-->

كيف أصبحت القضايا المنسية في العالم فجأة ذات أهمية بالغة للأمن القومي الأمريكي في 2020؟

 

كتبه: توماس دبليو ليبمان.

مناطق صغيرة ومجهولة للأمريكيين قد تشعل صراعات إقليمية وعالمية

"ناغورنو كاراباخ" وإدراك الأمريكيين للتعددية القطبية الجديدة.
الصحراء الغربية في عين العاصفة ومركز الاهتمام الأمريكي.

فجأة ومن دون مقدمات، أصبحت مناطق غير معلومة لمعظم الأمريكيين تمثل أهمية كبيرة للأمن القومي الأمريكي، إذ يمكن لقضايا السيادة والحدود والسيطرة غير المحلولة، لبعض الأماكن المجهولة نسبياً في العالم أن تؤدي إلى صراع أوسع من الممكن أن يُعرِّض مصالح واشنطن للخطر، من وجهة النظر الأمريكية. فكيف ذلك؟
يقول توماس ليبمان، الصحفي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الأمريكية، إنه خلال سنوات تغطيته للسياسة الخارجية الأمريكية في صحيفة "واشنطن بوست"، كان يكتب عن قضايا وصراعات في مناطق لم يسمع بها إلا قِلَّة من الأمريكيين، وكان من يهتمون بها منهم أقل من ذلك حتى، مثل الصحراء الغربية في أقصى المغرب العربي، وإقليم ناغورنو كاراباخ، المتنازع عليهما.

يقول ليبمان: "كانت وجهة نظري مختلفة. فكنتُ أفكر بشأن عام 1914، حين أشعل اغتيال أرشدوق نمساوي نبيل وزوجته على يد إرهابي صربي في سراييفو حرباً عالمية أسفرت عن مقتل الملايين وأدَّت إلى سقوط إمبراطوريات. فإذا كانت مسألة ما تبدو مغمورة لكن لها من الأهمية ما يكفي لدفع وزارة الخارجية الأمريكية لرؤية خطر محتمل وتكريس الوقت والطاقة له، فإنَّني استنتجتُ أنَّه قد يكون لها آثار وتداعيات طويلة الأجل لم تكن بادية للعيان".
ويضيف الصحفي الأمريكي: "كانت منطقتان من تلك التي كتبتُ عنهما وتندَّر عليهما زملائي هما إقليم ناغورنو كاراباخ ومنطقة الصحراء الغربية المتنازع عليهما.
وبعد مرور أكثر من عقدين من الزمن، عاد هذان النزاعان إلى الأخبار بقوة خلال الأشهر الأخيرة، ولا يزالان بدون حل وخطيرين".



"ناغورنو كاراباخ" وإدراك الأمريكيين للتعددية القطبية الجديدة

يُعَد إقليم ناغورنو كاراباخ، جيباً ذا أغلبية استيطانية أرمينية داخل الحدود المُعتَرَف بها دولياً لأذربيجان. وحين استقلت أرمينيا وأذربيجان عند تفكك الاتحاد السوفييتي، استولت القوات الأرمينية على معظم الإقليم.
واستولى الأرمينيون بلغة القوة على الإقليم على الرغم من جهود حفظ السلام التي كانت تقوم بها مجموعة دولية اختارها "مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا" في عام 1992 "مجموعة مينسك"، وكانت روسيا والولايات المتحدة وفرنسا أبرز المشاركين في قيادة هذه المجموعة، وظلت القضية لسنوات ترواح مكانها لـ30 عاماً.
لكن في خريف 2020، عادت أذربيجان المسلحة بشكل أفضل بكثير إلى الحرب في محاولة ناجحة لاستعادة ما خسرته. قُتِل المئات ونزح الآلاف من المستوطنين الأرمينيين قبل أن يضفي اتفاق لوقف إطلاق النار توسطت فيه روسيا في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الصفة الرسمية على هزيمة مذلة لأرمينيا.

كانت روسيا تدعم أرمينيا في الصراع، فيما دعمت تركيا أذربيجان، ما أثار احتمال إمكانية جرِّ الولايات المتحدة للتدخل لأنَّ تركيا هي حليف لها بحلف شمال الأطلسي (الناتو). وتُعَد روسيا وتركيا على طرفيّ نقيض أيضاً لحرب أهلية غير ذات صلة هنا في ليبيا. أحجمت روسيا عن خوض مواجهة عسكرية مع تركيا، لكنَّها وضعت 2000 من قوات حفظ السلام في المنطقة. ولحقت الولايات المتحدة بركاب الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار في بيان لمجموعة مينسك يُحيِّي روسيا على تدخُّلها. 
كتب بعد ذلك لايل غولدستاين، الأستاذ بكلية الحرب البحرية الأمريكية: "ما الدروس التي ينبغي على الرئيس المنتخب بايدن استخلاصها من هذه الأحداث الدراماتيكية؟". 
وأضاف: "أولاً، ينبغي أن يدرك أنَّ الولايات المتحدة لا تحتاج للتدخل والتوسط في كل نزاع في أنحاء العالم. ولابد من إدراك أنَّ التعددية القطبية الجديدة ليست كارثة بالنسبة للمصالح الأمريكية، بل يمكن في الواقع أن تؤدي إلى نتائج مقبولة. 
وثانياً، من الواضح أنَّه ليس ملائماً اعتبار موسكو (فاعلاً شريراً) في كل الأحوال، ومن المرجح أن يُشكِّل هذا عاملاً مزعزعاً للاستقرار دائماً في السياسة الدولية في حال اكتسبت (الحرب الباردة الجديدة) مزيداً من الزخم".



الصحراء الغربية في عين العاصفة ومركز الاهتمام الأمريكي.

أمَّا الصحراء الغربية فهي منطقة بحجم ولاية كولورادو الأمريكية، معظمها صحراوية، تقع على الساحل الأطلسي لإفريقيا بين المغرب وموريتانيا. كانت في السابق مستعمرة لإسبانيا. أجبر المغرب إسبانيا على المغادرة عام 1975 من خلال إرسال 350 ألف مستوطن، برفقة قوات مغربية، ومحاولة فرض السيادة على الرغم من "المقاومة المسلحة" من جانب قوة تُدعى "جبهة تحرير البوليساريو"، المدعومة من الجارة الجزائر.
سادت هدنة غير مستقرة منذ أن توسطت الأمم المتحدة في اتفاق لوقف إطلاق النار في عام 1991 بين الرباط والبوليساريو، ما ترك عشرات الآلاف من الصحراويين عالقين في الجهة الأخرى من الحدود مع الجزائر. حيث يخضع قرابة ثلثي المنطقة للسيطرة المغربية الكاملة. في حين يمثل ما بين هذه المنطقة والحدود الجزائرية منطقة متنازعاً عليها تحرسها قوة تابعة للأمم المتحدة.
تُعَد المنطقة حيوية للمغرب لأسباب اقتصادية وكذلك سياسية. وكما أشار تحليل لمجلة "نيوزويك"، فإنَّ "المستعمرة الإسبانية السابقة، التي تُعَد موطناً لأقل من مليون نسمة، تملك موارد قيمة، بما في ذلك المياه الأطلسية الغنية بالأسماك، والفوسفات، واحتياطات نفطية محتملة، وتمثل بالنسبة للرباط طريقاً استراتيجياً جنوباً نحو أسواق غرب إفريقيا المربحة".

وترفض معظم بلدان العالم والاتحاد الإفريقي الاعتراف بالسيادة المغربية على الإقليم الصحراوي. وكانت الولايات المتحدة من بين تلك الدول حتى بضعة أسابيع خلت. ثُمَّ غيَّرت إدارة ترامب اللعبة فجأة، فاعترفت بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل موافقة المغرب على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وذكرت "صحيفة وقائع" أصدرها البيت الأبيض في 11 ديسمبر/كانون الثاني أنَّ الرئيس ترامب "يرفض الوضع الراهن ويدفع باتجاه الحل الوحيد الجاد والموثوق والواقعي لنزاع الصحراء الغربية". ولم تحذُ أي دولة أخرى حذو البيت الأبيض.
وانتقد وزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر، والذي سعى بلا جدوى للتوصل إلى حل دائم حين كان "المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية" بين عاميّ 1997 و2004، الإدارة على قرارها هذا.
وكتب في صحيفة The Washington Post الأمريكية: "كان إعلان الرئيس ترامب الأخير الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية تراجعاً صاعقاً عن مبادئ القانون الدولي والدبلوماسية التي تبنتها الولايات المتحدة واحترمتها لسنوات كثيرة. هذه الخطوة المتهورة المتخفية في صورة دبلوماسية ستزيد الجمود الحالي في حل الصراع طويل الأمد بين المغرب وشعب الصحراء الغربية حول وضعية المنطقة. علاوة على ذلك، تهدد الخطوة بتعقيد علاقاتنا مع الجزائر، وهي شريك استراتيجي مهم، ولها تداعيات سلبية على الوضع العام في شمال إفريقيا"، حسب تعبيره.
في النهاية، هناك أماكن أخرى مجهولة نسبياً في العالم يمكن لقضايا السيادة والحدود والسيطرة غير المحلول فيها أن تؤدي إلى صراع أوسع من الممكن أن يُعرِّض المصالح الأمريكية للخطر. ويتمثل الدرس المستفاد من ناغورنو قره باغ والصحراء الغربية في أنَّه يسهل تجاهلهما، لكن يمكن لذلك أن يكون خطيراً.
المصدر: ترجمة من الموقع الامريكي  Responsible Statecraft التابع لمعهد كوينسي لفن الحكم المسؤول الذي يقدم تحليلات وآراء وأخبار لتعزيز رؤية إيجابية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة تقوم على التواضع والمشاركة الدبلوماسية وضبط النفس العسكري.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *