ثلاثي العدل و القانون و الأخلاق فى زيارة رسمية لمحكمة العدل الأوروبية
اعلنت محكمة العدل الأوروبية بانها ستنظر يومي 23 و 24 اكتوبر الجاري فى الاعتراضات التى قدمها مجلس الإتحاد الأوروبي و مفوضيته ضد قراراتها التى حكمت بالبطلان على الإتفاقيات الموقعة بين الإتحاد و المملكة المغربية نتيحة لضمها للصحراء الغربية و إستغلال خيراتها.
و تجدر الإشارة إلى أن المحكمة العامة بلكسمبورغ كانت قد اصدرت سنوات 2016 و 2018 و 2021 قرارات على إثر الشكاوى التى قدمتها جبهة البوليساريو ضد إنتهاك الإتحاد الأوروبي للقانون الدولي و للقانون الأوروبي من خلال إبرام إتفاقيات لاشرعية مع المغرب تتنافى شكلا و مضمونا، مع كل المبادئ السامية للقانون و مع مقتضيات الشرعية كما تحددها المواثيق و المعاهدات و البروتوكولات و الصكوك المؤطرة للعلاقات الدولية المعاصرة.
فمن أهم قرارات محكمة لكسمبورغ نذكر:
1-أن الإتحاد الأوروبي لا يعترف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية.
2-إن المغرب و الصحراء الغربية بلدان منفصلان و متمايزان.
3-أن البوليساريو ممثل الشعب الصحراوي له كامل الأهلية للدفاع عن حقوقه و مصالحه.
4-أن المجتمع الدولي يعترف للشعب الصحراوي بالحق في تقرير المصير.
5-أن إستغلال الثروات الطبيعية و مختلف المنتوجات الصحراوية تتطلب قبول الشعب الصحراوي.
قرارات القضاء الأوروبي هذه لم تأت من الفراغ حيث انها إستندت فى لب احكامها و خلفيات قراراتها على كل المرجعيات القانونية ذات الصلة بالقضية الصحراوية سواء منها ما اقرته محكمة العدل الدولية سنة 1975 فيما يتعلق بعدم وجود روابط سيادة بين المغرب و الصحراء الغربية و حق شعب هذه الأخيرة في تقربر المصير او قرارات الأمم المتحدة التي تتمسك بالطبيعة القانونية للقضية الصحراوية منذ ستينيات القرن العشرين باعتبارها مسألة تصفية إستعمار او بقرارات منظمة الوحدة الأفريقية/الإتحاد الأفريقي التى تتعامل مع الجمهورية الصحراوية و المملكة المغربية باعتبارهما بلدين يتمتعان بنفس العضوية فيها.
القضاة الأوروبيون على مستوى المحكمة العامة فى لكسمبورغ احدثوا زلزالا سياسيا فى بروكسيل سنة 2016 بسبب قراراتهم هاته التى اكدوها و عززوها سنة 2021 و المتعلقة بالصحراء الغربية من خلال اماطة للثام عن عملية فساد سياسي كبير تم الزج بالإتحاد الأوروبي فيها و توريطه في المساهمة في العدوان على شعب اعزل و نهب ثرواته مع المحتل المغربي و ارتكاب جرائم حرب و جرائم ضد الانسانية في حقه.
منذ سنة 2016 وقف القضاة الأوروبيون فى وجه بعض القادة السياسيين للإتحاد الذين انحازوا لظلم المغرب و عدوانه فى تناقض تام مع القوانين الأوروبية و القيم المشتركة التي تتبناها المؤسسات الأوروبية و تدعي انها تشكل المنطلقات السياسية و القانونية المؤطرة لعلاقات الإتحاد مع جميع الشركاء.
لم تستقبل باريس و مدريد احكام العدالة الأوروبية برحابة صدر بل اقامتا الدنيا و لم تقعداها. و بادرتا بحملة ضغط علنية على الهيئات الأوروبية و تدخلتا لدى جميع عواصم الدول الأعضاء و فى إتجاه المجموعات الحزبية المشكلة للبرلمان ذلك بهدف تمرير مغالطات و قراءات مغشوشة و منحازة لقرارات المحكمة العامة بغية تجاوزها و التحايل على نصها و روحها.
حاولت هكذا جهات فى الإتحاد و بعض المسؤولين المتورطين في الرشوة إدخال فكرة إستفادة السكان "bénéfice de la population"و اعتبروها بديلا عن مبدإ القبول "consentement" الذى يحتاج إلى مصادقة الهيئات الوطنية الصحراوية الرسمية.
كما حاولت تلك الجهات كذلك تغيير مبدإ قبول " consentement" الشعب الصحراوى عبر إبتكار، تحت تاثير فرنسا و إسبانيا، عبارة او مفردة استشارة "consultation" السكان.
و كلمة " السكان" سمحت لمفوضية الإتحاد الأوروبي أن تربط الإتصال بالمستوطنين المغاربة و هم المستفيدين من الإحتلال الاستيطاني المغربي ليحلوا هكذا فى التقارير الأوروبية الموجهة محل الشعب الصحراوي، لتكتمل بذلك عملية التدليس و التزوير و التملص من قرارات المحكمة العامة.
بواسطة كل ما سبق ذكره من ضغط و تزوير و تحايل استطاعت فرنسا و إسبانيا تجديد الإتفاقيات مع المغرب او تمديدها و تم بذلك لي عنق العدالة الأوروبية في واضحة النهار مما يجسد عمق الفساد الذي ينخر في جسم المؤسسات الأوروبية و يثبت خطورة مفعول الرشوة المغربية على مكانة هيئات الإتحاد الأوروبي على الصعيدين المحلى و الدولى، إلا أن المحكمة، و على الرغم من ذلك، اقرت ببطلان تلك الإتفاقيات سنة2021 الشيء الذي دفع بالمجلس و المفوضية طلب إستئناف تلك الأحكام أمام المحكمة العليا.
المعركة القانونية التى تخوضها الجمهورية الصحراوية ممثلة بجبهة البوليساريو للدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي، غير القابلة للتصرف فى تقربر المصير و السيادة، القت بظلالها على معركة أخرى اوروبية-اوروبية بين مؤسسة العدالة و منظومتها القانونية و بين المؤسسة السياسية الأوروبية المتمثلة فى بعض اعضاء الإتحاد المتتواطئون مع دولة الإحتلال المغربى.
ستجتمع، إذن ، محكمة العدل الأوروبية و ذلك على أعلى مستوى التقاضي الأوروبي ( المحكمة العليا) و هي، فى نفس الوقت، أكبر تشكيلات المحكمة يومي 23 و 24 اكتوبر للنظر استئنافا فى الطعون التى قدمها كل من المجلس و المفوضية مبنية على الغش و التحايل و التزوير.
بالموازات مع مداولات المحكمة تعمل قيادة البرلمان الأوروبي فى الأشهر الاخيرة على محو الآثار السلبية العميقة التى خلفها انفجار فضيحة الفساد التى عصفت بسمعة البرلمان الأوروبي منذ سنتين و التى احيكت بتخطيط من المخابرات المغربية و بتنفيذ من اجهزة الدولة المغربية.
فضيحة " مروك غيت " مسحت الارض بسمعة و مصداقية المؤسسة الأوروبية و على رأسها الهيئة التشريعية التى استطاعت ديبلوماسية الشيك و الأظرفة
La diplomatie du chèque et des enveloppes
ان تسيطر على قراراتها و أن تستغلها، بابشع طريقة، فى حربها التوسعية و فى سياسة الإحتلال الإستيطاني التى ينتهجها المغرب في ألأراضي المحتلة من الصحراء الغربية.
سيشهد شهر اكتوبر وقوف رجالات العدالة و القانون الأوروبيين، من جديد، في وجه القرارات السياسية التي تم إتخاذها فى خرق تام لكل القواعد القانونية و الاجراءات المتعلقة، من جهة، بالعلاقة بين المؤسسات الاوروبية التنفيذية و القضائية و من جهة ثانية فيما يتصل بقوانين الإتحاد و بمقتضيات و احكام الشرعية الدولية و كل مرجعياتها ذات الصلة بقضية الصحراء الغربية.
إذا كانت الثوابت في ملف النزاع الصحراوي- المغربي هي تلك التى اكدتها المحكمة العامة في قراراتها السابقة و التي تدور حول بطلان أي إتفاق بين الإتحاد الأوروبي و المملكة المغربية يضم أرض و خيرات بلد ثالث، هو الصحراء الغربية/الجمهورية الصحراوية و ما يرتبط بذلك من قضايا تتعلق بحقوق الشعوب و إلزامية احترام سيادتها و حدودها الدولية المعترف بها فإن المحكمة العليا الأوروبية توجد اليوم أمام تحد عظيم لإثبات، فى وجه المؤسسات الأوروبية و العالم، جدارتها و استقلاليتها و قدرتها على الدفاع عن الحق و العدالة في مختلف الظروف.
و لا شك أخيرا ، أنه بالإضافة إلى أن الأمر هنا، و فى هذا الملف بالذات، يتعلق باحقاق العدالة و تطبيق مبادئ القانون التى تميز بين الظالم و المظلوم فى موضوع الصحراء الغربية، كما هي مدونة و موجودة بشكل جلي، سيحس القضاة الأوروبيون بانه لا بد من التمسك بجرعة كبيرة من الأخلاق العالية أمام حجم الفساد و التحايل و المغالطات و أمام خطورة التآمر مع العدوان و الخرق السافر لجميع المواثيق و احكام و مقتضيات الشرعية الدولية.
سيمنح التاريخ غدا للعدالة الأوروبية فرصة للقيام بالتكفير عن اخطاء و خطايا المركز السياسي الأوروبي الذى اعماه جشعه و تلاعبه بمصائر الشعوب و بقوتها و بحقوقها فى السيادة الدائمة على خيراتها و ثرواتها الطبيعية.
إنها فرصة كذلك لتستعيد العدالة الأوروبية هيبتها فى وقت لا تكترث جهات اوروبية معروفة بابسط مبادئ الأخلاق و العدالة و القانون.
أمحمد/البخاري 3 اكتوبر 2023