"عملية عسكرية" مكتملة الأركان شنها جيش الاحتلال على مدينة جنين ومخيمها
ما جرى صباح اليوم السبت بمدينة جنين ومخيمها يندرج تحت وصف "عملية عسكرية" مكتملة الأركان شنها جيش الاحتلال بعد أن بدأ بالحشد لها منذ أمس الجمعة؛ فأغلق حاجز الجلمة شمالا وشدد قبضته العسكرية في محيطها، فنصب الحواجز المتحركة وأعاق تنقل المواطنين من المدينة وإليها.
نابلس- دقت عقارب الساعة مشيرة إلى التاسعة من صباح اليوم السبت، هذا هو الزمان، أما المكان فمدينة جنين بمخيمها وقراها المتاخمة له، والفاعل هو قوات كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي المدجج بأحدث الأسلحة، والهدف معروف ومتوقع وهو عائلة الشهيد رعد حازم، منفذ عملية شارع ديزنغوف بمدينة تل أبيب.
وخلال أقل من 48 ساعة على عملية الشهيد رعد، كانت الساعات الأولى أشد وقعا على عائلته، وفور العملية اتصل ضابط المخابرات بوالد الشهيد وطالبه بتسليم نفسه وأبنائه الآخرين، فأبى الوالد المكلوم، فكان الاقتحام.
ومن محاور عدة لمدينة جنين، اقتحم أكثر من 200 عنصر -كما تشير التقديرات- مخيم جنين، وحي الجابريات بالقرب منه، وأطراف قرية برقين المتاخمة للمخيم، وقرية عرَّانة في المنطقة الشرقية للمدينة.
وأعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف عائلة الشهيد رعد بكل تلك الأماكن، وسبق تلك القوات وحدات خاصة "مستعربة" اقتحمت المخيم واتخذت من عشرات المنازل نقاط رصد وقنص.
عملية عسكرية
وبمجرد أن توغل جيش الاحتلال في محيط منزل الشهيد في المخيم وراح الجنود ينادون على عائلته بالخروج منه وتسليم نفسها، حتى أمطره المقاومون الذين استعدوا جيدا برشقات من الرصاص، فأصيب بعض الجنود بجراح وفق ما نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلي، وارتقى الشهيد أحمد السعدي (24 عاما) -أحد مقاومي المخيم- وأصيب ما لا يقل عن 15 مواطنا بالذخيرة الحية.
وبين المقاومين وجنود الاحتلال، خرج المئات من أبناء المدينة على صوت مكبرات الصوت بالمساجد التي صدحت "حي على الجهاد" ودعت لنجدة المخيم وإغاثته، فاشتبك المواطنون مع الاحتلال وأعاقوا عمليته العسكرية.
وفي حين قال الاحتلال إنه اعتقل مسلحا فلسطينيا بعد إصابته بعدة رصاصات، أكد فلسطينيون فشل قوات الاحتلال في اعتقال أي أحد من أفراد عائلة الشهيد رعد، وانسحابها بعد أخذها قياسات لمنزل الشهيد، تمهيدا لهدمه.
وما جرى صباح اليوم السبت بمدينة جنين ومخيمها يندرج تحت وصف "عملية عسكرية" مكتملة الأركان شنها جيش الاحتلال بعد أن بدأ بالحشد لها منذ أمس الجمعة؛ فأغلق حاجز الجلمة شمالا وشدد قبضته العسكرية في محيطها، فنصب الحواجز المتحركة وأعاق تنقل المواطنين من المدينة وإليها.
وقائع متشابهة
وبين مشهد اليوم في جنين وآخر يرجع إلى 20 سنة مضت -وبالتحديد في الثالث من أبريل/نيسان 2002- تتشابه الصورة وتسقط واقعا على حال عاشها مخيمها آنذاك عبر "الاجتياح" الإسرائيلي (عملية السور الواقي حسب وصف الاحتلال) الذي استمر 15 يوما واستخدم الاحتلال فيه المئات من جنوده وآلياته العسكرية ومدافعه وطائراته الحربية، لاجتثاث المقاومة وتجفيف منابعها.
وحينها قتل الاحتلال نحو 60 فلسطينيا معظمهم من المدنيين، ودمَّر بشكل كامل وجزئي أكثر من 1200 منزل، بينما قتلت المقاومة 50 جنديا إسرائيليا وأصيب العشرات ولم تمت هذه المقاومة أو يخفت وميضها.
بل برزت جنين ومخيمها الذي يصفه الاحتلال بـ"عش الدبابير" أكثر، وصارت تشكل أحد أهم معاقل المقاومة الفلسطينية، وجاءت عمليات الشهداء ضياء حمارشة ورعد الحازم وقبلهم عائلة جرادات (نفذ مقاومون منها عملية مستوطنة حومش شمال نابلس وقتلوا مستوطنا قبل 4 أشهر) لتؤكد حقيقة الأمر وتزيد جذوة المقاومة لهيبا.
ووحدها، فقدت جنين منذ بداية العام 10 شهداء وأصيب العشرات، لتسجل بذلك أعلى المدن عددا بين الشهداء والجرحى وأعلاها بعمليات المقاومة وتنفيذ "كتائبها" هجمات ضد نقاط الاحتلال العسكرية من حواجز وأبراج، وأصبحت عاملا مشتركا تقسم عليه فلسطين بأكملها.
وبرز هذا الالتفاف أكثر بظهور مقاومين مسلحين ومن كل الفصائل في مخيمات الضفة الغربية ومدنها وحتى في قطاع غزة، وإعلانهم الوقوف لجانب المدينة ومخيمها الذي شكل حلقة وصل لهذه المقاومة بمدها بالسلاح والخبرات العسكرية والمعنى الحقيقي للصمود.
ولعلَّ شهداء نابلس الثلاثة (أدهم مبروكة ومحمد الدخيل وأشرف المبسلط) الذين اغتالهم الاحتلال مطلع فبراير/شباط الماضي خير دليل على هذا التواصل.
كل هذا يؤكد أن جنين بمقاومتها "ماركة (علامة) مسجلة" كما يُصر جمال حويل أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العربية الأميركية في جنين وابن مخيمها وأحد قادة "معركة المخيم" على تسميتها، مؤكدا أن المخيم "فخر على فخر" لجنين، ويشكل حالة نضال لا يختلف عليها أحد في الوطن بوحدته وصموده منذ 20 عاما.
سر جنين
وهذه الوحدة هي "سر" جنين هناك، حسب أمين سر حركة فتح، عطا أبو رميلة، ومخيمها يُشكل "عقدة" للاحتلال الذي هُزم على أرضه ولم يفلح باجتياحاته واقتحاماته واعتقالاته بوأد هذه المقاومة بالمخيم
ويضيف "مقاوم واحد -في إشارة للشهيد رعد حازم- استطاع أن ينقل المعركة إلى قلب تل أبيب ويهزم الاحتلال بعقر داره".
وردا على سؤال وهل ستوقد جنين ومخيمها جذوة لانتفاضة جديدة؟ قال أبو رميلة للجزيرة نت: "الانتفاضة مستمرة أصلا، وما دامت جرائم الاحتلال فالمقاومة مستمرة ومخيم جنين يسير على الخطى ذاتها".
وعن السؤال ذاته، أجاب القيادي بحركة الجهاد الإسلامي -التي تتخذ من مخيم جنين عرينا لمقاوميها- خضر عدنان قائلا إن الانتفاضة "قائمة حاليا"، وإن مسيرات الغضب خرجت أمس في غزة واليوم خرجت بالضفة وستستمر بكل مكان.
وقال للجزيرة نت إن جنين ومخيمها تشكل "رافعة للمقاومة بالضفة وبكل فلسطين ونبضا لها". وأضاف أن "المخيم يُحرِّض الكل الفلسطيني لديمومة الصمود والمقاومة، بتغليب الواجب على الإمكان، وملاطمة الكف للمخرز، وعدم الاستسلام للعجز والوهن".
وتساءل عدنان قائلا: "جربنا الاحتلال في معركة المخيم قبل عقدين، هل كسرنا؟" فالاحتلال يزداد وهما بأن بطشه سيركع الفلسطينيين.
المدينة المعضلة
ولجنين ومخيمها "وصمة خاصة" وحاضنة للنضال والمقاومة وتخريج الأبطال والرموز حولها لبؤرة تجذب إليها كل المقاومين ومن كل الفصائل وسجَّلت نماذج للوحدة الوطنية، حسب تصريحات منصور المختص الفلسطيني بالشأن الإسرائيلي للجزيرة نت.
وأضاف أن العلاقات الوطنية الخاصة والروح التي تسود أوساط المقاومين بجنين تاريخيا أعطتها هذه المكانة وشكلت هذا الامتداد النضالي، فالمقاومون تقاسموا بمعركة جنين الرغيف والبندقية والرصاص وهذا منحهم القدرة للصمود والمواجهة، وسجلوا أسطورة التعالي على الحزبية والفئوية والمناطقية.
وكل ذلك، بحسب منصور جعل الاحتلال يصنف جنين بأنها "ظاهرة خطيرة" لأن كل قرار يتعلق بها أصبحت له حساباته المختلفة، وأن كلمة جنين أصبحت مهمة لدى الرأي العام الإسرائيلي.
ولذلك تحولت جنين إلى معضلة أمنية إعلامية وسياسية كبيرة، وكونها معضلة سيعني أن هذا النموذج "يتعمم وينتشر ومقاومتها وضربها واستهدافها يُهدد بتوسع أيضا وتنفجر بجهات أخرى مثل غزة وغيرها، ولذلك هي تشكل معضلة حقيقية".
ولهذا تشكل جنين شرارة الانتفاضة القادمة، وأن الاحتلال من يعجِّل في ذلك باستهدافه لها دوما.
المصدر : الجزيرة