العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا و إبتسامة الوزير " لافروف " .
وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها و إحتفل " الحلفاء " بنصرهم علي دول المحور و جلس الثلاثة الكبار ستالين و تشرشل و روزفلت في قمة " يالطا " * , يتقاسمون النفوذ و المصالح و المجال الحيوي لكل من سادة العالم الثلاث حينها .
تم تقسيم ألمانيا المنهزمة و تمت محاكمة من تبقي من قادتها في أشهر محاكمة في التاريخ الحديث * .
تم رسم حدود العالم الجديد , بعضها بالقلم و بعضها بالدم و بعضها بالدولار . ظهرت عصبة الأمم , التي تحولت فيما بعد إلي هيئة الأمم و ظهر حلفا " الناتو " و " وارسو " , كحلفين يتقاسمان النفوذ العسكري و السياسي و الجغرافي من ناحية و يتصارعان علي توسيعه من ناحية اخرى , إحداهما يتطلع لشروق الشمس و الآخر لغروبها .
حدث الكثير من المشاكل و الصدامات و التحرشات حينها بين الحلفين , و لكنها لم تصل قط لنقطة اللاعودة , و كانت تدار بكثير من العنف اللفظي و الإعلامي و بقليل من البارود ( أزمة الصواريخ في كوبا , ربيعا براغ و تشيكوسلوفاكيا ) , إلي إن حل خريف الإتحاد السوفيتي في أفغانستان و حل معه ما إعتقد - البعض - , إنه نظام عالمي " جديد " .
تم تفكك الإتحاد السوفيتي و تفكيكه و تم سقوط حائط " برلين " لتبدأ " نهاية التاريخ " * .
شاء القدر أن يتسلم ضابط من " الكي . جي . بي " قضي زهرة شبابه في مدينة " دريزدن " في ألمانيا الشرقيه و من نوافذ مكتبه كان يري عالمه ينكمش . إستلم مقاليد الحكم في روسيا الجديدة و يقول ذات يوم و بكل هدوء و سكينة بأن " سقوط الإتحاد السوفيتي , يشكل أعظم تراجيديا جيو - بوليتيكية في القرن العشرين " .
إعتقد " الإخوة " علي الطرف المقابل من الطاولة , بأن الرجل يوجه خطابه للإستهلاك المحلي و للأذن الروسية , في الوقت الذي كان هو لا ينام الليل و كان مصباح " إليتشا " * , يضئ غرفة الوافد الجديد في " لكريملين " في أوقات العمل و في ساعات السهر الطويل , التي كان يقضيها في البحث عن " خوارزميات " جديدة , ترتبط بمفهومه الشخصي للعدل و للحق و بحدود الصبرين الإستراتيجي و التكتيكي .
قرر الرئيس " بوتين " المواجهة . و رسم حدود العالم الجديد في عقله و في روحه و في جغرافية وطنه و في تاريخه .
إستنفر الرئيس " بوتين " العقل الروسي الخلاق و مده بكل سبل التفوق , فأبدع هذا العقل و خرج علي العدو و علي الصديق ب " س 500 " و ب " كينجال " و ب " سرمات " و القادم أعظم . رجع الدم للمخ و للعقل الروسيين , فقاما بتحدي العالم و هزا أسسه التي بني عليها بعد " أعظم تراجيديا جيو - بوليتيكية في القرن العشرين " .
مصيبة الغرب , أنه يصل الليل بالنهار في دراسة الإبتكارات الروسية في مجالات التسليح و الدفاع و تكنولوجيا الدمار و الفضاء و الهندسة و الطب و الفيزياء , و لكنه يعجز في كل مرة عن التنبؤ ب " الضربة " الروسية القادمة .
في ليلة لا قمر فيها , إستيغظ العالم علي " أشباه البشر " , وقد أحكموا السيطرة علي شبه جزيرة " القرم " .
لقد أعاد " بوتين " لروسيا ما قدمه نيكيتا خروتشوف لأوكرانيا , و لأول مرة في تاريخ " القرم " تتفق عدالة الأرض مع عدالة السماء .
كان عام 2014 , عامآ فاصلآ في تاريخ الفكر القومي الروسي و في تاريخ أرض رجعت لوطن و وطن إستعاد أرض . إنتهت رحلة التيه و الظلم و الحيف للعقل الجمعي الروسي و إنتهي معها عصر " التقدم " الغربي نحو الشرق .
كرر الروس و في كل إجتماعاتهم و من كل المنابر , بأنهم يشعرون ببعض عدم " الإرتياح " من تقدم البنية التحتية العسكرية لحلف " الناتو " نحو الشرق .
كان الوزير " لافروف " بكل لباقة و بكل علو أخلاق , و بإبتسامة المعهودة , و بمسدسه في جيبه يقول لرفاقه في حلف " الناتو " , يا جماعة الخير , لقد إتفقنا معكم علي شيء آخر .
كان وزراء خارجية الحلف يعتقدون بأن الوزير " لافروف " , يخلط ببن حدود اللباقة و بين حدود " الحلف " . أخطأوا مرة أخري . لقد خانتهم عدم معرفة العقلية الروسية . كانوا يعتقدون بأن " سكاكينهم " , تقطع الحدود و ترسمها فقط بينما هي في الحقيقة كانت تمر بقلب و جسد و روح الوزير " لافروف " .
تقدم الحلف و لم يتأخر الوزير .
موسكو عاصمة كبيرة و كثيرة هي الأماكن التي يمكن ل " مجلس الأمن القومي الروسي " أن يجتمع فيها . في " كوخ " من الخشب علي أطراف المدينة , تم إتخاذ القرار .
السيد " شويغو " جهز قواتك , السيد " لافروف " , إستعد للمواجهة....السيد"ناريشكين " , لا تدعهم يخدعوك....السيدان " باتروشوف " و السيد " ميدفيديف " , إحميا ظهور بقية الرفاق .
قبيل الفجر , كانت أوكرانيا علي موعد مع التاريخ , و كانت روسيا علي موعد مع الجغرافيا . أزمة أوكرانيا سبباها المباشربن هما لعنة التاريخ و لعنة الجغرافيا . الغرب يريدها جغرافيا بلا تاريخ , و " بوتين " يريدها جغرافيا بتاريخها. تحولت حقول القمح الأوكرانية إلي معبر للدبابات و الآليات و الجنود الروس . تذكر وزراء خارجية حلف " الناتو " إبتسامة الوزير " لافروف " .
يعتقد الغرب - مخطيئآ - , بأنه بإمكانه تكرار تجربة " أفغانستان " , في أوكرانيا , و يعتقد الرئيس " بوتين " و رفاقه , - جازمين - , بأن " ذا غيم إز أوفر " *.
هل يمكن للغرب تسليح " المجاهدين " الأوكران.....؟
نعم يمكنه ذلك .....
و لكن السؤال الآن هو , لماذا يواصل الوزير " لافروف " الإبتسام.....
لو كنت مراسلآ صحفيآ غربيآ في موسكو , لسألت الوزير " لافروف " , عن سبب و سر إبتسامة الوزير " لافروف " .
هناك مثل روسي قديم , يقول , " ....أن الضاحك الحقيقي هو من يضحك الأخير ...." .
صدقوني سيري نظراء الوزير " لافروف " في حلف " الناتو " , إبتسامة الوزير " لافروف " مرات و مرات . إنها جزء من أمر أعطاه الرئيس " بوتين " للوزير ...... " سيد لافروف , إستعد للمواجهة ....." .
لقد درست في روسيا , و أعرف جيدآ , بأن الابتسامه في روسيا , سترسم حدود حلف " الناتو " و سترسم حدود تحركه جغرافيآ و نفسيآ , و خصوصآ إبتسامة الوزير " لافروف " .
د : محمد السالك عالي .
دبلوم صحافة من جامعة " إركوتسك " الحكومية و دكتوراه من جامعة " الصداقة " الحكومية .
* قمة " يالطا " المنعقدة من 4 حتي 11 فبراير 1945م .
* محكمة " نيونبيرغ " لقادة النازية بعد إنتصار " الحلفاء " .
* مصباح " إليتشا " , هي نكتة روسية مشهورة أيام " الإتحاد السوفيتي " .
تقول النكتة بأن المصباح في مكتب زعيم الحزب الشيوعي , لا يطفأ طوال الليل , لأن الرفيق , زعيم الحزب يعمل طوال الليل .
*كتاب المفكر الأمريكي فوكاياما " نهاية التاريخ " .
* إنتهت اللعبة .