-->

بين حقول العنب و جسور الأمل

فرنسا (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة) قد يتخيل البعض من العنوان أنه في صدد قراءة رواية عاطفية لأحلام مستغانمي ، كما قد
يقفز إلى أذهان البعض أنها قصة للكاتب الفرنسي أندريه موروا بينما الحقيقة تقول عكس ذلك ، في هذا التقرير الميدان تقدم لكم الشروق الصحراوي نموذج من الباحثين عن العمل بفرنسا.
كانت و جهتنا مدينة ليبورن جنوب فرنسا و التي يقطن بها شريحة معتبرة من الصحراويين القادمين من إسبانيا بحثاً عن فرص عمل بعد أن ضاقت بهم السبل هناك في إسبانيا حيت بلغت البطالة نسبة قياسية ، و أصبحوا يجدون متنفساً و لو بشكل نسبي هنا في حقول فرنسا ، وصلنا إلى المدينة بعد صلاة الظهر و كان دليلنا على إتصال دائم معنا عبر الهاتف ، عندما توقفنا في المدينة إتصلنا به لكي يعطينا العنوان و عندما سألناه رد ساخراً .. عن أي عنوان تتحدث نحن نسكن هنا تحت جسر على ضفاف المدينة ، ذهبنا إليه بعد أن أدلنا إلى الطريق المؤدي إليهم همنا الوحيد ان نستقصي او بالاحرى نطلع على ما الت اليه احوال جاليتنا بالمهجر.
وصلنا إلى المكان السحري الذي يشبه مغارة على بابا فوجدنا بها مجموعة من خيرة أبنائنا ، شيوخ تركوا الأهل و الأحبة و مقاتلين تخلو عن البندقية و أستبدلوها بأعراش العنب و شباب لم يكملوا العقد الثاني بعد و مثقفين و حاملي شهدات كلمهم إجتمعوا و أستظلو بالطريق السريع رقم A89 في إنتظار فرصة عمل ربما تأتي و ربما لا فقط هو الأمل ما يعيش عليه هاؤلاء.

تصادفت زيارتنا لهم مع عطلة نهاية الأسبوع فوجدناهم في راحة تامة ، بعضهم يغض في نوم عميق و البعض يتسلى من خلال لعبتي "مرياس و ضومينو" لكسر الوقت بينما آخرون تجدهم شاردي الذهن تحدثهم دون أن يعيروك إنتباههم.
جلسنا مع مجموعة كبيرة منهم تضم كل الأجيال و المستويات نتبادل أطراف الحديث ، وضعية العمالة و مستجدات القضية الوطنية و الأخبار الدولية لأنهم كانو شبه غائيبين عن ما يجري في الساحة ، كان الحديث إليهم ملهم و مفيد معا, لديهم الكثير من الأفكار ، يختلفون في الرأي لكن بأسلوب حضاري ينم عن ثقافة مشبعة و أدب متأصل ، تستنتج من حديثهم أنهم ناغمين على الوضعية الحالية و إلى ما ألت إليه الأمـور ، يقابلوك بابتسامة طيبة تخفي ورائها الكثير من المأسات و الألم .
فالتعب و الإرهاق واضح على وجوههم المصفرة الحزينة، عندما سألت محمد و هو أب لعائلة تتكون من سبعة أفراد قلت له لماذا ترضى بعمل سيئ و ظروف سكنية كهذه و أنت طاعن في السن ، فرد علي بمثل مصري شهير "ملذي رماك على المر ... الذي أمر منه "
فكانت إجابته كافية لكي أستنتج أنني أمام أحد المهمشين هنا و هناك ،بعد دقائق قليلة تتوسع رقعة الجلسة فيقاطعك شاب في أوج شبابه قائلاً " نحن الصحراويين كتب علينا البؤس و الشقاء أينما ذهبنا" ،كانت جلسة رائعة إنتهت بكلمة لأحد المقاتلين والذين لم يكفيهم راتب المقاتل للحصول على حياة كريمة فترك النحية و البندقية و ذهب أطلال إنسان يبحث عن لغمت عيش من عرق جبينه حتى ولو كان ذلك لن يحصل إلا بالإقامة تحت الجسور و على ضفاف الوديان .
كان حديثه شيق و يحمل حقائق مشوقة فقد إختزل الرجل كل المتغييرات واصبح ينقم ويشد كيف إنحرفت القيادة الوطنية عن المسار ،ولمذا اصبح الصحراويين مشردين ومتشتتين, إنتهى الحديث و إقترب موعد الفطور و صلاة المغرب فتفرق الشباب إلى مجموعات لكي يقوموا بدورهم.
حفاظ الصحراويين على تأديت شعائرهم الدينية كان هو النقطة البارزة ، فكل المقيمين تحت ذلك الجسر كانوا قد قرروا صيام الشهر الكريم فالصلاة تتم جماعة و التسامح والتعاون و الأخوة عنوان الموقف هنا.
اليد العاملة في جنوب فرنسا تسيطر عليها الجالية المغربية مما شكل صعوبة للأبنائنا القادمين من إسبانيا فالجميع يتذكر موقعة العام المنصرم في مدينة‘ بوياك‘ في نفس المنطقة حيث نشب شجار بين الصحراويين و المغاربة كان السبب في حرمان الصحراويين من العمل هذه السنة بتلك المدينة ، لكن من خلال إحتكاكنا ببعض المواطنين الفرنسيين إلتمسنا أنهم يفضلونا الصحراويين نظراً لأخلاقهم الحميدة و سهولة التواصل معهم.
إنعدام فرص العمل في الدولة الصحراوية و التضيق المفروض على بعض القطعات مثل "المحروقات"ومختلف القطاعات الاخرى و في ظل أزمة إقتصادية تعصف بإسبانيا ، لم يجد الصحراويين بديلاً عن المبيت في العراء و في ظروف جوية قاسية تشهد عواصف شديدة ليلاً و شمس حارقة نهاراً ،تلك هي حال جاليتنا بالمهجر او بالاحرى الباحثين عن العمل بفرنسا .
الهدف من العمل هو تحصيل السعادة وتحسين مستوى الحياة والاحساس بلذة الانتاج وتحقيق الذات..و هو عبادة قبل كل شيء، لكن عندنا كلاجيئين يعتبر العمل ضرورة لا مفر منها و غاية ملحة لأننا و ببساطة شعب يعيش على مساعدات اجنبية بالكاد تسد رمق المواطنين فنجد أنفسنا مجبرين على إستحداث مصارد آخرى تضخ علينا دخلاً يمكننا من الحصولة على حياة مستقرة و التغلب على قساوة الطبيعة ، لكن يبقى الهاجس الكبير هو أين و كيف سنحصل عليه في ظل غياب تام لتوظيف الشباب في الدولة الصحراوية.
فالهجرة إلى ما وراء البحار كان هو الحل الأقرب إلى الصحراويين فوجدو في إسبانيا المستعمر الأسبق خير وجه لذلك ، فهجرو إليها جيوشاً و فُرادة ,فكان المتنفس الوحيد للعائلات الصحراوية هو ما يأتيهم من هناك.
ومع بداية الألفية الثانية دخل العالم في أزمة إقتصادية خانقة عصفت باقتصاد اسبانيا و بنوكها فتساقطوا الواحد تلوى الأخر ، وكان من نتاج ذلك بطالة منتشرة و الضحية الأولى هي اليد العاملة الأجنبية ، بعد ذلك أصبحت فرنسا هي المحج والملاذ لصحراويين حاملي الجنسية الإسبانية فتهافتو عليها هرباً من واقع أليم نسج خيوطه كل من القهر و القدر معاً و كأن الصحراويين كتب لهم أن يحترفوا المعانات و يجعلوا من قساوة الحياة موطناً لهم.
المصدر: الشروق الصحراوي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *