-->

الإمارات العربية تفضح الضعف الإسرائيلي


فَرِحَ الإسرائيليون فرحاً عظيماً لتطبيع العلاقات مع دولة الإمارات، فرحوا، وانفعلوا إلى الحد الذي فضل فيه 77% من الإسرائيليين العلاقة مع الإمارات على ضم أجزاء من الضفة الغربية، وفق استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة «دايريكت بولز» للقناة 12 العبرية.
فَرِحَ الإسرائيليون لتطبيع العلاقات مع الإمارات، رغم معرفتهم الدقيقة أن دولة الإمارات العربية لا تشكل مركز الإشعاع القومي والثقافي للأمة العربية، ولا هي الدولة المحورية ذات الثقل التاريخي والجغرافي في الوطن العربي، ولا هي بؤرة المقاومة والمواجهة للعدو الإسرائيلي، وتعرف القيادة الإسرائيلية، أن دولة الإمارات العربية كانت وستظل أقل شأناً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً من معظم الدول العربية، ولن تكون في يوم من الأيام أكثر من معبر اقتصادي للشركات العملاقة، وعصا غليظة تقصم ظهر الشعوب العربية الباحثة عن حريتها، وهذه الحقائق التي يعرفها الإسرائيليون، لم تحل دونهم وإبداء الفرح؛ والتهليل بأغلبيتهم للعلاقة مع هذه الدولة العربية الصغيرة، والنائية جغرافياً عن حدودهم، وهم الذين يقيمون علاقات دبلوماسية مميزة مع عشرات الدول العظمى، بما في ذلك الهند والصين والبرازيل وروسيا والاتحاد الأوروبي.

ظلت اتفاقيات السلام الموقعة مع الإسرائيليين معلقة بأفق الأنظمة، من دون أن تجد لها مستقراً على الأرض

إن حجم الفرح الإسرائيلي بتطبيع العلاقات مع الإمارات، يكشف ضعف هذه الدولة المارقة، رغم قوتها العسكرية، ويكشف الفرح الغامر عجز الإسرائيليين عن اختراق الجدار العربي المنيع للتطبيع، ويكشف عن خوف هذه الدولة الغريبة على مستقبلها، رغم استقرارها الاقتصادي وتطورها التكنولوجي، ويكشف عن حاجتها إلى علاقات دبلوماسية ـ ولو شكلية ـ مع الدول العربية، تعطيها الشرعية في الوجود، وتصفح عن اغتصابها للأرض بقوة السلاح، وتمنحها الثقة بالمستقبل، فالمجتمع الإسرائيلي لم يطمئن بعد على مستقبله في الشرق، ولم يزل خائفاً مرتبكاً، وينتمي بروحه إلى الغرب، ويعيش الغربة والقطيعة، رغم مرور أكثر من سبعين عاماً على اغتصابه لأرض فلسطين، ورغم اعتراف عشرات الدول بوجوده.
مكمن الضعف الإسرائيلي هذا هو مكمن القوة للأمة العربية، وللشعب الفلسطيني، فعدم إعطاء الشرعية للكيان الصهيوني، رسالة تشكيك بحق هذه الدولة في الحياة، ورفض لوجودها، ورسالة تهديد بزوالها ولو بعد حين، فالقلق من المستقبل الغامض المجهول، هو مركز الرعب للمجتمع الإسرائيلي، وهو مصدر ثقة الأمة العربية بمستقبلها، الذي يطل من وجوه الأطفال الذين تربوا على معاداة إسرائيل المحتلة لأرضهم، والذين يحلمون بزوالها في يوم من الأيام. لقد دللت الشعوب العربية على أنها أكثر وعياً لمصالحها القومية من قياداتها، لذلك رفض الشعب المصري أن يطبع مع إسرائيل رغم اتفاقية كامب ديفيد، ورفض الشعب الأردني ـ رغم اتفاقية وادي عربة ـ أن يقدم ابتسامة دبلوماسية لأي إسرائيلي، وظلت اتفاقيات السلام الموقعة مع الإسرائيليين معلقة بأفق الأنظمة، من دون أن تجد لها مستقراً على الأرض، كما رفض الشعب الفلسطيني اتفاقية أوسلو ـ ورغم ظروف الفلسطينيين الاستثنائية تحت الاحتلال، فقد ظلوا يقاومون الوجود الإسرائيلي، وظلت السجون تطبق على صدر آلاف الأسرى، وظل شلال الدم يتدفق على أرض فلسطين، في رسالة تحدٍ بأن السلام مع الأنظمة لا يعني السلام مع الشعوب، وأن شعب الإمارات العربية لا يقل انتماء ووفاء لعروبته عن بقية الشعوب العربية، ليشكل بوجدانه وروحه نبض الرافضين للاعتراف بالكيان الصهيوني أو التقرب منه.
تعزيز الجبهة العربية الرافضة للتطبيع مع إسرائيل، لا يتحقق من خلال بيانات الشجب والإدانة، وإنما من خلال التفعيل العملي للمقاطعة، وهذا الذي يفرض على القيادة الفلسطينية أن تسحب اعترافها بدولة إسرائيل، من دون تلكؤ، والتخلص من هذه الخطيئة التي تسلل من تحت إبطها دنس التطبيع، ليكون سحب الاعتراف بدولة الكيان مدخلاً لإنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة الوطنية، والتوافق على استراتيجية المواجهة من خلال الاشتباك اليومي مع العدو الإسرائيلي، فالمواجهات الميدانية هي الأصل في العلاقة مع المحتل، المواجهات اليومية هي المرآة المصقولة التي ستنقي صورة الفلسطيني من شوائب التنسيق الأمني، والمواجهات اليومية ستكشف عن الوجه الدموي لدولة صهيونية زرعتها الأحقاد، وتسعى لأن تحصد الورد من خلال التطبيع مع بعض الأنظمة العربية. سحب الاعتراف بإسرائيل يمثل مصلحة وطنية، واستجابة لصرخات الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي تحدى الوجود الإسرائيلي، وهو يقول:
خذوا أرض أمّي بالسّيف، لكنّني لن أوقّع باسمِي
معاهدة الصّلح بين القتيل وقاتله،
لن أوقّع باسمِي على بيع شبرٍ من الشّوك حول حقول الذّرة
د. فايز أبو شمالة ـ كاتب فلسطيني

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *