أمنة حيدار والمعركة المسافرة / محمد فال ولد سيدي ميله
يحاول هذه الأيام بعضُ باعة الضمير أن يـُـسقطوا الرأيَ العام الموريتاني في أشراك حملة شرسة تستهدف عاطفته المتنامية تجاه الصحراويين ووعيه المتزايد بعمق مأساتهم. وواضح من سوء استغلال المنابر المتاحة وتباين مستويات "الأبواق" أنه ثمة هستيريا من الارتباك أصابت الجهة المحركة بعد ما حققته محبوبة الشعب (أمنة حيدار) من انتصار تاريخي لصالح القضية الصحراوية؛ إذ اتضح للعالم اليوم - ودونما لبس- أن إرادة امرأة تنشد العدل كافية لدحر خطاب ملك ينشد التوسع.
ولنا هنا أن نتساءل: لماذا حوّل التوسعيون معركتهم إلى الساحة الموريتانية بعد أن خسروها في إسبانيا؟ وكيف استطاعوا جعل البرلمان الموريتاني منبرا للدعاية في موضوع أبعد ما يكون من مجال نقاشه المتعلق حينها ببند مالي بحت؟ وبأية معجزة عبـّـأوا دبلوماسيا يـُـفترض فيه أن يعكس - في تصرفاته وتصريحاته- حياد الدولة الموريتانية تجاه هذا النزاع؟
مهما يكن فإن للبرلمان رب اسمه "بدر الدين" كان كفيلا بحمايته من أبابيل تعسة رمته بحجارة التزلف فأخطأته بفضل حنكة النائب وإقناعية حججه. وأما الدبلوماسي (السفير تحت العادة)، وإن كنت لست سمكة لأعرفه جيدا، فإني لا أخال ولد الدرويش ببعيد من التأثير عليه وهما الصديقان الحميمان "المعروفان".
ولعل أغرب ما في الأمر أن لا تطال يدُ العقاب هذا الدبلوماسي بعد أن تجرأ على الإخلال بمبدإ الحياد.. فهل عبّـر فعلا عن توجه جديد يحبو النظام القائم نحوه على استحياء؟ أم أن الرجل كـُـتب له في الأزل أن ينجو بعد كل تجاوز بحق الشعب والدولة؟
أما بالنسبة للأقلام المختارة للتشويش على القلب الموريتاني المجروح بفعل ديمومة ظلم أشقائه، فأقل ما يقال عن اختيارها أنه غير موفق البتة. فهي مجرد بقالات تبيع ما تلف من مواد مُـعَوّضة يأباها الذوق السليم لكل قارئ يحترم نفسه.
وفي الأخير، ورغم أننا لسنا بصدد الدفاع عن حق أو تفنيد باطل، فلا يسعنا إلا أن نذكــّـر كل المنشغلين حاليا في حملة السعال والريق (المُـسَـفــّــرة قهرا من جزر كناري إلى بلاد السيبة) بأنهم إنما يعبرون عن حالة سيكولوجية يعيشها آخرون؛ فهم - من خلال تصريحاتهم وكتاباتهم- ليسوا إلا اليد المغربية المرتجفة. وهم - من خلال تصرفاتهم وتزلفاتهم- ليسوا إلا العقل المغربي الطائش. وهم - بتورطهم في ما لا يشكل قناعة لديهم- ليسوا إلا حالة سيئة من انخفاض قيمة الدينار المغربي..
فهل يقبلون؟ وهلا يخجلون؟ ولماذا لا ينتحرون؟