“الانقلاب المفاجئ” لإسبانيا.. هل الديبلوماسية الجزائرية في مأزق؟
بقلم: فيصل إزدارن
استدعت الجزائر سفيرها في مدريد، عقب التحول المفاجئ في موقف الحكومة الإسبانية من قضية الصحراء الغربية، كما جاء في بيان لوزارة الخارجية الجزائرية التي استغربت الموقف الإسباني: “السلطات الجزائرية اندهشت من التصريحات التي صدرت عن أعلى السلطات الإسبانية بخصوص ملف الصحراء الغربية وتفاجأت بهذا التحول المفاجئ لموقف القوة المديرة السابقة للصحراء الغربية، قد قررت استدعاء سفيرها بمدريد للتشاور بأثر فوري”.
وفي بيان للديوان الملكي المغربي يوم الجمعة الفارط 18 مارس، الذي يؤكد الموقف الإسباني الجديد خلال رسالة بعث بها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز للعاهل المغربي، يعتبر فيها أن الخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية التي اقترحتها المغرب “هي القاعدة الأكثر واقعية ومصداقية لحل نزاع الصحراء الغربية”.
يمكن فهم هذا التحول المفاجئ في الموقف الإسباني من عدة زوايا، وفي معظمها تكمن الإجابة في كواليس الديبلوماسية ودهاليز طبخ التسويات الدبلوماسية.
الضيف الأمريكي يقلب الطاولة؟
قامت نائبة كاتب الدولة للخارجية واندي شيرمان بزيارة خاطفة للجزائر أين حظيت باستقبال من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ووزير الخارجية رمطان لعمامرة، أين دار لقاء بين لعمامرة وشيرمان الخاص بالاجتماع الدوري للحوار الاستراتيجي الجزائري الأمريكي، وألقت وندي شيرمان كلمة عند خروجها من قصر المرادية، وخلاصة مسجلة من مقر السفارة الأمريكية الواقعة بنهج الإبراهيمي في أعالي العاصمة.
الملاحظ أن كل ما صرحت به شيرمان لم يخرج عن إطار المجاملات والرسميات، رغم ما للمحادثات من أهمية فيما يخص قضايا عدة، منها التنسيق الأمني ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل خاصة، بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي من بحث فرص الاستثمار والتبادل التكنولوجي والثقافي.
لكن ما يهمنا هو ما أعقب زيارتها للجزائر، أين حطت الرحال في إسبانيا في جولة مكوكية، قامت على إثرها بمشاورات عالية المستوى مع السلطات الإسبانية، نظمت على هامشها مؤتمرا مشتركا حول الأمن السيبراني، ثم استقبلها وزير خارجية المخزن بوريطة، في زيارة رسمية، حيث أجرت عدة لقاءات، واختتمت ببيان مشترك مطول يتناول فحواه الطابع الاستراتيجي للعلاقات الأمريكية-المغربية، وينوه بالاتفاق الثلاثي المغربي-الصهيوني-الأمريكي الذي كرس التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويذكر بالموقف الأمريكي الواضح تجاه قضية الصحراء الغربية ليشيد بالخطة المغربية للحكم الذاتي، مثلما جاء في بيان لوزارة الخارجية الأمريكية: “وأشار نائب الوزير إلى أننا ما زلنا ننظر إلى خطة الحكم الذاتي المغربية على أنها جادة وذات مصداقية وواقعية، وهي مقاربة محتملة لتلبية تطلعات شعب الصحراء الغربية”.
من هنا نتساءل عن الدور الأمريكي في التغير المفاجئ الذي طرأ على الموقف الإسباني، علما أن الولايات المتحدة الأمريكية أضحت الممون الأول للمملكة الإسبانية بالغاز المسال بطاقة تبلغ 12000 جيجاواط ساعي من الغاز الطبيعي خلال شهر فيفري، لتأتي الجزائر في المرتبة الثانية بطاقة تبلغ حوالي 8801 جيجاواط ساعي من الغاز الطبيعي، حسب الدورية الإحصائية إيناغاز (Enagás).
الضغط الأمريكي ليس بالجديد، فاللائحة الأممية رقم 2602 التي بموجبها يتم تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية كانت محل تباين بين الجزائر الولايات المتحدة الأمريكية، الشيء الذي يؤكد بيان وزارة الخارجية آنذاك: “عقب اعتماد مجلس الأمم المتحدة للقرار رقم 2602 (2021) الذي يجدد بموجبه ولاية بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، تعرب الجزائر عن عميق أسفها إزاء النهج غير المتوازن كليا المكرس في هذا النص الذي يفتقر بشدة إلى المسؤولية والتبصر جراء الضغوط المؤسفة الممارسة من قبل بعض الأعضاء المؤثرين في المجلس”.
امتناع روسيا عن التصويت كان احتجاجا على اللائحة بدافع رفض الولايات المتحدة الامريكية المقترحات الروسية وتوجيهها نحو تحريف القضية عن مسارها.
إسبانيا والجزائر والأمن الطاقوي
منذ قرار وقف الجزائر لتصدير الغاز لأوروبا عبر الأنبوب المغاربي الأوروبي على خلفية قطع العلاقات بين الجزائر والمغرب، استمرت الجزائر في توريد الغار الطبيعي عبر خط أنابيب ميد-غاز نحو إسبانيا مباشرة، ولكن مع وتيرة أقل مما نتج عنه مشاكل في ضخ الغاز بالكميات المطلوبة وفي الآجال المحددة، رغم محاولة السلطات الجزائرية طمأنة الجانب الإسباني باستمرار الضخ. هذه الوضعية خلقت نوعا من الارتباك في الجانب الإسباني مما ينذر بخطر على الأمن الطاقوى لدى إسبانيا.
هل تستطيع الجزائر تعويض الغاز الروسي؟
هناك عوامل آنية دفعت إسبانيا إلى اختبار شركاء آخرين في تموينها بالغار على حساب الجزائر، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، بحكم أن إسبانيا عضوة في الناتو، ومع اندلاع الحرب الأوكرانية، كان لزاما عليها الاصطفاف وراء الولايات المتحدة الأمريكية التي تبيع لها غازا بأقل ثمنا، وأقل تكلفة من الغاز الجزائري، علما أن قمة الناتو المقبلة ستعقد في إسبانيا في شهر جوان المقبل.
لقد عرضت إسبانيا على المغرب إعادة بيعها للغاز الجزائري، بعدما حُرمت منه، لكنها لقيت معارضة شديدة من الجزائر بأن لا تبيع لها ولو جزيء، ولعل هذا الرفض أحرج كثيرا المسؤولين الإسبان، الذين سعوا وبضغوط خارجية لمعالجة الأزمة الديبلوماسية التي نشبت بين المغرب وإسبانيا على خلفية استقبالها لرئيس جمهورية الصحراء الغربية على أراضيها بغية العلاج، علما أن المغرب حاول الضغط على إسبانيا عبر تخفيف الإجراءات الأمنية لدخول المهاجرين السريين للأراضي الإسبانية عبر سبتة ومليلية.
قد يكون هذا الاستعراض شوطا من أشواط المفاوضات الجارية مع بعض البلدان المنتجة والمصدرة للنفط بهدف تطويعها لزيادة انتاجها لتعويض النفط الروسي، ولكن القرار السيادي على المحك بسبب الضغوطات المتنوعة على هذه الدول لكي ترضخ للقوى الكبرى المتهورة في الحرب الأوكرانية، وتريد جر باقي الدول إلى هذا الصراع.
وقد يكون نتيجة حيادها من هذا الصراع وشراكتها التقليدية مع روسيا، خاصة وأننا تحدثنا في مقال سابق عن الشراكة العسكرية الجزائرية الروسية التي تثير مخاوف دول الجهة الشمالية للبحر المتوسط، حسب تقرير لنواب في البرلمان الفرنسي.
المصدر : موقع اوراس الجزائري ـ
ملاحظة: مقالات الرأي المنشورة في موقع أوراس لا تعبر عن وجهة نظر المؤسسة.
ملاحظة: مقالات الرأي المنشورة في موقع أوراس لا تعبر عن وجهة نظر المؤسسة.