-->

الشعب الصحراوي، هل سيقرأ السطر الأخير



قصة السطر الأخير (بتصرف)
أثناء النضال الطويل والمرير للراحل نيلسون مانديلا، وبعد تأسيس (رمح الأمة) الجناح المسلح لثورة شعب جنوب أفريقيا كان الراحل يقبع مع مجموعة من المناضلين في سجون نظام الميز العنصري، والتهم الموجهة له ولرفاقه لا حصر لها، وأهمها التخريب ونشر قيم الشيوعية وتلقي الدعم من قوى خارجية، لكن إضافة تهمة المشاركة في تجنيد الميليشيات المسلحة لدعم رمح الأمة وشن هجمات ضد الدولة كانت من بين الأكثر جدلا، وكانت وتيرة عقد جلسات المحاكمات ماراثونية وشبه يومية وبعد محاولة إلصاق التهمة به من طرف نظام الأبارتيد القمعي شارك العديد من رجال القانون المحامين البيض المناضلين المؤيدين لقيم المساواة ولنضال سكان الأرض الأصليين في المرافعة والدفاع عن مانديلا ورفاقه، وكان هو أيضا يرافع ويدافع عن نفسه بالتنسيق معهم، وكان الحكم بالإعدام شائعا حينها والنطق به سهل ويسير على القضاة البيض، سواء من خلفية سياسية بتوجيه من المخابرات والبوليس أو بدوافع شخصية إنتقامية ضيقة أو كلاهما. 

كان الراحل شخصية محبوبة وقوية ويتمتع بإحترام كبير بين أعداءه ومؤيديه على حد السواء، ووصل الأمر إلى درجة أن الكثير من المسؤولين والسياسيين البيض أصبحوا يفكرون بضرورة عدم خسارته وبأنه يجب الحفاظ عليه حيا، وفي أطوار التحضير والنقاشات حول دفاعه ومرافعاته عن نفسه ومبادئه ورفاقه كان مهددا بالتعرض للحكم بالإعدام بسبب العديد من التهم ولكن أخطرها تهمة دعم أنشطة الذراع المسلح (رمح الأمة) وطلب منه رفاقه وجميع محامييه أن يكتب مرافعته ويقرأها وأن يبتعد عن الإرتجال كي لا يقول ما يدفع بالقضاة إلى الحكم عليه بالإعدام، وفعلا كتب مرافعته وعرضها على رفاقه ومساعديه من أهل القانون وأتفقوا جميعا على موضوعيتها وقوة الحجج فيها ماعدا السطر الأخير الذي طلب منه الجميع حذفه من المرافعة وعدم قراءته اثناء المحاكمة، ودار بينه وبينهم جدال حاد ونقاشات عسيرة حول هذا السطر الأخير، وبدا وكأنهم أقنعوه بخطورة محتوى السطر وأتفقوا معه على أن لا ينطق به أثناء مداخلته.

وفي جلسة محاكمة تاريخية عقدت في 20 أبريل 1964 وقف نيلسون مانديلا على دكة الدفاع ليتلو مرافعته التي دامت ثلاث ساعات كاملة، وتعتبر من أهم الخطابات في القرن العشرين وشكلت منعطفا بارزا وحاسما في تاريخ تحقيق الديمقراطية في جنوب أفريقيا. وقرأ الزعيم مانديلا السطر الأخير وسط دهشة وخوف وهلع الحضور بجميع مكوناته رفاقه، المحامين، النيابة، القضاة والحضور، وصدر الحكم مخالفا للمتوقع ولم يحكم عليه بالإعدام في هذه القضية، والسبب كما أسلفنا إحترام العدو لهذا الرجل النادر، وأستمر النضال والبقية يعلمها الجميع. فماهو محتوى هذا السطر الأخير؟ 

الشعب الصحراوي، هل سيقرأ السطر الأخير؟

تعرض الشعب الصحراوي للكثير من الإهانات والمآسي، وقدم من التضحيات ما لايمكن تصديقه، وكان مثالا نادرا من الصمود والقوة في وجه عاتيات الظلم والجور والقهر والمهانة والخذلان والتآمر من طرف مجموعة من الأعداء تسير هذا العالم وتوزع الظلم فيه وتعين الظالم وتذل المظلوم بغير حياء.

وكان تاريخ الشعب الصحراوي منذ 1970 سلسلة من المحاكمات الغيابية التي صدر فيها الحكم عليه بالإعدام بمنتهى الرعونة والتجبر والعنترة، وتماوجت أطوار الجلسات بين السخونة والهدوء النسبي والتوتر والتشنج وكأنه يقرأ مرافعة مانديلا متتبعا الفقرات التي تسبق السطر الأخير. 

مع حلول سنة 2020 قرر الشعب الصحراوي الإقدام على طور جديد من مرافعته عن نفسه والدفاع عن حقوقه وإثبات للعالم الظالم والعدو الغاشم أنه على قيد الحياة وأنه مع كل ما تعرض له لن تهون إرادته ولن تخور عزيمته، مؤكدا بذلك دروس التاريخ التي أثبتها كفاح جنوب أفريقيا وغيرها من حركات التحرر، ومجسدا الحكمة التاريخية التي تثبت أن قضايا الشعوب لاتموت. 

أعتقد أن الفقرات التي يتلوها الشعب الصحراوي من مرافعة الراحل مانديلا قد إنتهت ولم يبق منها إلا السطر الأخير، مانديلا وشعب جنوب أفريقيا قرأوا السطر الأخير ورموا بالظلم والظلام إلى مهب الريح، وتحققت أهدافهم وهم الآن مثال وقدوة في عالم لا يسوده العدل، فهل سيكمل الشعب الصحراوي قراءة دفاعه عن نفسه ويصرخ بأعلى صوته بتلاوة هذا السطر الذي ينهي مآساته ويحقق مآلاته.
محتوى السطر الأخير
"لقد سخرت حياتي للنضال من اجل شعبي، لقد كافحت ضد هيمنة البيض ، وأيضا ضد هيمنة السود. لقد تمسكت بالمثل والقيم السامية لمجتمع ديمقراطي وحر يعيش فيه الجميع في وئام وفي ظل تكافؤ الفرص. إنها قيم ومبادئ آمل أن أحيا من أجلها وأن أراها تتحقق، لكن، يا سيادة القاضي، إذا اقتضى الأمر ان أدفع حياتي ثمنا لها فأنا مستعد للموت من أجلها".
الفقرة إعلاه مكتوبة على جدار المحكمة الدستورية في جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا تخليدا لذكراها ومكانتها.

حمادي البشير

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *