-->

مقال رأي : عن القائد أو الإطار في ذكرى الثورة ..

 


لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم
وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا
وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلّا لَهُ عَمَدٌ
وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ
فَإِن تَجَمَّعَ أَوتادٌ وَأَعمِدَةٌ
لِمَعشَرٍ بَلغوا الأَمرَ الَّذي كادوا
ابو الأسود الدؤلي
....................................
مع تجدد حرب التحرير المظفرة، وعلى وقع الخيبة الكبيرة للجماهير بكل اطيافها، حيال الآداء غير المتوقع لإدارة الشأن العام، في ظل الظروف والمهام المترتبة عن الوضع الجديد. تبدو الضرورة ملحة، في خضم اللحظة، التي يمكن وصفها بالعصيبة "لمن كان له قلب او القى السمع"، لوقفة مع الذات، والتأمل بروية في أسباب ضبابية المشهد وتزايد وتيرة التنائي بين الماثل والمأمول.
قد لا يختلف إثنان حول توصيف الوضع أو وضع الإصبع على الجرح، غير أن إرادة و إدارة العلاج تبقيان - كما جرت العادة عندنا - بين جزر ومد.
ان تعليق هذا الخلل على مشاجب الظروف، والأوضاع، والتراكمات، وفترة السلم ومتاهاته، لم تعد مسوغات مقنعة، فهاهي الظروف تختلف، وتراتب الأولويات يتبدل، والحرب تستعر بعد يأس، بما صاحبها من هبة لا نظير لها، ونفسية أعادت المعاني لمسميات الثورة والعزة والكرامة.
يكاد الكل يجمع،كذلك، على ان هذا القصور الواضح في التعاطي مع المستجدات يمثل أزمة حقيقية، وهي بالمحصلة أزمة تسيير، على مستوى الإدارة والاسلوب ونجاعة القرار في مختلف مراتب القيادة، وهو أمر يسهل إدراكه لكل مهتم او متابع لشأننا الداخلي، حتى منذ فترة ليست قصيرة.
ومع ان التعميم حكم غير دقيق، قد يصل مرتبة التجني، إلا انه، وبعد عقود من التجريب، يتضح جليا أن صفات القائد المثالي تتضآل و تكاد تنعدم لدى بعض قادتنا، بفعل امر أو آخر، ذاتي كان أم موضوعي، مع ان غياب هذه الصفات، او بعضها، شئ معتاد ومفهوم في ادارة أي تجمع بشري منظم عبر العصور.
وإن كان الامر يبدو كذلك، ومع التسليم بتأثير المعطيات الموضوعية، آنية كانت أم دائمة، فمن المؤكد أننا بحاجة لإعادة الإستماع لتحليل مفجر الثورة، الشهيد الولي مصطفى، في ندوة الأطر ابريل 1976، وعرضه الدقيق لشروط قدرة الإطار/ القائد على صنع المكاسب، ولمثالب العجز المفضي للإستحواذ على تلك المكاسب، و من ثم تبرز الحاجة إلى الهمس في أذن كل قائد او إطار او مسؤول، يتقلد مهمة في ظرفنا الحالي ( سبق وصفه بالعصيب ) :
لا زالت الفرصة ماثلة أمامك لبذل العطاء حسب المستطاع، وجلاء اللبس، وكسب الثقة، والظفر ببعض محبة الناس، فموقع الريادة ليس عسير المنال في أوساط شعبك الصبور، فقط كن في المقدمة وبادر إلى الفعل في الميدان.
لا تجامل من يحمل معولا قد يستعمل يوما لهدم صرحنا الذي شيد بدماء الشهداء وعرق الأرامل وأنات المعتقلين، ولا تساير من يذكي جمرا قد تطال ناره ( أعصام ) خيمتنا الجامعة.
آن لك - ان كنت كذلك- ان تترفع عن الركون للنعرات البدائية، و العدو في حلبات الفساد ( والإفساد )، وبازارات الولاء، بقصد أو بدونه.
في ممارسة السياسة - وهو حق يكفله الدستور والقانون - لا توغل في المناكفات البينية والصراعات الدونكيشوتية، فبيئتنا هشة وغير مؤهلة لمماحكات مماثلة.
حاذر ان يغيب عنك دورك الحاسم ومهمتك في نشر الوعي بألاعيب وشراك العدو، واحرص على ان لا تدع حربه المعنوية والنفسية تفعل فعلها، فتعكر صفو أمن مواطنينا في مضافة الغير، وتلغي بشبابنا في أتون الضياع ومعارك كل قتلاها في النار، وتطيل فصول مأساتنا/ ملهاتنا الكئيبة، وتغتال آخر احلام اطفالنا.
قبل أن تسول لك نفسك - والنفس أمارة - بما يمس مصير الشعب، او إرث الشهداء، او الإحجام ساعة الإقدام، أو العجز عن الآداء حين النداء، ضع نصب عينيك أمانة وحمل المسؤولية، وعهد الله، وعهد الشهداء، "ان العهد كان مسؤولا"، وان العقد بينك وبين شعبك هو إرجاعه الى دياره، حرا، سيدا، كريما.
حان الأوان كي ندرك، معا، ان التاريخ لا يرحم، وان مصائر الأمم لا يحسمها الإتكال او التردد، وان كل تشرذم، او تقاعس، او تولي، او نكوص، سيبقى لعنة تسم المرتدين الى أبد الآبدين .
ليكن همك، وهمنا، خدمة المقاتل، ورفعة المقاتل، وتفرد المقاتل، واستثنائية المقاتل، فهو المثل و فيه - بعد الله - الأمل.
إن لم تتأسوا - ياسادة - بمن باعوا الدنيا بالاخرة واختاروا فسطاط السؤدد، ولم يقولوا : "فاذهب انت وربك فقاتلا", أو (اجعل لنا ذات أنواط ) ..
فابقوا - رعاكم الله - بعيدا عن مرابض مجدنا، ومنابت عزنا، و(خذوا الكراسي والمناصب)، والمغانم, واتركوا لنا الوطن .. كل الوطن او الشهادة.
لاجئ إلى أجل غير مسمى

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *