عن التواصل مع الشنقيطي لأول مرة.
عن التواصل مع الشنقيطي لأول مرة.
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى.
وبعد؛
فقد طالعت بكل استغراب واستهجان مقالا للدكتور محمد المختار الشنقيطي يعنونه بالتواصل مع البوليزاريو مرة أخرى، ورغم عدم رغبتي في الدخول في المهاترات العقيمة أو التعقيب على سطور إنشائية لا تحتوي أية أفكار منطقية ولا أية شبهة يجدر التصدي لإبطالها فإن دقة اللحظة والشهرة الإعلامية للكاتب إضافة إلى مجانبته للصواب ونزوعه نحو الخطل الخاطئ في ما كتب، كلها عوامل فرضت علي تسجيل بعض الملحوظات القليلة عبر نقاش ودي يدور وفق ما تيسر من موضوعية وإنصاف.
ا_ حمل سعادة الدكتور كثيرا على حزب تواصل في مقابلته وزير الخارجية الصحراوي، وذكرهم بإسلاميتهم التي يراها في ما يبدو مانعا لهم من لقاء المسؤولين الصحراويين ولعله فاتت عليه المقابلات العديدة واللقاءات المتكررة لقادة الحزب بسفراء الغرب ومسؤوليه دون أن ينبس الشنقيطي بأي نصح أو تذكير لهم بمرجعيتهم الإسلامية !!!
ب_ يقلل من أهمية الروابط والأواصر التاريخية والاجتماعية والعرقية واللهجية التي تربط الشعبين الموريتاني والصحراوي ويختزلها في مجرد زي يرتدى وشاي يحتسى وأغان تلحن، ولا يخفى على كل ذي دراية بالوضع ما في ذلك من تقزيم وتحجيم لتلك العلائق والوشائج التي يدعونا إلى نبذها واستبدالها بالاندراج في ما أسماه الوحدة المغاربية بعد ما أقام فيها دولة الإسلام وكاد يصورها لنا خلافة عمرية أبرم فيها للأمة أمر رشد ونصب لها إمام قرآني عادل تلزمنا بيعته والدعاء لجلالته على منابر الجمع والجماعة! وهو الذي يعلم أكثر من سواه حقيقة الكنتون المغاربي والأسس والاعتبارات الاستعمارية التي كانت وراء تمخض رحم الأيام بميلاده كحديقة خلفية أقامتها الإمبراطورية الفرنسية لتبرز فيها لمناوئيها ومنافسيها الدوليين أنها ما زالت ذات نفوذ وحضور، بل وحدود على الضفة الجنوبية للمتوسط.
ج_ إنكاره لوجود حدود جغرافية أو هوية حضارية للجمهورية الصحراوية وتمييعها في الرمال الملتهبة للصحراء الكبرى وتصوير الشعب الصحراوي على أنه كيان اجتماعي كان يعيش في إقليم من المغرب ثم سولت له نفسه في لحظة عابرة الانفصال به عن وطنه الأم، والحقيقة أنني لا أدري هل هذا تعام مقصود عن كنه القضية ومعطيات تاريخها وجغرافية حدودها أم جهل بحقيقة الأوضاع بالمنطقة؟ وهو الباحث المتمرس والرحالة الخريت في عوالم المكتوب والمؤرشف في تواريخ الشعوب وحضارات الأمم، وأنا على يقين أنه على دراية مسبقة بخفايا ودقائق في الملف تفوق بأضعاف ما سأسوقه إليه.
سعادته يعلم أن هناك فرقا كبيرا وبونا شاسعا بين المقصود بكل من الصحراءين : صحراء كبرى وهي الرمال المتحركة الممتدة على حدود الدول التي ذكر، وصحراء غربية ذات حدود قائمة على الساقية الحمراء ووادي الذهب وهي التي احتلتها إسبانيا بعد ما أعلن السلطان المغربي محمد بن عبد الله بن إسماعيل في معاهدة وقعها مع الملك الاسباني عام 1763 م أن المناطق الواقعة جنوب واد نون هي مناطق خارج حدود المملكة المغربية ولم يسجل أي مسؤول مغربي اعتراضه على الاستعمار الاسباني الذي استمر منذ ديسمبر عام 1884 م وحتى فبراير عام 1976 م، و كان تاريخ جلاء آخرجندي إسباني من الصحراء الغربية على يد الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب(البوليزاريو) التي أعلنت الكفاح المسلح ضد المستعمر الإسباني يوم 20 أيار ( ماي) 1973م. و قبل إنسحاب آخر جندي من الإقليم بأقل من أربعة أشهر دعا المغرب وبمباركة إسبانية موريتانيا إلى تقاسم الإقليم دون إستشارة أصحابه الصحراويين، الذين حرروه من المستعمر الإسباني فيما أصبح يعرف بإتفاقية مدريد المشئومة 14 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1975 م وهو ما ينسف دعوى الملكية ويتنافى تماما مع التعامل المعتاد للملاك حيث علمتنا تجارب الأمم الخالية أن المالك لا يقبل المساومة على تقاسم ملكه خاصة مع أناس لم يرموا في منازعته فيه بحصاة ولم يقذفوا من أجله بحجر. وأما عن الهوية الثقافية والحضارية للشعب الصحراوي فأستسمح سعادتكم في تأجيل بسطها والحديث إلى جنابكم عنها حتى تجدوا تصريح إذن مغربي لزيارة مرابعهم ومقابلة شعبهم الأبي الأصيل لأن وصفها ينوء بالقدرات البيانية والتعبيرية المتواضعة للكاتب الضرير.
د_ اعتبر الدكتور المحترم أن خيار الشعب في تقرير مصيره لم يعد أداة لحسم النزاعات الدولية بناء على زعمه أن النظام الدولي قد تجاوزه على اعتبار أن حدود الدول باتت مرسومة معلومة، وأنا متفق معه في هذه النظرة في الدول التي رسمت حدودها ثم انبرى قسم من سكانها مطالبا بإقامة كيان انفصالي عنها وهو ما لم يحدث في الحالة الصحراوية إذ كل ما في الأمر أن المغرب قد قام بعملية سطو واحتلال همجي غاشم عبر استخدام القوة القاهرة للديار الصحراوية كما فعلت أرمينيا بإقليم كرباخ الذي انتشى وابتهج سعادتكم بتحريره واستعادة الأذربيجانيين السيطرة عليه وهل من فرق بين حالتي القهر وفرض القوة العسكرية في كل منهما غير اختلاف الموقف منهما في السياسة القطرية؟
ه_ اعتبر سعادته أن المصلحة الوطنية للشعب الموريتاني تكمن في ضم الصحراء الغربية إلى السيادة المغربية ولعله خطاب استدراري للود الملكي المغربي أكثر من كونه خطابا تحليليا يستشرف مستقبلنا الاستيراتيجي ويستهدف البحث عن مصالحنا الوطنية وإلا فأية مصلحة ننتظرها في موريتانيا من انتصار دولة ظلت زهاء عقد من الزمان غير معترفة باستقلالنا وتعتبرنا جزءا منها وتشكل عقبة في وجه انضمامنا إلى المنظمات العربية والدولية ولم تفوت أية فرصة لمحاولة إضعافنا وتهديد حوزتنا الترابية كما تجلى ذلك في مظاهرتها للعدوان السنغالي علينا عام 1989 م ولا يشغلها عن إحياء مطامعها التوسعية في بلادنا إلا الصمود الأسطوري والمقاومة الباسلة للشعب الصحراوي الشقيق.
و_ شكك سعادته في الرغبة في الاستقلال لدى الشعب الصحراوي وحاول جاهدا اختصارها في عناصر الجبهة، موهما قراءه ومتابعيه أن الجزائر تخلت عن دعم النضال الصحراوي،
وأنا أسأل حضرته ما دام الشعب الصحراوي غير مقتنع بالاستقلال فما الذي جعله يبقى يعاني ما ذكرتموه من الأضرار وقسوة الظروف في مخيمات العزة والإباء ضاربا عرض الحائط بوعود الترفيه والإغراء المعروضة عليه مقابل العودة؟
وما الذي جعل جالياته هنا في أوروبا تتظاهر كل حين بغية التحرير والاستقلال رغم ما هم فيه هنا من رغد العيش ورفاهية الحياة؟
وما سر المظاهرات والاحتجاجات الدائمة المطالبة بالتحرير في المناطق المحتلة غير مبالية بالصلف ولا بالعجرفة؟
وما سر امتلاء المراكز العسكرية هذه الأيام بالجحافل المتطوعة من مختلف الأعمار من المخيمات والمناطق المحتلة والجاليات في الخارج؟ وقبل ساعة من الآن كنت على اتصال هاتفي مع رجل صحراوي ستيني يعيش هنا بفرنسا وكاد يبكي وهو يخبرني أن الجبهة طلبت منهم البقاء حيث يعيشون حتى يجدوا لهم متسعا لأن مراكز التدريب مكتظة بالمتطوعين، وأما ظنكم أن الجزائر تخلت عنهم أو بدأت في خذلانهم فلعله تحليل تسرعتم فيه قبل تصريح قائد الجيش الجزائري خلال إشرافه على إطلاق صاروخ إسكندر في توقيت تم اختياره بعناية كافية لإيصال الرسالة إلى من أسماه العدو الاكلاسيكي
ز_ فاجأني سعادة الدكتور المحترم في هذا المقال بارتفاع مستوى الواقعية السياسية في خطابه الذي كان منذ عرفته طافحا بالكفاح والممانعة لينقلب من جديد داعية سلم ورضوخ للأمر الواقع المفروض بعصا الغطرسة والاستبداد حينما تعلق الأمر بالسياسة التوسعية المغربية وهو الذي شكرناه كثيرا على مواقفه الرافضة للواقع المر الذي تحاول فرضه قوى عالمية وإقليمية أشد نكاية وأكثر عتادا من المغرب فبأي مكيال تكيلون ومن أي معيار تنطلقون؟ ثم إن حضرتكم علمتمونا في مداخلاتكم التلفزيونية وتغريداتكم التويترية أن إرادة الشعوب أقوى من أن تخضعها سطوة الحكام فهل تغيرت طبائع تلك الشعوب أم أن تلك القاعدة لا تنطبق على الشعوب المقارعة لعرش جلالته؟.
سؤال هو الآخر أستأذنكم في ترك إجابته للكفاح والمقاومة الصحراويين.
تقبلوا فائق التقدير.
أبو طارق محمد ولد الشيخ.