يفوق بعضها ضراوة، لكونه قادر على إشعال نيران لا تطفؤها المطافئ بالتسلل المموه نحو الوعي البشري حتى يصل هدفه دون ضجيج و ينشر ثقافة الدمار، و هو اسلوب دأب الخصوم على استخدامه نظرا لقلة تكاليفه وفاعليته، مقارنة بغيره من الاساليب الحربية، و يعتمد هذا الاسلوب على تحوير المعاني باللعب بالأفاظ لقتل الضمائر قبل الأنفس عبر استخدام عبارات مبطنة، معسولة، تقوم على قلب المفاهيم و نثرها على مهب الريح ليتداولها الناس بسلاسة كالفيروس، مما يجعل المتلقي يغفل عن تأثيرها المدمر و لا يتداركه الا بعد فوات الاوان، فهو كالعشب الضار ينبت و يتكيف مع طبيعة كل صراع، و يتسلل الى (جذور) القناعات و يدمرها لصنع مشاريع عدائية تؤثر في عمق الصراع، عبر استبدال المفاهيم باضدادها لتسري و تترسخ في المجتمع تدريجيا حتى يصبح الممنوع مباحا و المرفوض مقبولا، فينقلب الادراك رأسا على عقب و يتحقق ما لم تستطيع الحروب الساخنة تحقيقه، فعبارات الساكة بدلا من الشعب، و الاقاليم عوض المناطق المحتلة و تسمية هذه المناطق بالمغرب، و المُعارض بدلا من الخائن و العائد بدلا من مرتد بالنسبة لنا، هي امثلة تحاول ترويض اذهاننا على تقبل ما تشمئز منه ضمائرنا و نرفضه البتة.
و في هذا المنوال أخوض في مفهوم اصبح يتسلل الى مسامعنا شيئا فشيئا و لا أدري إن كان مطية خبث او غباء، غير انه يحمل في طياته اكثر من شبهة، بمحاولة تغيير مفهومنا للانتماء التنظيمي من تنظيم الى نظام، مما يجعلني افتح باب التأمل بالسؤال التالي: يقال ولد "النظام" السياسي او ولد "التنظيم" السياسي، ايهما الاصح، او على الاصح ايهما الاصلح و الاليق تداولا، لتفادي الانزلاق في "ما لا يعنيه"؟، امام اختلاط المفاهيم الغير منسجمة، عندما يطلقها البعض تزلفا للتنظيم و نكاية به؟.، فيتبين من ذلك انه لا مناص من توضيح المفهومين لإزالة اللبس بتسمية الاشياء باسمائها لينسجم حديثنا و قناعاتنا:
النظام:
-------- 
ان النّظام في تعريفه البسيط هو مجموعة من العناصر المتفاعلة فيما بينها؛ لأجل تحقيق هدف معين، فلا يكون النّظام نظاماً في وجود شيء واحد، بل لا بد من وجود أكثر من طرف حتى يتكوَّن النّظام. اذن، هو مجموعة عناصر تشكل بمجموعها كلاً واحداً مع بعضها حيث يرتبط كل عنصر بالآخر، و بالتالي فأي عنصر لا يرتبط بأحد عناصر هذا النظام لا يمكن اعتباره جزءا من هذا النظام، و يتميز بكونه يتشكل من عناصر و كتل هي اقرب الى التركيب الميكانيكي، حتى في مظهره الاجتماعي، و له بنية، تعرّف بأجزائه و تركيبه، و تشترك الأنظمة في خصائص منها: سلوك يتضمن المواد و الطاقة و المعلومات، و له ترابط داخلي، فأجزاء النظام المختلفة، التي ترتبط وظيفياً و بنيوياً فيما بينها، و يمكن استخدام مصطلح نظام للتعبير عن مجموعة من القواعد التي تحكم سلوكاً أو بنيةً، أما السياسي فيعني استخدام السلطة من جانب الحكام ليتمكنوا من تسيير من يسوسونه من المحكومون تحقيقا لمصلحة ما، تبعا لطبيعة كل نظام، و يعرَّف النظام السياسي على انه نظام يقوم بعدة أدوار و وظائف استنادا إلى سلطة مستقرة نسبيا يخول لها ذلك، و قوة يستند إليها، لإدارة موارد المجتمع وتحقيق الامن الداخلي والخارجي وتحقيق أكبر قدر من المصالح العامة و العمل على الحد من التناقضات الاجتماعية الكامنة في صورها السلوكية، و هو مجموعة مترابطة من السلوك المقنن الذي ينظم عمل كل القوى و المؤسسات والوحدات الجزئية التي يتألف منها كل امر سياسي او مؤسساتي داخل بناء هيكليي معين، في صورته العامة او الخاصة وفق تسلسل منسجم في اطار منظم تخضع له كل عناصره، و قد يكون عبارة عن مجموعة من المؤسسات التي تتوزع بينها عملية صنع القرار السياسي، ضمن مؤسسات تشريعية و تنفيذية و قضائية في هرم دولة قائمة الذات، بسيادتها على بلد ما بحدوده و مقوماته المتكاملة. 
التنظيم:
---------
و التنظيم هو تَرْتِيبُ الشيئ وَ تَدْبِيرُهُ لِيَأْخُذَ نَسَقاً مُعَيَّناً يجعل التعامل معه سلسا. و التنظيم هو السر في نجاح كل الأعمال، عامة كانت، أو خاصة، و بغض النظر عن الأعمال التي يقام بها، فكلما كانت مُتطلبات الأعمال الأساسية منظّمة حققت الأهداف المرجوّة منها، وانسجمت مع ما تبقّى من الوظائف، و تؤخذ كلمة التنظيم لغويا من المصدر نَظَم، فتنظيم العمل يعني ترتيبه وتدبيره بطريقة معينة، لان التنظيم و التخطيط ذوي اهمية بالغة في حياة الناس، حيث يكتسب التنظيم أهمية خاصة في جميع اوجه الحياة البشرية، و يمكن تعريف التنظيم بمعنى المنظمة و قد تكون المنظمة صناعية، أو تعليمية، أو تجارية، أو رياضية، أو سياسية، وبالتالي يكون تعريف التنظيم، بأنه جماعة تربطهم ببعضهم علاقة رسميّة من أجل تحقيق الأهداف التي نشأت من أجلها تلك المُنظّمة، و يعرّف التنظيم على أنه، أنماطٌ سياسيةٌ وسلوكيةٌ تُستخدم من أجل تحقيق التعقّل الإنساني، بكونه عملية ترتكز على الاهتمام بالعديد من الأنشطة والمهام التي يجب تحقيقها في الوظائف، كما أنه يقوم على تحديد الصلاحيات والسلطات، والتنسيق ما بين الأقسام و الأنشطة لتحقيق الأهداف بكفاءة، و اشهره التنظيم الرسمي و هو التنظيم الذي تنُص عليه القوانين واللوائح الموجودة داخل المؤسسات، و يُستمد من الهيكل الرسمي، ويتم عن طريق الإدراك و الوعي باهمية تنسيق الأعمال الخاصة بالمُنظمة، لتحقيق أهدافها، و هناك عديد الأنماط الخاصة بالتنظيم غير الرسمي، أما التنظيم السياسي فيعني مجموعة من الأشخاص أصحاب المبادئ السياسية والبرامج الواحدة، يرتبطون ببعضهم من خلال اتباع قواعد تنظيمية تحدد العلاقات الخاصة بهم، والوسائل الخاصة في أعمالهم ونشاطاتهم. 
اذ ان التنظيم السياسي هو مجموعة من الناس ذوي الاتجاه الواحد والنظرة المتماثلة و المبادئ المشتركة و الهدف المتفق عليه، يسعون بوعي عميق و تصميم راسخ لتحقيق اهداف يؤمنون بها، يسودونها بنظرتهم و مبادئهم، ليكونوا قادرون على النشاط اليومي الدؤوب في سبيل ذلك، يرتبطون ببعضهم وفق قواعد تنظيمية مقبولة من جانبهم تحد علاقاتهم وأسلوبهم و وسائلهم في العمل و النشاط لتحقيق اهداف واضحة و محدّدة و قابلة للقياس، فوضع الخيارات يستلزم توضيح الاهداف و كلّما كان الهدف أكثر تحديداً، كان تحقيقه أكثر إمكانية، و يكتسب الانضباط التنظيمي و مراقبة الذات اهمية بالغة في هذا الاطار للمتساعدة على تحقيق الأهداف و الانشطة المرتبطة بها. 
و نستخلص مما تقدم انطلاقا من واقعنا الخاص رغم خصوصيته، ان كل افراد الشعب الصحراوي الذين يسعون للتحرير، ينضوون في الجبهة الشعبية كتنظيم سياسي واحد متفرد بتمثيل الشعب من اجل الاستقلال كهدف جامع لا غبار عليه و لا محيد عنه، قصد إقامة دولة سيدة على تراب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، اذ ان الاتجاه و النظرة و الميادئ و البرنامج و الوعي العميق الذي يُستمَد منه التصميم الراسخ على التحرير و الروابط التنظيمية و القواعد المتفق عليها لتحديد السلوك و مراجعته، هي محتوى هذا التنظيم السياسي و لا يخرج عنه الا خارج عن الهدف المنشود، يعني اننا ككل ننتمي للتنظيم، و ليس لِنظام، و لو أننا نعمل على بناء نظام الدولة الصحراوية الذي سينعم الشعب الصحراوي و يمتع به بعد استكمال سيادته على وطنه، لكن لا يصح القول باننا ننتمي الى نظام لا زالت اطوار بنائه تتكامل، اي ان نعتنا بنظام هو في احسن احواله خطأ شائع ينتج عن مقارنتنا بمن ليس لنا به شبه و انتشر في وسط مراهقي السياسة من اصحاب انسخ و السق، و في اسوئها محاولة استبدال الاصل بلسيق اجوف، و بالتالي هو نوع من "لَخْتِيلْ ابْلَحْشِيشْ" مماهاة لما يجري في ساحات اخرى لا تشبهنا في شيئ، و لذلك يتعين على المنتسبين للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب ان يسقلوا مفاهيمهم مما يعلق بها من شوائب لا تنسجم مع حقيقتنا، و ان يتذكروا ان النوايا السيئة التي لا يعلن عنها في صفوفنا لا تجد سبيلها الينا إلا بالتنكر لما تصنع في الخفاء، لحاجة في نفوس اصحابها، و ان القفز على الانتماء لهذا التنظيم و تفرده بالتمثيل هو هدف لن يبخل العدو جهد في للنيل منه بشتى الطرق و الوسائل مهما كلفه ذلك من ثمن، و ان السبيل الوحيد لافشال تلك المحاولات اليائسة هو تجديده ونفض الغبار عنه في كل مناسبة، و اللّٰه ولي التوفيق.
2020/03/11
محمد فاضل محمد اسماعيل obrero

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *