رغم قيود الاحتلال الالاف من الفلسطينيين يحيون ليلة القدر في رحاب المسجد الأقصى
مع ساعات الصباح الأولى بدأ آلاف المصلين، الذين احتشدوا في جميع ساحات المسجد الأقصى، مساء أمس، لأحياء فعاليات وشعائر ليلة القدر بالعودة إلى مدنهم وقراهم حاملين معهم تجربة إيمانية ووطنية ملهمة في ليلة عدها نشطاء ومراقبون بمثابة فرض سيادة أصيلة من أصحاب الأرض رغم إجراءات الاحتلال المتشددة عند حاجز قلنديا.
وكانت الساحات في عموم المسجد الأقصى قد فاضت بما يقرب ربع مليون مصل حسب تقديرات دائرة الأوقاف الإسلامية. ولم يكن في بال عشرات الشبان الذين شاركوا في إحياء ليلة القدر أن يكتب لهم النجاح للوصول إلى المسجد الأقصى. وجل من تحدثت معهم “القدس العربي” أكدوا أنهم اعتقدوا في بدايات الشهر أنه لن يكتب لهم الوصول للقدس مع تصاعد وتنامي الإجراءات الاحتلالية بحق المسجد حيث الاقتحامات المتواصلة وحالة القمع الوحشية التي استمرت حتى نهاية الأسبوع الثالث من الشهر الفضيل مع نهاية فترة الاحتفالات الدينية في عيد الفصح العبري.
ويبدو أن الفلسطينيين حشدوا أنفسهم على إيقاع سياسات الاقتحام المتكررة غداة احتفال المستوطنين بعيد الفصح العبري، وأصروا على أن يكون مشهد المدينة المقدسة استثنائيا ويعكس سيادة أصحاب الأرض والحق في المكان المقدس. وهو برأي مراقبين ما يفسر العدد الكبير والاستثنائي ممن شاركوا في ليلة القدر.
كثافة الحضور
ورغم تعمد الاحتلال التضييق على المصلين القادمين من مدن الضفة الغربية تحديدا عبر حشرهم على حاجز قلنديا جنوب رام الله إلا أن الآلاف احتشدوا وواصلوا التوافد للوصول الذي لا يحتاج من مدينة رام الله إلى القدس أكثر من 15 دقيقة لكن مصلين أكدوا أن الرحلة استغرقت معهم ما يقرب من 240 دقيقة. وقالت الصحافية سجى العلمي أنها احتاجت فعليا 4 ساعات كي تقطع المسافة التي يسيطر عليها الاحتـلال للوصول للقدس.
ويشير الفيديو المكون من 6 دقائق الذي انتجته العلمي ويتناول مراحل رحلتها إلى “مملكة السماء وقِبلة الروح” إلى حجم الإجراءات الاحتلالية وإلى كثافة الحضور الفلسطيني للمسجد.
وبدا المشهد غير متوقع من دولة الاحتلال التي عملت خلال الأيام الماضية على قمع المصلين والمعتكفين وهو ما جعلها تقوم صباح اليوم الخميس بمهاجمة المصلين بالغاز السام عبر “طائرة درون” حلقت فوق سماء الحرم.
واعتدت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم، على المصلين والمعتكفين، في المسجد الأقصى المبارك. وأفادت مصادر محلية، بأن قوات الاحتلال اقتحمت المسجد الأقصى من جهة باب المغاربة، واعتلت الاسطح الملاصقة له، وأطلقت قنابل الصوت والغاز، باتجاه المصلين والمعتكفين، ما أدى إلى إصابة عدد منهم بحالات اختناق. وكانت شرطة الاحتلال كثفت من تواجدها في مدينة القدس ونشرت نحو 3 آلاف عنصر في محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة. وحسب دائرة الأوقاف الإسلامية في مدينة القدس فإن نحو 250 ألف مصل توافدوا إلى المسجد الأقصى لإحياء ليلة القدر، وسط إجراءات مشددة فرضتها سلطات الاحتلال على المدينة المقدسة.
وأفاد مرابطون بأن باحات ومصليات الأقصى اكتظت بالمصلين الذين جاءوا من مدينة القدس ومن أراضي الـ 48، وممن تمكنوا من الوصول من الضفة، تحدوا قيود الاحتلال وحواجزه لإحياء ليلة القدر. وأدى المصلون صلاتي العشاء والتراويح والفجر في رحاب المسجد الأقصى المبارك، وسط أجواء رمضانية أضفت سحرا خاصا على سحر الأقصى. وفور الانتهاء من صلاة الفجر انطلقت مسيرة حاشدة في الساحات حيث هتف الشبان بالحرية وحماية مسرى الرسول والمقاومة. ومع ساعات الصباح هرع مئات الشبان في عملية تنظيف ضخمة وشطف لجميع ساحات المسجد في مشهد تطوعي احتفالي وإيماني.
وقال الناشط المقدسي أسامة برهم أنه على الاحتلال وغيره أن يفهموا لماذا يكون هذا الصراع على المسجد الأقصى والقدس بشكل عام. وأضاف: “أي جمال قدمته الحشود مساء أمس، على النيام إدراك ماذا يعني ذلك”.
أما الباحث رازي نابلسي فقال إنه رغم وجود ربع مليون في مكان صغير إلا أنه لم تحدث أي مشاكل، الناس رتبت نفسها بطريقة لائقة ودون أي صعوبات. وأضاف: “تخيلوا؟ كيف ستكون هذه المدينة، بدون الوحش فيها، كم ستكون هذه الجميلة أجمل من دون الاحتلال، كم ستكون جميلة لو أبوابها مفتوحة على كل فلسطين وعلى العالم العربي”.
أما الإعلامي أحمد البديري فكتب على صفحته الشخصية على فيسبوك يقول مؤكدا أن “رقم الربع مليون مهم للغاية، فهذا الكم الهائل من البشر الذين يزحفون من ساعات الظهر دون أي تنظيم أو ترتيب جماعي إنما تلبية لنداء الصلاة هو بلا شك رقم كبير حيث احتشد الناس من الشرق والغرب والشمال والجنوب اجتمعوا للصلاة في مكان واحد”. وتابع: “السؤال الأخطر لو لم تكن هناك حواجز وحدود وأتوا من الأردن وسوريا ومصر ولبنان والأهم من الضفة وغزة فالعدد سيكون بالملايين”. وأكد أنه رغم كل مشاهد الضرب والتنكيل والترويع إلا أن كل المصلين شدوا رحالهم وصلوا في الأقصى، وأسواره ضاقت عليهم وبالتالي الارتباط بالمكان أكبر بكثير من كل مؤامرة أو تخطيط.
ووصف الباحث والكاتب عصمت منصور بما جرى في ليلة القدر بأن “عظمة هذه الليلة في الأقصى تجسدت في الوحدة، وحدة الفلسطينيين التي وحدت الجغرافيا وتعالت على السياسة والطبقات، حول بقعة واحدة في ليلة هي خير من ألف شهر”. وتابع: “لن يرحم الله وشعبنا والتاريخ من يبدد هذه الطاقة بالانقسام والفرقة”.
وأدانت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، التقييدات والتضييقات التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي يوميا على حياة المواطن الفلسطيني للحد من قدرته على الحركة والتنقل بحرية في أرض وطنه، بما في ذلك حريته في زيارة القدس المحتلة وأداء الصلاة فيها.
وقالت الخارجية، في بيان صحافي اليوم الخميس، إن الاحتلال حول البلدات والمدن والمخيمات الفلسطينية إلى سجون يتحكم بالخروج منها والدخول إليها عبر بوابات حديدية أو حواجز أو أبراج عسكرية على مداخلها في إطار حصار عسكري ظالم على كل من قطاع غزة من جهة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية من جهة أخرى.
وأضافت: “أينما يذهب الفلسطيني يصطدم بحواجز الموت التي تنصبها قوات الاحتلال لإعاقة حركة المواطنين والسيطرة عليها وخنقهم وممارسة أبشع أشكال القمع والعنصرية بحقهم، بما يسببه ذلك من آلام ومعاناة جراء الازدحام على الحواجز كما حصل مع المصليين أثناء توجههم لإحياء ليلة القدر في المسجد الأقصى المبارك أو أثناء خروجهم من القدس، إضافة لإقدام الاحتلال على تحويل القدس المحتلة إلى ثكنة عسكرية وتقطيع أوصالها بشبكة حواجز واسعة”.
عقلية عنصرية
ورأت أن هذه العقلية هي السبب الحقيقي خلف جميع أشكال التصعيد والتوترات الناشئة في ساحة الصراع عامة، وفي القدس بشكل خاص، وأكدت فشل هذه العقلية الاستعمارية العنصرية في تدجين شعبنا وفرض التعايش مع الاحتلال، وأن شعبنا يدفع أثمانا باهظة جراء مشاريع الاحتلال الاستيطانية والقمعية.
يذكر أن شيخ الأزهر الشريف الإمام الأكبر أحمد الطيب، كان قد وجه التحية للشعب الفلسطيني تقديرا لصموده واستبساله وتفانيه في الدفاع عن المسجد الأقصى، وحمايته من التدنيس الصهيوني لمقدساته. وقال، خلال كلمته باحتفالية ليلة القدر في مركز المنارة: “تحية من قلب كل حر أبي إليك شعب فلسطين البطل، وتقديرا كبيرا لصمودك وتصميمك على حراسة المسجد الأقصى، وحمايته والدفاع عنه”.
وأعلن المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، رئيس مجلس الإفتاء الأعلى الشيخ محمد حسين، أن موعد صلاة عيد الفطر لهذا العام 1443ه، سيكون في الساعة السادسة وخمس وعشرين دقيقة صباحا، حسب التوقيت الصيفي للمسجد الأقصى المبارك.
وحث المفتي العام، المواطنين على زيارة عائلات الشهداء والجرحى والأسرى، وشد أزرهم، والتواصل مع ذويهم وأرحامهم، مذكرا المواطنين بضرورة الإسراع في إخراج صدقة الفطر، وزكاة أموالهم، علما بأن صدقة الفطر قدرت هذا العام بتسعة شواقل، أو ما يعادلها من العملات الأخرى، مشيرا إلى أنه يجب إخراجها قبل أداء صلاة العيد، لنيل أجرها، وحتى يتيسر للمحتاجين الاستفادة منها، وتأخيرها عن هذا الموعد يخرجها عن وصف صدقة الفطر، إلى مجرد صدقة من الصدقات.