-->

بريكس بديل ديمقراطي لإصلاح النظام العالمي أم قوى صاعدة تريد نصيبها من الكعكة ؟

 


هاهي مجموعة دول البريكس تنهي دورتها ال15 بجنوب افريقيا بعد توقف سببته جائحة كورونا و تأثر رزنامتها العملية بالحرب في أوكرانيا.
تزامن قمة جوهانسبورغ مع استفحال الأزمة الهيكلية والسياسية العالمية نتيجة لما تجتازه العلاقات الدولية من تدهور خطير اعطي لهذه القمة أهمية استثنائية بحيث أن ما يعرف بمنظومة الأمم المتحدة ( التي هي المنظمة العالمية والوكالات والهيئات المتخصصة التابعة لها والمؤسسات المالية العالمية )، أصبحت عاجزة عن تمثيل مصالح جميع شعوب العالم و حضاراتها المتعددة و أنظمتها المختلفة و ابتعدت مسافات سنوات ضوئية عن الأهداف و المبادئ  المعلن عنها في ميثاق سان فرانسيسكو و عن مقتضيات وأحكام القانون الدولي و القانون الدولي الإنساني.
فالنظام العالمي الحالي، الذي يتربع مجلس الأمن و صندوق النقد الدولي على قمة هرمه، أصبح من الناحية الموضوعية متجاوزا. 
و من كل ما سبق تظهر أهمية صعود مجموعة البريكس و الآمال المعلقة على دورها الإصلاحي المطلوب و مساهمتها المنتظرة في تحقيق العدالة والتوازن المفقود على الصعيد العالمي.

حدث تنظيم القمة ال15 في أفريقيا و تولي جمهورية جنوب افريقيا رئاسة مجموعة البريكس، في هذا الظرف بالذات، له هو الآخر، أهميته البالغة لأن أفريقيا هي القارة التي تجسد أكثر الاختلالات الحاصلة في النظام العالمي و الإجحاف الذي عانت منه شعوبها منذ عقود بالرغم من خيراتها الهائلة و طاقاتها البشرية الكبيرة.
فهل ستصلح البريكس، بالنسبة لأفريقيا و الإتحاد الأفريقي، ما أفسده الإستعمار الجديد في القارة وتقوم بالتالي الاعوجاجات الناتجة عن العولمة و تفرض عالما أكثر عدلا وانصافا ؟ و هل ستتبني أهداف الأجندة الأفريقية 2063 و تساهم بجدية في تحقيق مراميها لتجد القارة السمراء مكانتها المنشودة على الصعيد العالمي ؟  أم أن البريكس ستكون مزيدا من المألوف المعروف عالميا ؟

لا بد للبريكس، إذا كانت تطمح إلى أن تحدث الفارق و تشكل البديل على مستوى النظام العالمي، بالنسبة لإفريقيا على الأقل ، أن تساهم في القضاء على التخلف و التهميش و الذي كانت وما زالت من اسبابه: 

1-برنامج الإصلاحات الهيكلية الذي فرض على دول الجنوب، من لدن المؤسسات المالية العالمية، بمباركة شبه رسمية من طرف الأمم المتحدة، مع بداية تسعينيات القرن الماضي، وبعد سقوط حائط برلين مباشرة و تفكك المعسكر الشرقي، كان مقابل الحصول على قروض مجحفة و جدولة للديون، و كان السبب الرئيسي في تصفية ما تم إنجازه وبناؤه من مؤسسات وشركات وطنية في العديد من الدول الأفريقية الحديثة العهد بالاستقلال. 

2-تجاوز نظام الحزب الواحد بدون تحضير و بطريقة عشوائية و اعتناق التعددية السياسية وحرية السوق، خلال ما عرف بالندوات السيادية، التي نظمت في غالبية البلدان الإفريقية الفرنكوفونية مثلا، و التي رعتها باريس مباشرة بعد مؤتمر لابول La Bole، أسس لحروب إثنية ودينية عصفت بأمن واستقرار بلدان عدة و حطم هيبة دول ما زالت في طور بناء مؤسساتها الأمنية و القضائية و قضى على برامجها  الاجتماعية و الاقتصادية.
3-استنساخ النموذج الليبرالي بشقيه السياسي والاقتصادي الذي اعتمد في غالبية دول الجنوب وخاصة في افريقيا و الذي بني على برامج أساسها خوصصة الثروات والمؤسسات الوطنية، تمخض في نهاية المطاف، عن قيام الدولة الفاشلة و كل ذلك تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان.

4-استحواذ القطاع الخاص على كل القطاعات الاقتصادية والخدماتية لم ينتج الثروة وتوزيعها توزيعا عادلا، كما تمت الدعاية له من صندوق النقد الدولي، بل ركزها في ايادي شركات أجنبية و ممثلياتها المحلية بالإضافة إلى طبقة صغيرة من الأغنياء الجدد الموالين للأنظمة الحاكمة او للرأسمال الأجنبي.
5- وجود غالبية الدول الأفريقية في وضعية بعيدة من تحقيق ما حدد بأنه أهداف الألفية الثالثة للتنمية المستدامة المعلن عنها في إطار الأمم المتحدة و بعيدة من الحصول على الإستثمارات المعلن عنها في إطار عولمة الإقتصاد و التجارة و وجودها شبه محاصرة و حتى ممنوعة من الوصول إلي التكنولوجيا الضرورية لتصنيع موادها الأولية و منتجاتها المختلفة ناهيك عن الاستثمارات لتشييد البنى التحتية القاعدية اللازمة لبناء اقتصاد وطني قادر على خلق القيمة المضافة و الثروة لضمان تنمية مستدامة.
6-تدخل القوى الخارجية في الشؤون الأفريقية و عرقلة مجهودات المنظمة القارية الرامية إلى إيجاد الحلول الأفريقية للقضايا الأفريقية والضغط المستمر على دول القارة لمنعها من التحدث بصوت واحد في المحافل الدولية.
كل ما سبق يشير إلي ما ينتظر أن تقوم به مجموعة البريكس لإصلاح النظام العالمي الحالي و لو أن قبول عضوية الإمارات مثلا، خلال قمة جوهانسبورغ، خفض كثيرا من  درجة الآمال التي كانت معلقة على هذه المجموعة لدى الكثير من المراقبين المتفائلين.

لا شك أن المرحلة القادمة و خاصة ما بعد الحرب في أوكرانيا ستحدد مدى نجاعة إسهامات البريكس في قيام نظام عالمي متوازن يعتمد العدالة و مساواة حقوق الأمم والشعوب وسيادة مبادئ القانون الدولي و طي صفحة سياسية الكيل بمكيالين المنتهجة حاليا من طرف القوى الكبرى.

كما أن الأيام القادمة هي التي ستبين امكانية قيام قطب عالمي جديد يعيد للعالم و للسياسة الدولية مصداقيتهما و توازنهما المفقود بأحكام القانون و جعل الدول، الكبيرة و الصغيرة، تحت سلطانه.
سيتضح، إذن ، ما إذا كانت البريكس ستنجح في إصلاح منظومة الأمم المتحدة وبالتالي ستفرض نظاما عالميا عادلا أم أنها فقط مجموعة من المصالح الاقتصادية و المالية تبحث عن مكانتها على الصعيد العالمي و تطالب بنصيب من الكعكة و الأرباح من عوائد السوق بغض النظر عن الأوضاع الإنسانية لبني البشر.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *