معارك تاريخية وملاحم بطولية في الصحراء الغربية
#سلسلة_شهر_الخير_رمضان
#الصحراء_الغربية كفاح ومقاومة لنيل الاستقلال والحرية (02)
معارك تاريخية وملاحم بطولية في الصحراء الغربية
استحوذ الاهتمام الإسباني على سواحل الصحراء الغربية نتيجة لأنشطة الصيد التي كان يقوم بها الصيادون الإسبان من جزر الكناري، ومنذ صدور المرسوم الملكي الاسباني في 10 يونيو 1884 بوضع كل الشاطئ الواقع بين الرأس الأبيض وبوجدور تحت مسؤولية وزارة ما وراء البحار في مدريد، ارسلت اسبانيا عدد من المبعوثين والصيادين للتفاوض مع سكان المنطقة وتوقيع اتفاقيات معهم ودراسة الشواطئ الصحراوية، وبموجب الاتفاقيات تم إنشاء دار في الرأس الأبيض وإقامة مراكز في مدينة الداخلة، وبناء مدينة بوجدور، هذا التواجد الاستعماري واجهه السكان بالرفض حيث هاجم المقاومون الصحراويون هذه المنشآت الاسبانية في مارس 1885م وقاموا بتخريب مخازن الشركات الاسبانية التي وصلت الى المنطقة وفي نفس السنة تعرضت وحدة عسكرية متمركزة بمدينة الداخلة، لهجوم من طرف الصحراويين هذه الحوادث المتفرقة، دفعت اسبانيا الى تعزيز قواتها البحرية في جزر الكناري، يناير 1886م لتقوية تواجدها على الشاطئ الغربي من افريقيا.
وامام الزحف الاسباني والفرنسي على المنطقة، لم تخمد المقاومة الصحراوية ضده، حيث سجل الرائد الفرنسي غورو في مذكراته 125 هجوماً للمقاومين الصحراويين أدت إلى مقتل 200 جندي فرنسي من بينهم ثلاثة ضباط وخمسة ضباط صف في الفترة ما بين مارس وسبتمبر سنة 1908م كما عرفت منطقة تيرس تحقيق انتصارا كبيرا للمقاومين الصحراويين سنة 1909 ضد الفرنسيين في جنوب الصحراء الغربية.
وفي العاشر من يناير سنة 1913 كانت ابيرات احميم على موعد مع ملحمة بطولية ستظل خالدة في وجدان وتاريخ المقاومة الوطنية بعد الهجوم الكاسح على الحامية الفرنسية بالبيرات مما أدى إلى مقتل 55 جندي فرنسي وغنم 105 بنادق و20.000 صندوق من الذخيرة و500 جمل كما استشهد 14 مقاوماً، هذه المعركة التاريخية اربكت حسابات فرنسا في المنطقة وكشفت عن قوة وبسالة المقاومة، يصف الضابط جيليه Gillier معركة لبيرات بالمجزرة، حيث راح ضحيتها كما قال قرابة السبعين قتيل (ما بين فرنسيين و مجندين) علاوة على مئة بندقية و عشرون ألف رصاصة غنمتها المقاومة .
ويتوعد الرائد جيليه:” لا يمكن أن نترك الرأي العام يقبل بأننا يمكن أن نكون مغلوبين في بلد تعتبر فيه هيبة السلاح أساس سلطتنا….“
وردا على هذه الهزيمة، قررت فرنسا الانتقام بإعداد العدة وتجهيز الحملة الفرنسية التي اتجهت صوب مدينة السمارة شمال الصحراء الغربية حيث وصل الرتل يوم 28 فبراير 1913 الى المدينة التي ارتكبوا فيها دمارا كبيرا واحرقوا مكتبتها النفيسة والتي تضم أكثر من خمسة آلاف كتاب ومخطوط يدوي نادر، ومنها توجهت الحملة العسكرية الى منطقة تقاريتي التي كانت مسرحا لمعركة أگليب اخشاش (اگليب الفرتونة) التي دارت رحاها يومي 9 ، 10 مارس 1913م بين المقاومين الصحراويين في مواجهة الحملة الفرنسية التي قادها الكولونيل موريه والتي شهدت مقتل النقيب الفرنسي جيرار وهي المعركة التي قال عنها الكولونيل موريه في مذكراته: " كانت من اعنف المعارك التي خاضتها القوات الفرنسية في افريقيا الشمالية، فقدت فيها القوات الفرنسية ازيد من 59 من افرادها بين قتيل وجريج ، في حين لقي ازيد من 96 من الصحراويين نحبهم.."
وهنا نورد ابرز ما تناوله قائد الحملة الفرنسية في معركة لگليب الكولونيل موريه في تقريره يوم 10 ابريل 1913: "لقد دارت المعركة يومي 9 و 10 مارس 1913 وشهدت مقتل لنقيب الفرنسي جيرار هارد".
كانت خسائرنا في هذا اليوم،10 مارس 1913 ترتفع في اليوم التالي الى 22 قتيلا ،27 جريحا .."
"لم يسبق لذاكرتنا كضباط، وضباط صف، رماة، ان شاهدنا، خصما مجهزا الى هذه الدرجة بالذخيرة.."
“رجال المقاومة احتموا خلف الريشة الغربية على بعد 700 متر من الفرنسيين …من هناك استمروا طول الليل في إطلاق نيرانهم عليهم بصفة متقطعة، ومن هناك استمعوا إلى أصوات التحريض والآذان وقراءة القرآن التي استمرت حتى الصباح”
وعن الصعوبة التي واجهت رجاله يقول موريه " ضعف القوة المساعدة، تعطل الرشاشات (12.7ملم) .. لقد ذهبوا بحماس لم يعمر طويلا.." ثم أن أفراد القوة المساعدة ،عندما شهدوا خصما بمعنويات نادرة وتسليح متفوق في ظروف صخرية تختلف عن تضاريس الترارزة ، خيبت آمالهم وتراجع حماسهم .. وهم المزاجيون، انقلبوا الى النقيض .." بل هم " الأطفال الكبار والبدو غير المنضبطين "
"انتهت المعركة التي بدأت مساء التاسع مارس وتواصلت منذ فجر العاشر مارس وحتى منتصف اليوم .. تم دفن الموتى ولم نترك أثرا احرقنا ال+صناديق الفارغة، السرجة، القرب .."
"إن العدو الذي كان علينا مواجهته، كان خصما نوعيا ولم يكن في حسباننا ان نجد هذا العدد بالشكل الذي ظهر عليه أمامنا .."
"كان العدد الى جانب عدونا، التقديرات الأكثر تواضعا بالنسبة للاوربيين تشير الى تعداد ب 600، اما الاشواف (الاستطلاع) والأدلة فقد كانوا يقدرونه ب 700"
كان جليا ان تعزيزات العدو ليلة 9-10 مارس 1913، كانت لا تزال تصل تباعا"
"وحسب مصادر المجاهدين فان الغزي الذي شارك في المعركة ضم 900 مقاتل (..) وتشير مصادر أخرى إلى وجود الف مقاتل .."
ويقدر الضابط موريه هذا العدد ب 800 مقاتل كحد أدنى .. ويبرز مشاركة مختلف القبائل الصحراوية.
وخلص الى القول: " في النهاية وبالرغم من صعوبة تحديد الهدف العام للعدو، أقول ان هذا الرقم يصل الى 800 ولم استغرب، حين علمت انه يصل ألف أو يزيد (..) نسبة مهمة من هولاء المحاربين مكونة من عناصر معروفة أنها الأشد صلابة من قبائل المنطقة (..) وباعتبار "أدلتنا من أصل السكان (..) لم يتعرفوا على نصف الجثث التي ذهبنا للتعرف عليها وقالوا هؤلاء من سكان الشمال، نحن لا نعرفهم .."
" لقد تفاجأنا عند طلوع النهار، بمدى كثافة نيران العدو وازدادت مفاجاتنا عندما لاحظنا ان العدو يواصل إطلاق النار وبكثافة ولفترة طويلة (..) حتى انه بعد خمس ساعات من الاشتباك استمر قادرا على إطلاق النار وبكثافة ولفترة طويلة"
"حمالات الذخيرة الملتقطة من الجثث تعطي فكرة تقريبية لم نعهدها في حمل مثل ذلك العدد..ليس العدد الذي اعتاد رجالنا حمله .."
"العدو تزود بذخائر وأسلحة من مهاجمة مواقعنا السابقة في غزي القطارة من تشكيلة ومن ابيرات احميم ب 20 الف طلقة.."
في اليوم العاشر من مارس " اقدر مجموع الطلقات التي أطلقها العدو صوبنا ب 40 الف طلقة " ..(..)
"التفوق الأخير لخصمنا واحتلاله لموقع منيع جدا ميدانيا وفي كل خطوة داخل المنطقة التي كنا نجتازها، باستطاعته الحصول على مواقع أفضل وأكثر منعة .."
"وبالرغم من التفوق الذي لا جدال فيه، ترك العدو يوم اشتباك 9 مارس والمواجهة يوم 10 مارس 1913، 98 جثة في الميدان"
"كنا نشاهد، خط المواجهة، عمليات نقل الجرحى، البعض يقفز على الآخر وينتزع منه السلاح .."
" المرأة من جانبها التي استنطقها الفرنسيون، قالت انهم بعد وصولهم الى ذويهم، قام العدو بتفقد المفقودين وذكروا في ذلك الوقت، يوم 13 مارس، غياب 130 بين قتيل في المعركة أو متاخر او متأثر بجراحه .."
وتكبدت القوات الفرنسية خسائر فادحة في الارواح والعتاد يقول عنها الكولونيل موريه: " القتلى: 1 ملازم أول، 14 من الرماة ، 4 حراس ، 5 مساعدين .. اما الجرحى فهم واحد نقيب، ملازم أول ، 3 رقباء، 20 من الرماة، 15 حراس واثنين من المساعدين.. إضافة الى 18 كانت جروحم خفيفة.."
"وخلال عودتنا تألمنا لموت النقيب جير هارد الذي كان مصابا بجروح بليغة إضافة إلى 4 من الرماة.."
"استهلكنا يومي المعركة 43 ألف و226 طلقة، 26 بندقية سريعة الرمي، واحد مسدس، 17 جملا وقعت بين أيدينا وفي مجموع الحملة استولينا على 33 بندقية، 2 مسدس، 50 جملا".
هذه الحملة العسكرية الفرنسية المكونة من 402 شخص موزعة على الشكل التالي: 9 ضباط، 8 ضباط صف ، 148 رماة، 112 حرس محول، 116 قوة مساعدة، 9 مترجمين ودليل..
جاءت حسب مذكرات الكولونيل موريه: "الثار من الهجمات التي فوجئيت وحداتنا يوم 10 يناير 1913 بابيرات احميم، وهي تشكل جهدا كبيرا قطع مسافة 1800 كلم، وتمكن لأول مرة من استكشاف مناطق لم يتم الوصول اليها من قبل"
"أريد لهذه القوة أن تجعل هؤلاء السكان يعيدون النظر في تصوراتهم لأنهم كانوا على ثقة بأننا غير قادرين على دحرهم في عقر دارهم.. ".
يتبع
إعداد : حمة المهدي