-->

الصحراء الغربية وطن يغتال وشعب يشرد

الصحراء الغربية (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة) الحرية لا تتجزأ والعدل لا يتجزأ ..هذا مبدأ إنساني قويم، يناضل تحت رايته كل حر شريف لا تأسره الحاجة ، ولا يضله الهوى فيصبح يكيل بمكيالين وتختلط لديه المعايير..ان القضية هنا هي قضية ناس لنا بهم علاقة الدم والدين والتاريخ وإن الحياد في قضيتهم هو أقرب للخيانة.
الصحراء الغربية او الساقية الحمراء ووادي الدهب في اقصى مغربنا العربي قصة لا تكاد تخرج من حدود صحرائها ولاتصل الينا الا عن طرق معوجة ملفعة بداعيات واهية متلبسة بحق يراد به باطل.. وفي حمى الدعايات والتهويش الاعلامي يغتال وطن ويشرد شعب فما هو الحق والباطل في قصة الصحراء الغربية؟
للقضية التي يجهلها معظم مثقفي المشرق العربي ولا ينتبه لخطورتها معظم مثقفي واحرار المغرب العربي.. لهذه القضية ابعاد عدة لابد ان تتجلى ليتكشف وجه الحقيقة فيها ..انها قضية شعب عربي ناضل باستماتة من اجل هويته الحضارية ضد كل أشكال الاستعمار ..وكما كل اقاليم العروبة والاسلام أبلى سكان الصحراء الغربية ضد موجات الاستعمار المتلاحقة بلاء عظيما حتى حققوا النصر المؤزر وطردوا الاستعمار الاجنبي.
والصحراء الغربية مليئة بالحياة بقبائل عربية وامازيغية ضاربة في التاريخ تتقن التجارة والحكم والقضاء وتجيد فن العلوم والادب والتصوف ..وفي الصحراء الغربية شخصية مزجتها السنين في قالب معين بعادات وتقاليد معينة ونسيج اجتماعي معين جعل من هذا الاقليم وحدة جغرافية تشترك مع اقاليم العرب في الهم والتاريخ والحضارة والدين وتتميز كما يتميز كل اقليم بخصائصه.
لم تتوقف المحاولات لاغتيال الوطن الصحراوي واذابة خصوصياته واحالته على نموذج من السياسة والمجتمع متميز عنه، واستدعى ذلك تشريد شعبه وقمع تطلعاته نحو تقرير مصيره بقوة السلاح وذلك تحت دعاوى وحدة التراب المغربي والتصدي للانفصال . .
حتى يكون واضحا منذ البداية لابد من التاكيد على ان وحدة كلمة الامة دين وان كل من يحاول تفريقها لايخدم الا مصلحة الاعداء ..ولكن هذا القول لا يعني بشكل من الاشكال ذوبان مجتمعاتنا الواحد في الاخر لان ذلك مضر بالوحدة ومضر بمستقبل الامة وهو مربك لتنميتها وهو حتما لن يحدث على ارض الواقع.
.ان وحدة اقاليم الامة يعني الوحدة من خلال التنوع والتعدد وليس الوحدة القمعية والقهرية التسلطية..و الان لا توجد وحدة جامعة للامة ولا يملك احد الادعاء بامتلاكه مرجعيتها ولا يوجد سوى اطماع شخصية ونزوات في الزعامة والتسيد على حساب عذابات الناس وجوعهم وارتهان مستقبلهم للاجنبي ..ان الوحدة بين اقاليم العرب تقوم من اجل اهداف مقدسة اولها رد الظلم الغربي الاقتصادي والسياسي والعسكري الواقع على امتنا ولابد من العمل الجاد من اجل ذلك وهذا يأتي من خلال قناعات الناس وايمانهم وتكريسا لمصالحهم وتوثيقا لعلاقات سوية بين اقاليمهم..اما ان تصبح الدعوة للضم غطاء للقتل والتشريد والقهر والظلم ومن الخلف ارتباطات دولية مشينة وتفريط بحقوق الامة ومستقبلها فان هذا سلوك غير انساني غير مقبول لابد من مقاومته.
وحتى يتكشف لنا حجم الظلم الواقع على اهلنا في الصحراء الغربية لابد من معرفة حقيقة وضعهم التاريخي والقانوني والثقافي وهل هم حقا جزء ينفصل عن المملكة المغربية ام انهم اقليم اخر تماما كما هو اقليم المملكة المغربية نفسه.. لان ذلك هو المطلوب للحسم في موقفنا من القضية.
وقبل الغوص في القضية نبدي استنكارا واستهجانا للموقف العربي والدولي الذي يقف اخرسا وهو يرى مخيمات المشردين من اهل الصحراء الغربية يلقى بهم على حدود وطنهم ، ويسمع عن قمع الاحرار في داخل الصحراء سجونا وقهرا..ان هذا الخرس العربي والدولي لا يفسره الا جهل من بعض العرب او تواطؤ منهم اما الغربيين فهم من صنع المأساة ليعاقبوا الثورة الصحراوية التي اخرجتهم من الوطن الصحراوي بقوة السلاح وحرمتهم بذلك من موقع استراتيجي ارادوا ان يشرفوا من خلاله على المنطقة كلها..وهنا نتساءل عن شواهد عديدة لم يكن للموقف العربي والدولي الا التدخل المسلح والسياسي المباشر كما حصل ضد العراق الذي ضم الكويت بحجة انها جزء من العراق..والموقف العالمي ضد سوريا وتدخل جيشها في لبنان حيث يعتبر لبنان الى امد قريب هو وفلسطين جزء من سوريا الكبرى..وفي جنوب السودان العالم كله يقف ضد حكومة السودان لتمنح الجنوبيين حق تقرير مصيرهم ..فلماذا لم يمنح الصحراويون حق تقرير مصيرهم؟
البعد التاريخي:
في مطلع القرن الثامن الميلادي وصلت هجرات عربية من شبه الجزيرة العربية إلى أرض الصحراء الغربية التي كانت تقطنها قبائل عربية وامازيغية من قبل وكما تشير الابحاث الجيولوجية والتاريخية ان ارض الصحراء الغربية لم ينقطع فيها التواصل الانساني ..لقد وصلت القبائل العربية في موجتها الثانية بعد الفتوحات الاسلامية حاملة معها رسالة الإسلام لتنظم حياة الناس وتاخذ بيدهم نحو العلم والرقي. وقد قوبل الدين الجديد بقبول عظيم من القبائل المحلية وانتشر بينها سريعا.
رسخ المسلمون في بلاد الصحراء أساس نظام اجتماعي متطور وأنعشوا الحياة الاقتصادية هناك، وخاصة تجارة الذهب من مالي , وتوالت الهجرات العربية إلى الصحراء الغربية خلال الفترة ما بين القرن الثامن والخامس عشر ميلادي. فوصلت إليها قبائل من بني حسان وبني هلال عن طريق مصر وتغلغلت بواسطة سيطرتها في منطقة الساقية الحمراء ووادي الدهب ومجمل أراضي موريتانيا. وبفضل شدتها تزايد نفوذها واستجابة السكان للدخول في الإسلام , طبعت المنطقة بطابعها العربي الإسلامي المميز.وهي كذلك حتى اليوم .
ومن خلال الاطلاع على تاريخ المنطقة السياسي ابان سلاطين المغرب المتتاليين يتضح بجلاء ان هذا الاقليم انما هو كأي اقليم من بلاد العرب متميز لا رابط خاص بينه والمغرب ..ولم يكن هناك أي مرحلة تمت فيها توحد الاقليمين في تبعية لاقليم المغرب ابدا..وان كل الوثائق تؤكد ان هذا الاقليم هو متكامل الشخصية .
كفاح اهل الصحراء الغربية ضد الاستعمار:
منذ بدات الاطماع الاستعمارية الغربية في الساقية الحمراء ووادي الدهب وقف الصحروايون مقاومين ومتصدين للاطماع الاجنبية وخاضوا معاركهم جميعها لوحدهم بل لعل بعض دول الجوار حاولت ارباكهم وتفتيت قوتهم.. ومن سنة 1909 الى سنة 1975 لم تتوقف مقاومة الصحراويين ضد الاستعمار الاسباني والفرنسي..
وبعد منتصف القرن المنصرم اخذ الصحراويون في تنظيم صفوفهم وتشكيل جماعات سياسية للمطالبة بخروج المستعمر والثورة عليه ..فمن مجلس الاربعين الذي تكون من اكثر من 40 شخصية قيادية تمثل شيوخ القبائل في الصحراء الى المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء وكذلك حزب السلام وحزب الاتحاد الوطني الصحراوي وغير هذه الاطر التي سعى الصحراويون من خلالها الى التخلص من الاستعمار الاجنبي..وفي النهاية توافق الصحراويون على تشكيل جبهة تضم كل مشاربهم تحت اسم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الدهب بعد المذابح الاسبانية بحق الصحراويين في سنة 1970.
ولقد تم الاعلان عن قيام الجبهة في موريتانيا..وخاضت معارك شرسة ضد الوجود الاستعماري على طول الجبهة خاصة بعد ان تلقت دعما واسنادا من الجزائر..
ارتفع صوت الصحراء قويا بعد المقاومة الباسلة التي ابداها الصحراويون .. وطالبت الجمعية العامة للامم المتحدة اسبانيا بالانسحاب من الصحراء حيث كان المفترض ان يستفتي الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
هنا كانت مطامع الملك المغربي وضمن وظيفته الاستراتيجية في المنطقة تظهر للسيطرة على الصحراء في قسمة مع موريتانيا التي انسحبت من الاراضي التي استولت عليها بعد الانسحاب الاسباني وبقيت المملكة المغربية على اصرارها مدعية ان الصحراء الغربية اقليم مغربي..
لا التاريخ ولا طبيعة التكوين الاجتماعي والنفسي للاقليمين متشابه بل ان هناك تمايزا واضحا فضلا عن قيام الصحراويين بثوراتهم ضد المستعمر وهم معزولين عن أي اسناد اقليمي ..
ان هناك اطماع تتعلق بطبيعة النظام وعلاقاته الدولية ..وهي اطماع تدوس تحت رغباتها طموح شعب في تقرير مصيره..وتشرد احراره ..فليس فقط التوسع الجغرافي انما ايضا تعميم التبعية للاجنبي امنيا ضمن سياقات استراتيجية تستهدف المنطقة والمحيط الافريقي العربي..
هنا نسأل لو كان اهل الصحراء غير عرب وغير مسلمين هل كان يستطيع المغرب ان يمرر على البعض مقولته عن الصحراء..ثم لو كانت جبهة البوليساريو قد رهنت البلاد لقوى الاستكبار العالمي هل كان احد يجرؤ على احتلالها او ضمها؟ ان المسالة تحتاج الى وقفة حرة لاتخاذ الموقف الاكثر صوابا ..ولان هناك شعب مكافح من اجل حريته وتقرير مصيره ويدفع دما ومعاناة يومية لا يملك أي حر في العالم الا الاعلان عن انحيازه للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الدهب الممثل الشرعي والوحيد لشعب الصحراءالغربية..
ولعل المملكة المغربية تنشغل بما هو اهم ..لعلها تنصرف للمطالبة بسبتة ومليلة المدينتين المغربين المحتلتين من قبل الاسبان..لعلها تدرك ان التاريخ ليس لصالح الاستعباد وقهر الشعوب..ولعلها تفهم انه لابد ان يستجيب القدر لصوت الشعوب. وكما لم يكن للثورة الجزائرية الا الوقوف مع كل حركات التحرر في العالم بمبدأية واضحة ثابتة فان الجزائر تتحمل امانة ومسئولية تاريخية في الدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره ..وان اسناد الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الدهب يقف من حيث الجوهر كاسناد أي حركة تحرر في العالم..وياخذ خصوصية بالغة هنا لانه يدور في اطار الاقليم.
ان شعبنا واهلنا في الساقية الحمراء ووادي الدهب عانوا كثيرا وان جرحهم الصامت حان له ان يندمل ..وان غد الحرية قريب يقرر فيه الشعب مصيره.
بقلم : صالح عوض عبد العال

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *