-->

يوسف بن تاشفين اسد الاسلام الذي نصر الله به دولة المرابطين


برز القائد الاسلامي الكبير يوسف بن تاشفين بن إبراهيم اللمتونى الصنهاجي الذي جمع بين حسن الخلق والخلق وجمال الطلعة والجسم، مع بداية الفتوحات المرابطية للمغرب الاقصى، فقد اكرمه الله بأبدع المواهب، وكان بطلاً شجاعًا و اسدا هسورا، حاذقًا، جوَّادًا كريمًا، زاهدًا فى زينة الدنيا، عادلاً متورعًا، متقشفًا رغم اتساع امبراطوريته، لباسه الصوف، وطعامه خبز الشعير، ولحوم الإبل وألبانها ، عزيز النَّفس كثير الخوف من الله، خلقه الصفح والعفو عن الذنوب مهما كبرت ما عدا الذين يرتكبون الخيانة فى حق الدِّين فلا مجال للعفو عنهم ، قال عنه الامام الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء": كان ابن تاشفين كثير العفو، مقربًا للعلماء، وكان أسمر نحيفًا، خفيف اللحية، دقيق الصوت، سائسًا، حازمًا، يخطب لخليفة العراق... ووصفه "ابن الأثير" في "الكامل" بقوله: كان حليمًا كريمًا، دينًا خيرًا، يحب أهل العلم والدين، ويحكّمهم في بلاده، ويبالغ في إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدُهم، خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبُه لها، وظهر ذلك عليه، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام.
كانت له مكانة مرموقة داخل قبيلته التي سيطرت بسيادتها وقيادتها على صنهاجة، واحتفظت بالامارة على المرابطين منذ أن جعلها الإمام ابن ياسين فيها بعد وفاة الأمير يحيى ابن إبراهيم الجدالى، فنما عزيزًا كريمًا فى قَومه.
اختبرته الأحداث وصاغت من شخصيته قائدًا ملهما وبطلا فذا، وبرهنت الأيامُ على ما له من مقدرة في فقه الواقع، والتكيف مع تطوراته، واستلهام العبر والدروس للنهوض به نحو الافضل، وقد كان لتكوينه الاولي على يد الإمام الفقيه عبد الله ابن ياسين، فى قلب الصحراء وما اخذه من مختلف العلوم الشرعية والتلقي المباشر للعلم من أفواه المُحَدِّثِين والفقهاء، الاثر الكبير في نبوغه فى علوم الدين والجمع بين فنون الحرب والفروسية، وفقه السياسة الشرعية وإدارة شؤون العامة.
استمر يوسف بن تاشفين في تشييد مدينة مراكش التي اصبحت بمثابة عاصمة ادارية وسياسية لدولة المرابطين بعدما نزلها سنة 454هـ / 1062م بالخيام وأدار سورها على مسجد وقصبة صغيرة لاختزان الاموال والسلاح والمعدات الحربية، وأكمل تشييدها وأسوارها ابنه من بعده سنة 526ه / 1131مـ ‏. 
وأول ما بدأ تشييده في المدينة كان بيت الله حيث شارك العمال في بناء المسجد وكان يوسف يحمل الطين بيديه وهو رجل كبير في السن، حريصا على المشاركة في عمل البر، طلبا للاجر والثواب، وبعدما بدأت المدينة تكبر بالمباني والعمران، شكل يوسف بن تاشفين حرسا شخصيا خاصا به، من خيرة الفرسان والمقاتلين الاشداء، وبعضهم من العبيد الذين استقدمهم لهذه المهمة، من تجار الرقيق من أقليم غانا، واختار منهم أمهرهم وزودهم بالسلاح والخيل، ودربهم على جميع فنون القتال، ووصل تعداد حرسه الخاص ألفى رجل، وأنشأ على هذا النمط حرسًا خاصًا مِن الأَنْدَلُسيين يتألف من فتيان مِن النصارى المعاهدين، وكان يوسف يحبوهم بعطفه وصلاته، وينعم على مَن امتاز منهم بالإخلاص والشجاعة بمختلف الهبات مِن الخيل والثياب والسلاح .
وظل اهتمامه منصبا على بناء قوة عسكرية قاهرة لدولة المرابطين، استعدادا للفتوحات شمالا، وهو ما تحقق بعدما بلغ تعداد جيش المرابطين اكثر من مئة الف فارس وعلى قدر كبير من التأهيل القتالي ومدججين بمختلف انواع الاسلحة.
أرسل يوسف بن تاشفين هذه الجيوش الجرارة نحو المغرب الشَّمَالى لينتزعه من أيدى الزناتيين الذين اعلنوا استقلالهم عن الدولة الأموية في الأندلس سنة 390 هـ 1000م وبسطوا سيطرتهم تدريجياً بدءاً من فاس حتى سجلماسة وأغمات وتامدولت، بعدما خاضوا صراعات مستمرة وفوضى سائدة جعلت الحياة اليومية لا تطاق وحالت دون أي نشاط اقتصادي طبيعي في عهد الزناتيين ، فكان القضاء على هذه الوضعية وردع المخالفين على يد يوسف بن تاشفين وجيش المرابطين، واستطاع أن يدخُلَ مدينة فاس وهي من اعظم مدن المغرب في ذلك الوقت، صلحًا في العام 455هـ / 1063م، وقام بتعيين احد رجاله من قبيلة لمتونة واليا عليها، ثم واصل الزحف نحو بلاد غمارة حتى وصل الى طنجة، وقد استطاع فتح جميع البلاد من الريف إلى طنجة في العام 460هـ / 1067م .
واستغلت قبيلة مغرواة توجه سوسف بن تاشفين وجيشه الى الشمال فهاجمت مدينة فاس وقتلوا عامل المرابطين عليها فاضطر بن تاشفين الى العودة الى فاس وأعاد فتحها عنوة بحصار ضربه عليها بجيش قوامه مائة ألف جندى عام 462هـ/ 1069م، فقضى على شوكة مغراوة وبنى يقرن وسائر زناتة، ونظم المساجد وأصلح الأسواق، وقام بتحصين المدينة، وركز على إقامة شرائع الاسلام، وخرج من فاس عام 463هـ/ 1070م إلى بلاد ملوية وفتحها واستولى على حصون وطاط من بلاد طنجة  وقد وصلت اخبار هذه الفتوحات ارجاء المناطق وتناقلها الركبان فسر ابو بكر بن عمر بها وعاد يشق غبار الصحراء ...يتبع
إعداد : حمة المهدي
بعض المراجع:
ــــــــــــــــ
[1] الروض القرطاس، ص (87). 
[2] دولة المرابطين, ص (36). 
[3] ابن خلدون، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. 
[4] تاريخ دولة الاندلس، اناس حسني البهجي، مركز الكتاب الاكاديمي، عمان الاردن، الطبعة الاول 2018، ص322 
[5] انظر: روض القرطاس، ص (91)

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *