-->

بعد عقدين من “التماطل”.. أزمة الغاز الأوروبية تسرع “المشروع الحلم” بين الجزائر والنيجر ونيجيريا

 


لم يعرف مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء بين الجزائر والنيجر ونيجيريا، حماسا للتجسيد كما هو اليوم، بدفع من أزمة الطاقة الدولية. وبعد سنوات من التماطل، اتفقت الدول الثلاث أخيرا على وضع اللبنات الأولى للمشروع الذي في حال تجسد بإمكانه إمداد أوربا ب 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.
خلال اجتماع أبوجا في اليومين الأخيرين، أعلن وزراء الطاقة للجزائر والنيجر ونيجيريا، محمد عرقاب ومهاماني ساني محمدو وتيمبري سيلفا، اتفاقهم على وضع “اللبنات الأولى للدراسات التقنية “لتجسيد مشروع الأنبوب العابر للصحراء في “أقرب الآجال”، مع إعلان مواصلة المشاورات على أعلى مستوى لإزالة العراقيل التي قد تعترضه.
وقال الوزير الجزائري محمد عرقاب الذي بدا سعيدا جدا بهذا التطور، إن هذا الاجتماع كان “جد هام وناجح”، حيث سمح بالتطرق إلى كل الجوانب المتعلقة بإنجاز أنبوب الغاز العابر للصحراء الذي يربط الدول الثلاث بالقارة الأوروبية، على مسافة تتعدى 4000 كيلومتر.
وكشف عرقاب عن “الاتفاق على مواصلة المشاورات عبر الفريق التقني الذي تم تشكيله خلال هذا الاجتماع وتكليفه بإعداد كل البنود والدراسات التقنية و المالية و دراسات الجدوى المتعلقة بتجسيد مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء”. وأضاف أنه جرى الاتفاق بين الوزراء الثلاثة على تنظيم الاجتماع الثلاثي القادم في فترة وجيزة لا تتعدى أواخر شهر يوليو المقبل في الجزائر.
وخلال أشغال هذا الاجتماع الثلاثي، أكد وزير الطاقة الجزائري في كلمته، أن إعادة تنشيط المشروع، المسجل في إطار تنفيذ برنامج “النيباد”، يأتي في سياق جيوسياسي وطاقوي معين يتميز بالطلب القوي على الغاز والنفط، من ناحية، وركود العرض بسبب انخفاض الاستثمارات، ولا سيما في مجال التنقيب عن النفط والغاز، بدأ منذ 2015”.
وأبرز عرقاب أن مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء “مثال على رغبة بلداننا الثلاثة في إنشاء بنية تحتية إقليمية ذات نطاق دولي والذي يتماشى مع أهدافنا الوطنية والتزاماتنا الدولية كدول ملتزمة بتقليل البصمة الكربونية وتأمين إمدادات الغاز الطبيعي للأسواق”.
ويعد هذا المشروع، وفق الوزير بمثابة “مصدر جديد لإمداد للأسواق التي يتزايد طلبها باستمرار، نظرا للمكانة التي سيحتلها الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة في المستقبل”. وأكد أنه بالاعتماد على خبرة البلدان الثلاثة في مجال إنتاج ونقل الغاز الطبيعي وتسويقه ومع المزايا التي يوفرها، فإن هذا المشروع سيعزز القدرات الإنتاجية والتصديرية للدول الثلاث.
واللافت أنه في وقت قصير لا يتعدى 5 أشهر تم استدراك نحو 20 سنة من التأخر منذ ظهور فكرة المشروع الأولى سنة 2002. فقد عقد أول اجتماع في شباط/فيفري الماضي بالنيجر وأعلنت فيه الأطراف الثلاث “وضع الأسس لخارطة طريق تهدف على وجه الخصوص، إلى تشكيل فريق عمل بهدف إطلاق تحديث دراسة جدوى لهذا المشروع”. ثم جاء اجتماع أبوجا الذي تقدم خطوة للأمام بوضع اللبنات الأولى للجانب التقني من المشروع، وسيليه في تموز/جويلية المقبل اجتماع بالجزائر، سيكون حاسما في الإعلان رسميا عن الانطلاق في تجسيد أنبوب “نيغال”.
وتبدو الظروف الدولية الحالية، أكثر ما شجع الدول الثلاث على تحقيق المشروع الذي ظل حلما بعيدا المنال. وكان أكثر ما عطل التنفيذ، مسألة الجدوى الاقتصادية منه، لأن الغاز العابر للأنابيب ظل سلعة رخيصة خلال العشرين سنة الماضية، ناهيك عن أن السوق الأوروبية كانت تعاني من الإشباع في ظل تموينها من روسيا المنتج الضخم لهذه المادة وباقي الدول مثل الجزائر والنرويج. وكدليل على ذلك، لم تتمكن الجزائر من إنشاء خط “غالسي” وهو أنبوب ثان عبر البحر يجمعها بإيطاليا مباشرة عبر البحر، بسبب عدم تحمس حكومة روما للمشروع.
في حال تجسد الأنبوب الذي يمتد لأكثر من 5 آلاف كيلومتر، يتوقع أن ينقل سنويا 30 مليار متر مكعب، ما يعني رفع الصادرات انطلاقا من الجزائر إلى الضعف
وفي ظل المعطيات السابقة، كان التخمين بأن دفع نحو 15 مليار دولار لإنجاز أنبوب “نيغال”، يعد مغامرة غير محسوبة من حيث جدواه الاقتصادية، فضلا عن أن عدم الاستقرار في منطقة الساحل مع تنامي المجموعات الإرهابية، كان عاملا مثبطا هو الآخر. لذلك، دخل المشروع الذي جرى التوقيع على مذكرة تفاهم حوله في 14 كانون الثاني/جانفي 2002، في غيبوبة كبرى، إلى أن استيقظ على وقع الحرب الروسية الأوكرانية، التي حولت الغاز إلى سلعة استراتيجية باهظة الثمن، تبحث الدول الأوربية عنها بأي وسيلة للخروج من الهيمنة الروسية.
وتعد نيجيريا وهي دولة المنبع للأنبوب من أهم الدول المنتجة للغاز في القارة الإفريقية، كما تملك الجزائر باعتبارها دولة المصب في هذا المشروع، بنية تحتية قوية في مجال تكرير الغاز وتصديره عبر الأنابيب الجاهزة نحو إيطاليا وإسبانيا ومنهما إلى باقي الدول الأوربية. وفي حال تجسد المشروع، يتوقع أن ينقل سنويا 30 مليار متر مكعب، ما يعني رفع الصادرات انطلاقا من الجزائر إلى الضعف.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *