-->

عشرون نونبر: الاولويات، حقوق الطفل، حقوق الانسان! ام تصحيح الانحراف؟



ونحن قريبين من 20 نونبر،اليوم العالمي لحقوق الطفل جزء هام وهائل من حقوق الإنسان ،تلك التي نؤمن بها،أي حقوق الإنسان من وجهة نظر نقدية،تحررية،تقدمية ،و مفاهيم بديلة لمفاهيم الهيمنة والاستعمار الجديد، لأن تحديد المنطلقات الفكرية،أصبح أمرا ضروريا حتى عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان ،وذلك لأن الدول الإستعمارية قد طوعت لغة حقوق الإنسان وحولتها من مفاهيم للتحرر ،إلى مفآهيم لتأبيد الإستعمار،فخلقوا مفاهيم للتدخل الأجنبي في الدول،ومفاهيم للوصاية كشكل قريب من معاهدات الحماية والاستعمار المباشر الذي ميز العهد الإمبريالي الأول،ولهذا نصبح ملزمين بتحديد مفاهيمنا للتعبير عن حقوق الإنسان في سياقه الاجتماعي ودوره في التاريخ الإنساني،وجعل من حقوق الإنسان وسيلة حقيقية لنشر العدالة وتحقيق التنمية والرفاهية،وليست مفاهيم حقوق الإنسان بوظيفتها الإيديولوجية الليبرالية لتخفيف حدة الصراع بين المسيطرين والمسيطر عليهم وتكريس مسببات هذا الصراع والحفاظ ليس فقط على شكل علاقات الإنتاج الظالمة , ولكن كذلك على جوهر الهيمنة الإقتصادية المبنية على نهب الثروات الطبيعية للشعوب الضعيفة خصوصا منها المعادن الإستراتيجية والطاقة.
إن الأمثلة التي نستعمل هنا،نحذر من استخدامها كتقرير حقوقي،إنما نوردها كاستدلال لدعم تصورنا،وكأدوات لتفسير هذا التصور..
تأسس اليوم العالمي للطفل في سنة 1954م،واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة, حقوق الطفل سنة 1959 وبالتحديد يوم 20 نوفمبر ,الذي هو أيضا نفس اليوم الذي حولت فيه الأمم المتحدة إعتماد حقوق الطفل،إلى اتفاقية دولية ،وقعتها 192 دولة وصادقت عليها جميع الدول إلا الولايات المتحدة التي وقعتها ولم تصادق عليها،
وبقينا سنوات عديدة نتلقى تقارير حقوقية عن انتهاك حقوق الأطفال،في بعض الدول،وتشغيلهم، في خرى، وهي حملات مرتبطة في جلها بالصراعات السياسية،رغم أن بعضها جادة ونبيلة كما في أوروبا الشمالية ،والبلدان الاسكندنافية،إلا أن هناك بلدان من العالم لم يحضى أطفالها بنفس الرعاية ،ولا بالتقارير التي توثق انتهاكات حقوق الأطفال،ولم يتمتعوا هؤلاء الأطفال بالرعاية ولا بالحماية وتركو لمصيرهم امام الأخطار،وقد حدث ،في بورما،والعراق،وفلسطين،وفي رواندا،وبوركينا فاصو،ولا زال يحدث في ليبيا،واليمن، والصحراء الغربية،وفي هذه الأخيرة،أي الصحراء الغربية،لم تحدث فقط انتهاكات بل جرائم تعرض لها الكبار والصغار،ولكن بما أننا في ذكرى حقوق الأطفال فسنكتفي بالقليل من الكلام عنهم.
في أواخر سنة 1975م وفي ما يعرف ظاهريا بالمسيرة الخضراء،توغل جيش الإحتلال المغربي في الصحراء الغربية تحت قيادة الجنرال أحمد الدليمي ,انطلاقا من المناطق الشمالية الشرقية،وكان يدمر ويقتل كل من من يجد في طريقه من المدنيين الصحراويين،من سكان البوادي الذين يعيشون على الرعي في تلك البوادي ،تطبيقا لخطاب الملك الحسن الثاني :إذا وجدتم الإسبانيين فعانقوهم واقتسموا معهم المأكل والمشرب، وإذا وجدتم غيرهم أي الصحراويين فاقتلوهم 
وامتد هذا الرعب إلى جل مناطق الصحراء الغربية،وعمت خطة إبادة الشعب الصحراوي;
فبدأوا يقتلون،بالرصاص،ويرمون المناضلين من الهليكوبترات العسكرية ويدفنون الناس أحياء في المقابر الجماعية, ويسممون الآبار ومصادر المياه القليلة نسبيا في الصحراء،ويختطفون الأمهات مع صغارهم،وأحيانا يختطفون الام ويتركون صغيرها كما حدث مع الام سكينة جد أهلو التي قضت 16 سنة من الإختفاء القسري بين القلاع السرية كأڭدز،ومڭونة (اختطفت سنة 1976م وكانت حينها مرضعة،وافرج عنها سنة 1991 ووجدت ان رضيعتها قد توفت بعد إختطاف الام) .
في هذه الظروف القاسية بدأ الصحراويين بالنزوح نحو جنوب الجزائر،بسبب كذلك اندلاع الحرب من الجنوب ،حيث كانت جبهة البوليساريو الصحراوية تقاوم الإحتلال المغربي من الشمال والمورتاني من الجنوب، ورغم نزوح الصحراويين تاركين وراءهم , ديارهم واموالهم, حتى اطفالهم في بعض الحالات، كما انطلق اطفال بدون امهات، فالجيش المغربي لم يتركهم (مما يفضح نوايا المملكة المغربية في إبادة الشعب الصحراوي)؛فقد أقدم الجيش المغربي على قصف مخيمات الصحراويين النازحين والتي ليس فيها إلا النساء والاطفال والشيوخ الهرمين،لان الرجال كانو اغلبهم في جبهات المقاومة، وكان القصف بقنابل النابالم، والفوسفور الأبيض المحرم دوليا،
أما الأطفال الذين بقوا في المناطق المحتلة فقد عانوا من فقدان الآباء والأمهات او اختطفوا مع امهاتهم وتوفوا في ظروف الإختفاء القسري،والتهجير الذي مارسه عليهم الإحتلال المغربي نحو مدن الشمال المغربي من أجل مغربتهم في مشهد مماثل ومحاكي لمشاهد رواية غسان كنفاني:عائد إلى حيفا،وأما الأطفال الذين نزحوا فقد تعرضوا لقنابل النابالم والفوسفور الأبيض
ومن نجا منهم توفي ،بسبب نقص الغذاء والدواء،وعدم قدرة الدولة الصحراوية في السنوات الأولى تحت ظروف الحرب والنزوح من تطبيق برنامج تلقيح الأطفال.
لا بد ان أقف هنا أوجه شكرا خاصا للجزائر الشقيقة،ودولة كوبا الشقيقة،وليبيا الشقيقة،الدول التي استقبلت الأطفال الصحراويين وانتشلتهم من براثن الموت والجهل.
وهنا لابد كذلك ان أتساءل عن دور الامم المتحدة او على الأقل عن تقصيرها في توثيق هذه الجرائم التي تعرض لها الطفل الصحراوي من طرف الإحتلال وكذلك مساءلة الجناة ،مع وجود اتفاقية دولية مصادق عليها من أغلب دول العالم،الا يعتبر سكوت الأمم المتحدة انتهاكا للقانون الدولي،؟ لا اتكلم فقط عن أطفال الصحراء لأنني بذلك أكون أنانيا،ولكن اتكلم عن كل أطفال الدول التي ذكرتها في المقدمة وعن الإطفال في كل منطقة من العالم وتوسعت قليلا في مسألة اتفال الصحراء الغربية لمعرفتي نسبيا بالموضوع ،أتكلم،أيضا عن أطفال الشعب المغربي الشقيق الذين طالتهم الإنتهاكات الجسيمة لحوققهم : في تشغيلهم،واستثمارهم في السياحة الجنسية، وهو ما وثقته مجموعة من القنوات الإعلامية الدوليةوالم القنات الثانية الإسبانية وقنوات اخرى معروفة على الساحة الدولية،بل الأخطر من ذلك قضية اغتصاب 11 طفلا مغربيا من طرف سائح إسباني ,وهو ما يعرف بفضيحة العفو أو فظيحة دانيال غالفان وبعدها يكافئ غالفان بعفو ملكي, وهذا العفو يعتبر صفقة مخالفة للقانون الدولي،والقاعدة العامة: أنه إذا تعارض القانون المحلي لأي دولة مع القانون الدولي فإنه يلغى القانون المحلي ويطبق الدولي،إذن ما الشئ الذي منع أن تطبق القاعدة العامة في هذه الحالة؟ 
أن الأطفال العراقيين الذين توفوا من جراء سوء التغذية،مع معرفة القدرات الاقتصادية للعراق،وخاصة الموارد الطبيعية والطاقة خاصة البترول،يطرح كل من يتشدق بحقوق الأطفال امام مسؤولياته التاريخية،وان ليبيا التي كانت مستعدة لضمان الفرنك الإفريقي وأطفالها اليوم يعانون من تدني الخدمات الإجتماعية يطرح كذلك الأمم المتحدة أمام مسؤولياتها وهي الغطاء المستعمل في ليبيا لنهب الثروات.

ليس هناك من يجادل في الموارد الطبيعية للشعب الصحراوي بل وسيادته عليها،ومجموعة الدول في إطار الاتحاد الأوروبي وقعت المعاهدات التجارية مع المغرب ومددتها لتشمل الأجزاء المحتلة من الصحراء الغربية لاستغلال هذه الموارد المنهوبة ،رغم رأي محكمة العدل الأوروبية العادل والقائل بأن أراضي الصحراء الغربية تتمتع بوضع قانوني منفصل ومنعزل عن المملكة المغربية ،وفقر وبؤس الطفل الصحراوي خاصة والشعب الصحراوي عامة, ما هو إلا حجة ،واضحة على ازدواجية المعايير التي تنتهجها الدول المتقدمة، يتضح يوما بعد يوم أن التشريع الدولي يصبح ،فقط تعبير سياسي عن مصالح الدول المسيطرة عالميا، أي حينما يتعارض مع مصالحها يعتبر لاغيا،وبما أن نهب الثروات الصحراوية تجد فيه الدول الأوربية مصلحة آنية، فإنها توقع اتفاقيات مع المغرب تنتهك من خلالها،الإعلان العام لمبادئ المتحدة في محتوى القرار 2526/1970 ،وتنتهك القرار 1803/1962 وكذلك الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية لاهاي لسنة 1974،ورأي محكمة العدل الأوروبية لسنتي 2016 و 2017، إذن من حقنا أن نطرح السؤال الجوهري على من يطبق القانون الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة وفي جواب هذا السؤال تأكيدا على وصفنا للتشريع الدولي بأنه يوما بعد يوم ,يصبح تعبيرا سياسيا سافرا عن مصالح الدول المستعمرة،بمعنى أن الكلام عن حقوق الطفل والاتفاقية الدولية في هذا الشأن يلزم أن يطبق في حال الانتهاك الموثق في اي منطقة من العالم دون تمييز، لأن رزنامة حقوق الإنسان للأسف طغى عليها تأويلها وإنتاج منها مفاهيم للتدخل الأجنبي في الدول وإشاعة الفوضى داخلها وتسهيل دخول الدول الغنية والمسيطرة اليها،عسكريا،وتصميم اجندات الإستعمار الجديد فيها إنطلاقا ،من خلق لها حكومات تبعية كولونيالية وكل هذا يتم، بذريعة حقوق الإنسان , ومفهوم او مفاهيم التدخل الأجنبي هاته, لا تتوفر على تعريفات قانونية محددة ولا موحدة . في نفس الوقت يتم إهمال الشعوب المقاومة من أجل استقلالها،و قضايا تصفية الاستعمار،وتقرير مصير الشعوب،والسكوت عن نهب ثرواتها،وإذا كانت الأهداف التي أنشئت من اجلها الأمم المتحدة هي عكس هذا تماما وهذا، لا محاججة فيه لانه يكفي ان نقرأ الإعلان العام لمبادئ الأمم المتحدة في مضمون ومحتوى القرار 2625/1970 لندرك وبوضوح مدى الانحراف الذي طرأ ,ليس فقط على بعثات الأمم المتحدة في ربوع العالم بل كذلك على تحريف وتأويل مفاهيم التشريع الدولي, وتطويعها لخدمة الإستعمار،والإحتلال ،ومصالح القوى المسيطرة على النظام العالمي الظالم،ان الطفل هو الحلقة الضعيفة من المجتمع، وهو كل المستقبل لهذا المجتمع فحينما يمارس نوع من الأعداء والحرمان، والظلم على مجتمع معين فاول من يعاني هو الطفل باعتباره الحلقة الأضعف، وهو ما شرحناه سابقا في معاناة الأطفال الصحراويين بسبب الإحتلال والحرب،ولكن الأخطر هو القضاء على مستقبل الشعب المعني لان الطفل هو جزء من الحاضر وكل المستقبل.
اهدي هذه الأحرف الي ارواح التلميذين الشهيدين من مجموعة التلاميذ: فاتو ارڭيي والطاهر اعليات بيا
بقلم حسان ميليد علي

Contact Form

Name

Email *

Message *