-->

الريسوني.. عالمُ شريعة أم داعية حربٍ وقطيعة؟


منذ الخطاب الأخير للملك المغربي قبل أيام، والذي جدّد فيه تشبُّثه بسياسة “اليد الممدودة”، ونحن ننتظر مزيدا من صبّ الزيت على النّار من طرف دولة المخزن، فأفعالهم في الميدان هي عكس ما يرددونه باللسان.
لكنّنا لم نتوقّع أن يكون هذا الزّيتُ هو كلماتٌ يهذي بها لسانُ الدكتور أحمد الريسوني رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي من المفروض أنّه يُمثل هيئة دينية عالمية لا تخدم أي دولة قُطرية ولا تُقحم نفسها في الصراعات السياسية بين الدّول، كما أنّ المطلوب منه كرجل دين وعالم شريعة أن يقول خيرا أو يصمت، وأن يسعى إلى وأد الفتنة وتأليف القلوب بدل نشر الفتنة وتأجيج الحروب.
غير أنّ الرّيسوني أبى إلا أن ينزل إلى هُوّةٍ سحيقة ٍتجعلنا نتأكّد أنّه مجرّد بوق مخزني ودسيسة يُراد بها ضرب الكيانات المناهضة للتطبيع وإن حاول إظهار غير ذلك، وخيرُ دليل على ذلك هو تلك الخرجات والتّصريحات السابقة والتي أثارت حفيظة عدد من علماء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مثل الشيخ علي قرّة داغي.
لقد دعا أحمد الريسوني في خرجة إعلامية غريبة صراحةً إلى ما سمّاه “الجهاد بالنفس والمال”، لكنّه جهادٌ ضدّ من؟ هل هو جهادٌ ضدّ الكيان الصهيوني ودولة الاحتلال من أجل تحرير فلسطين أم ضدّ إسبانيا بغرض تحرير سبتة ومليلية؟ لا هذا ولا ذاك! بل نادى بالجهاد من أجل تحرير مدينة تندوف الجزائرية. فكيف يسمح الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لرئيسه بأن يطلق تصريحاتٍ من شأنها أن تتسبب في سفك الدماء، ونشر الفتنة وتأجيج نيران العداوة بين المسلمين؟
إنّ الريسوني في هذه الخرجة البائسة وغير المسؤولة لم يُخفِ تأثره بطرح علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال والذي تسبَّب في حرب الرمال بين المغرب والجزائر بعد استقلالها، وهي الحرب التي كلَّفت المغرب غاليا وجعلته يخرج بخفي حنين.
إنّ الريسوني في خرجته هذه زعم أن تندوف مدينة مغربية، فهل يمكنه أن يخبرنا عن كيفية دفاع الملك المغربي عن هذه المدينة أثناء الاحتلال الفرنسي، أو أن يعطينا وثيقة تثبت إدانة هذا الملك لاحتلال تندوف، أو يقدّم لنا أيّ وثيقة تؤكد أنّ المملكة المغربية عارضت توسّع الاستعمار الفرنسي في الصحراء الجزائرية سنتي 1901 و1902م؟ لن يجد الريسوني ولا غيره من الباحثين أي وثيقة إدانة، بل بالعكس سيعثرون على مراسلات جرت بين الملك المغربي ومبعوثيه إلى الحاكم الفرنسي في الجزائر والتي كان المغرب يجدد فيها احترامه لسيادة فرنسا على تلك الأقاليم.
ردّد الريسوني في خرجته هاته خرافةَ “الحدود الحقّة” أو “الحدود التاريخية للمغرب”، فهل نخبرك عن حدود هذا المغرب الذي تتغنّى به أنت ومن على شاكلتك؟ بل سأترك ابن خلدون هو من يبيّن لك حدود المغرب الأقصى حيث يقول: (رباط أسفي ومدينة سلا وفي الجوف عن بلاد مراكش فاس ومكناسة وتازا وقصر كتامة وهذه التي تسمى المغرب الأقصى في عُرف أهلها). هذا هو المغرب الأقصى وهذه هي حدوده عند ابن خلدون.
وإن لم يرُق لك كلام ابن خلدون فراجع ما كتبه الإدريسي وحتى حسن الوزان الذي هو من أصل مغربي وستجد أنّ المغرب الأقصى لم يتجاوز مملكتي فاس ومراكش، ولم يكن هذا المغرب الأقصى سيّدَ نفسه إلا في فترة وجيزة أيام حكم الأدارسة، ثمّ صار ضمن ممتلكات الفاطميين وأنصارهم من قبائل كتامة الجزائرية، ومن بعدهم ملوك بني حماد الجزائريين، ثمّ صار تابعا لدولة المرابطين الموريطانية قبل أن يصير تابعا لدولة الموحدين الذين حكمتهم أسرة عبد المومن الجزائرية الندرومية، وبعد الموحدين أصبح خاضعا لقبيلة بني مرين الجزائرية. واقرأ كتاب المغرب عبر التاريخ للمؤرِّخ المغربي إبراهيم حركات وكذا مجمل تاريخ المغرب للعروي لتدرك الحقيقة التي ستنسف خرافة “حدود المغرب الحقّة”.
إنّ المغرب الذي درّسوكم عنه وقالوا لكم إنّه كان إمبراطورية عظيمة لم يكن سوى كيانات ممزقة، فكان عبارة عن مملكة فاس من هنا ومملكة مراكش من هناك وبلاد السوس من هنالك وبلاد الريف في الشمال إضافة إلى إقليم سجلماسة أو تافيلالت المستقل عن فاس. بخلاف المغرب الموجود اليوم الذي تمّ توحيده وتكوينه بمباركة ليوطي والمخابرات الفرنسية.
وفي الأخير أتمنّى من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن يبادر إلى طرد هذا الفتّان الذي أصبح يستغل مثل هذا الاتحاد لأغراض شخصية ولخدمة المخزن المغربي في صفقة سرية مشبوهة ستُفصح الأيام عن بعض بنودها.
د. أمين كرطالي ـ الشروق اونلاين

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *