مقال رأي : اسباب رفض الحسن الثاني لما يسمى بمقترح الحكم الذاتي
أمام هزائم القوات الملكية المغربية على يد جيش التحرير الشعبي الصحراوي و بعد 16 من الحرب و الفشل الديبلوماسي المتصاعد قبل الحسن الثاني بالتفاوض مع جبهة البوليساريو لايجاد حل على أساس قرارات الأمم المتحدة و منظمة الوحدة الأفريقية التي تعترف كلها بحق الشعب الصحراوي فى تقرير المصير و الإستقلال.
بدات المفاوضات تحت الإشراف الثنائي و المشترك للأمين العام للأمم المتحدة و رئيس منظمة الوحدة الأفريقية سنة 1985 و تمخضت عن قبول الطرفين، جبهة البوليساريو و المملكة المغربية ، للمقتراحات المشتركة للمنظمتين سنة 1988 لينتهي هذا المسلسل بالتوقيع على مخطط التسوية لسنة 1991.
الإستفتاء الذى كان تنظيمه مبرمجا بعد ستة اشهر من وقف إطلاق النار لم يتم تنظيمه، لأن المغرب عمل منذ بداية انطلاق التحضيرات، و خاصة منها إعداد لائحة المصوتين، على التحكم في عمل بعثة الأمم المتحدة و جعلها تسير فى الإتجاه الذى يريد.
ترحيل موجات من المواطنين المغاربة إلى المدن الصحراوية المحتلة كانت المؤشر الواضح على رغبة الرباط في فرض إستفتاء مزور كانت تسميه فى تلك الاثناء ب :" الإستفتاء التأكيدي".
تآمر الأمين العام للأمم المتحدة السيد دي كويار، بعد لقائه مع ملك المغرب على هامش دورة الأمم المتحدة ( سبتمبر 1991)، من خلال تقديمه بصفة مفاجئة و احادية الجانب لمقاييس "جديدة" لتحديد الهوية كان يهدف إلى تجاوز الإحصاء الاسباني لسنة 1974 باعتباره القاعدة الحصرية التى تم الإتفاق على أنها هي المرجعية الوحيدة لإعتماد لائحة المصوتين في الإستفتاء.
إدخال هذه المقاييس التى عرفت تحت اسم مقاييس بيريث دي كويار،( انظر تقريره تحت رقم S/23299 بتاريخ 19 ديسمبر 1991) و بدفع من عواصم معروفة ادخلت المهمة التي انشأت من اجلها بعثة المينورسو، فى نفق مظلم منذ الوهلة الأولى و أماطت النقاب عن تورط بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في عرقلة إستقلال الشعب الصحراوي إلى يومنا هذا.
الحل الوسط الذى تم التوصل إليه تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة السيد بطرس غالى فيما يتعلق بمقاييس تحديد هوية الناخبين ( تقريره S/26185 ملحق 1 بتاريخ 4 اوت 1993) فتح الباب أمام إستئناف عملية تحديد الهوية التى توقفت فيما بعد بسبب العرقلة المستمرة من لدن دولة الإحتلال.
يجب إنتظار تعيين السيد جيمس بيكر ، كاتب الدولة الأمريكي الأسبق، من طرف الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان كمبعوث شخصي إلى الصحراء الغربية لتدخل مجهودات المجتمع الدولى الرامية إلى تصفية الإستعمار من الصحراء الغربية فى مرحلة جديدة بعد توقيع الطرفين الصحراوى و المغربي على إتفاقيات هيوستن بتاريخ 16 سيبتمبر 1997.
و تجدر الإشارة هنا إلى أمر فى غاية الأهمية متعلق بالرسالة التى بعث بها كوفى عنان إلي جيمس بيكر حول المهمة التي كلفه بها يطلب منه فيها بالبحث عن امكانية ايجاد حل على أساس الحكم الذاتي!.
لقاء بيكر و الحسن الثانى ( ابريل 1997)
كانت مفاجأة جيمس بيكر كبيرة جدا بعد ما إستمع إلى رد الحسن الثاني حول المهمة التي كلف بها من طرف كوفى عنان.
فرفض الحسن الثاني القاطع لفكرة الحكم الذاتي و مطالبته بالتمسك بالإستفتاء المبرمج اثارا فضولا عظيما و استغرابا قويا عند بيكر.
شرح الحسن الثاني لبيكر موقفه و نظرته مؤكدا أنه يرغب في حل على أساس القانون و يعترف به المجتمع الدولي.
" اريد أن أعرف بصفة رسمية و نهائية هل الصحراء لي او ليست لي" يذكر بيكر على لسان الحسن الثاني.
يقول بيكر أن الحسن الثاني أكد له أنه لا يريد أن يترك لولي العهد تركة ثقيلة مثل هذه.
و يضيف بيكر أنه في نهاية الحوار طالب من الحسن الثاني، ما دام موقفه النهائي هو ما تم الإعراب عنه، أن يرد عليه بنعم او بلا، ثلاث مرات ، لكي يتمكن الموظفون المرافقون لبيكر من تسجيل ذلك في تقريرهم و فى المحضر الذى سيرفع للأمم المتحدة.
فكان رد الحسن الثاني بالإيجاب ( نعم)، ثلاث مرات، علي سؤال بيكر: " هل تقبل، يا صاحب الجلالة بالإستفتاء و بنتائجه ؟ ".
يذكر بيكر أيضا أنه شكر الحسن الثاني على هذا اللقاء المثمر و أنه يلتزم له بالعمل الجاد لتنظيم الإستفتاء فى اقرب الآجال كما ينص على ذلك مخطط التسوية.
لقاء بيكر بالرئيس الشهيد محمد العزيز بولاية السمارة (يوم 27 ابريل 1997)
اخبر بيكر الشهيد محمد عبد العزيز بتفاصيل لقائه بالحسن الثاني و سأله إذا كانت البوليساريو تقبل بالإستفتاء و بنتائجه فإنه سيطرح عليه نفس الاسئلة و بنفس الطريقة التي اتبعها مع ملك المغرب و بعد رد الشهيد محمد عبد العزيز بالإيجاب قال له بيكر: " السيد الامين العام هل تقبل جبهة البوليساريو بالإستفتاء و بنتائجه ؟" فكان رد الشهيد بنعم طبقا للطريقة المعتمدة.
ما لم يقله الحسن الثاني لبيكر
رفض الحسن الثاني القاطع لفكرة الحكم الذاتي يعود لأسباب موضوعية و اخرى ذاتية و لا شك أن له خلفيات تاريخية كذلك.
فالحسن الثاني الذي سير الحرب العدوانية و قاد المعركة و له دراية جيدة بالقانون و معرفة واسعة بالعلاقات الدولية و التاريخ متأكد من :
ا-على المستوى الموضوعي
1-ان الطرف الصحراوي لن يقبل بذلك المقترح لأن الصحراء الغربية ليست جزءا من المغرب و لم تكن قط جزءا منه.
الحسن يعرف هذا جيدا و سمعه بصفة مباشرة من لدن الوفد الصحراوي أثناء لقاء مراكش سنة 1989 و أكثر من ذلك هو ما لمسه في الميدان من خلال إدارته الشخصية للحرب من قوة الإرادة و الشجاعة و الإقدام لدى المقاتل الصحراوي الذى قضى بذكائه و إبداعه و تصميمه المنقطع النظير على كل الخطط و التشكيلات الحربية المغربية.
2-أن الأمم المتحدة و الإتحاد الأفريقي و جميع المحاكم و المنظمات القارية و الدولية لن تعترف أبدا للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية و أنها، مهما طال الزمن، ستبقى متشبثة بحق الشعب الصحراوي فى تقرير المصير.
ب-على المستوى الذاتى و التاريخي
الدولة المغربية الحديثة التي انبثقت عن توقيع السلطان مولاي لحفيظ بمدينة فاس يوم 30 مارس 1912 على الحماية الفرنسية و التى اسسها الجنرال ليوطي ( انشأ العلم، سن القوانين المؤطرة لبناء هياكل النظام ، أسس الجيش و الشرطة و بنى الدار البيضاء و كان المخزن يقبل يديه) هي التى وحدت المغرب و سمحت للمخزن بأن ينتشر في كل التراب المغربى بعدما كان السلاطين يتنقلون من منطقة إلى أخرى بحثا عن مكان آمن يمكن لهم الإستقرار فيه حيث كان المغرب الاقصى او ما يعرف ببلاد مراكش مقسمة إلى صنفين هما:
أ- بلاد المخزن
ب- بلاد السيبة
حيث كانت مناطق المغرب تارة تكون مخزنية و تارة تكون سائبة. و لم توجد قط منطقة كانت دائما تابعة للمخزن مائة بالمائة.
هذه الحقائق التاريخية، التى ربما لا يعرفها بالضرورة جيمس بيكر او لا يستحضرها، تملي على الحسن الثاني الإبتعاد عن أي تفكير قد يسبب فى تفكيك موزايك مغربي معقد مبني على أرضية هشة و مناطق غير متجانسة أصلا يوقظ فيها نزعات و مطالبات استقلالية ما زال بعضها يحن إلى ماضيه القريب.
و لتفادي تفكيك المغرب يقول الحسن الثاني انه لا يمكن أن يقبل أبدا ب "وجود جمهورية فى بطن المملكة ".و يضيف أنه" إما المملكة او الجمهورية".
نظرة الحسن الثاني فيما يتعلق بفكرة الحكم الذاتي لخصها ساعده الأيمن ادريس البصرى عندما سمع برواجها فى اوساط فريق محمد السادس ب: "إن الذي يقترح حل الحكم الذاتي لا يريد حلا لقضية الصحراء و إنما يريد أن يفتعل مشكلة خطيرة للمغرب".
و بالفعل فإن الحسن الثاني حاول أن يفرض تنظيم إستفتاء يسميه بالتأكيدى إلا أنه عندما لاحظ إتجاه الرياح صوب الإستقلال تأقلم بسرعة فائقة و ترك الباب واسعا أمام جميع الخيارات بما فيها الإستقلال و ردد فى أكثر من مناسبة قبل وفاته أنه يقبل به إذا كان ذلك هو خيار الصحراويين.
امحمد/ البخارى 16 يوليوز 2023.