-->

الجزائر تخفّض صادرات الغاز نحو إسبانيا إلى النصف دون الإخلال بالاتفاقيات الموقعة بين البلدين

 


تواصل الجزائر خفض صادراتها من الغاز باتجاه إسبانيا، لكن من دون الإخلال بالاتفاقيات الموقعة بين البلدين على هذا الصعيد، في تطور يؤكد أن ليس هناك انعطافة في العلاقات الثنائية التي تعاني من أزمة كبيرة منذ الربيع المنصرم في أعقاب قرار الحكومة الإسبانية قلب موقفها التاريخي من القضية الصحراوية.
آخر الأرقام المتعلقة بواردات مدريد من الغاز الجزائري، تشير إلى تراجعها بنسبة 42 بالمائة من بداية السنة الجارية حتى الشهر المنصرم، وفق الإحصائيات التي نشرتها شركة “Enagas” الإسبانية، المستورد والموزع الحصري للغاز في إسبانيا، والتي لها عقود مع سوناطراك.
وتدحرجت واردات الغاز الإسبانية من الجزائر من المرتبة الأولى إلى الثالثة خلال الأشهر السبعة الأخيرة، بعد ما كانت في المرتبة الأولى خلال السنوات الماضية، لتحل محلها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، التي تمارس ضغوطا كبيرة على الدول الأوروبية.
وبلغت نسبة الغاز الجزائري المصدر إلى إسبانيا خلال الأشهر السبعة المنقضية، ما يعادل 24.5 بالمائة، مقابل ما نسبته 48 بالمائة العام الماضي، ما يعني أن الانخفاض بات يعادل 50 بالمائة تقريبا، وهو ما فسح المجال أمام الاستيراد من دول أخرى مثل نيجيريا وقطر.
وكانت إسبانيا قبل الأزمة مع الجزائر، تحصل على نصف حاجياتها من الغاز الجزائري عبر أنبوبي ميدغاز الرابط بين الجزائر وإسبانيا مباشرة ومن دون بلد وسيط، بقدرة تناهز 10 ملايير متر مكعب من الغاز، فضلا عن أنبوب ثان هو أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي المتوقف، الذي كان يمر عبر التراب المغربي قبل أن يصل إلى إسبانيا.
ورغم هذا التراجع في واردات إسبانيا من الغاز الجزائري، فإن مدريد لم تتحدث عن خرق لاتفاقيات توريد الغاز بين البلدين، وهذا يعني أن الجزائر كانت تصدر كميات تزيد عن تلك الموثقة في العقود المبرمة، وقد سحبتها بقرار سيادي وغيرت وجهتها نحو شريك آخر تتعزز العلاقات معه من يوم إلى آخر، وهو إيطاليا التي وقعت مؤخرا مع الجزائر على عقد يقضي برفع صادرات الغاز بنحو تسعة ملايير متر مكعب.
إذن، فيما يتعلق بالجزائر فالأمر جد عادي، كانت هناك كميات من الغاز المصدر نحو مدريد وقد تم تحويله إلى إيطاليا، لكن ما ذا يعني هذا من الناحية الاقتصادية بالنسبة لإسبانيا وما هي تداعيات ذلك؟
كل الغاز الذي تستورده إسبانيا باستثناء ذلك الذي مصدره الجزائر، يأتيها في صورة غاز مسال في ناقلات عملاقة، لأنه يأتي من دول لا تربطها بإسبانيا أنابيب، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ونيجيريا وقطر، وهذا يعني أن التكلفة جد باهظة.
فالغاز في صورته الطبيعية ينتج غازا وينقل غازا في الأنابيب كما في حالة الغاز الجزائري، أما عندما ينقل في البواخر العملاقة، فهذا يتطلب تسييله (تحويله إلى سائل)، وهو وضع الغاز الأمريكي أو الروسي أو النيجيري أو القطري.
بالنتيجة، إسبانيا وبعد خسارتها كميات كبيرة من الغاز الجزائري الذي يوجه للاستهلاك مباشرة، فهي اليوم مضطرة إلى دفع تكاليف إضافية كبيرة تجعل من فاتورته جد عالية، لأن تسييله يتطلب أموالا، ونقله عبر الناقلات يتطلب أموالا، وإعادة تحويله إلى حالته الطبيعية كغاز، فيه أعباء إضافية للمرة الثالثة، بمعنى أن الغاز المستورد من غير الغاز الجزائري، يكون أعلى تكلفة من الغاز الجزائري، على الأقل بثلاثة أضعاف في أحسن الأحوال، لأن الغاز القادم من مسافات بعيدة مثل الغاز الأمريكي أو القطري أو الروسي تكون تكلفته أكثر.
إذن الجزائر ربحت شريكا موثوقا وهو إيطاليا ولم تخسر ولو مليما من تحويل كميات إضافية من الغاز إليه، أما إسبانيا فخسرت أسعارا تفضيلية وكميات أكبر كانت تحصل عليها من الجزائر بسبب الأزمة التي تسبب فيها رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، بقرارات غير محسوبة العواقب.
بل إن الخسائر الإسبانية تعدت إلى تضرر إستراتيجيتها التي استثمرت من أجلها الملايير من اليوروهات من أجل إقامة بنى تحتية لتحويل الغاز القادم من الجزائر، وإعادة تصديره نحو القارة العجوز، إذ تتوفر مدريد على منشآت تعادل كل ما تتوفر عليها أوروبا برمتها. وقد انتقل مركز الثقل إلى إيطاليا المرشحة للعب هذا الدور، كما قال الرئيس عبد المجيد تبون في زيارته الأخيرة على روما.

المصدر: الشروق أون لاين

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *