-->

المفاوضات حول الصحراء الغربية: مفاوضات للحل ام للتعطيل

الصحراء الغربية (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة) تعرف المفاوضات على أنها مسار من اجل التوصل إلى حل وسط يضمن توافق الطرفين المتنازعين على قضية ما وتأخذ المفاوضات أشكالا عدة منها ماهو ثنائي ،أو متعدد الأطراف ، ويعرف نضج هذه العملية من خلال النتائج المتوصل إليها و مدى الاختراق الذي تحققه. ففي قضية الصحراء الغربية التفاوض أخذ مسارا آخر، وهذا ليس من اجل البحث عن حل عادل مبني على نتائج النزاع وإنما لفرض تسوية غير عادلة ،تأخذ فيها الأمم المتحدة دور الوسيط الطرفان المتفاوضان دخلا في العملية التفاوضية منذ بداياتها على أجندة غير محددة أو متناقضة إلى حد ما فمناقشات لشبونة، وبرلين و صولا إلى هيوستن سبتمبر 1997 ، كانت كلها تضييعا للوقت،لان الميكانيزمات التي استخدمها الوسيط جيمس بيكر كانت غير إلزامية على ما يبدو للطرف المغربي مع انها جادة من خلال ما بذله ، و قد توجت مجهوداته بالتوقيع على خارطة طريق سميت مجازا ( اتفاقية هيوستن)، التي لم تخرج توصياتها إلى النور بسبب الرفض المغربي المتكرر، الذي كان يريد بعثرت الجهد وخلط الأوراق من اجل القفز على ما أنجز من خطوات في طريق الحل ،لاحظ بيكر ذلك التماطل و اقترح تسوية بدل الحل و ظن أن اتفاق الإطار حل سحري ممكن قد يجمع الطرفين لكنه رفض من قبل جبهة البوليساريو لانه منحاز للرؤية المغربية وتم مزج الخيارين فيما بعد(الاستفتاء و اتفاق الإطار)،لكن التعنت المغربي ظل قائما .
استقال بيكر و حمل المغرب مسؤولية العرقلة ،عين فالسوم و قاد ماراتون من المفاوضات الرسمية" بمنهاست "، حينها ظهر متغير جديد– الحكم الذاتي – بعدما شهد الملف جمود دام سنوات نسف خلالها المغرب خطة الاستفتاء ووصفه بالحل المتجاوز، الوسيط الدولي لم يأت برؤية وسطية للحل على غرار سلفه وإنما جعل الامر في يد الطرفين ، و الحقيقة المرة هي ان هذا التوجه لم يكن توجه فالسوم لوحده وإنما الأمم المتحدة ايضا ، هنا يطرح السؤال لماذا لم تكتشف الأمم المتحدة الى حد الآن حل حقيقي لهذا النزاع؟ و هي تعرف بأن المغرب هو الطرف المعطل، ولكن هذا السؤال المحير جوابه هش و فارغ المضمون " على اساس اتفاق الطرفين" ، على الأمم المتحدة أن تخجل وتخرج من صمتها وتقول بأعلى صوت لها بأن المغرب لا يريد حلا ، وإلا كيف نفهم هذا التراوح الاممي بين صعوبة وعدم واقعية الحل ، ففي كل النزاعات التي تدخلت فيها بالقوة أو الدبلوماسية تم حسمها ،، فهذا مفند واقعيا، وإذا كانت هذه هي رؤية الأمم المتحدة ، لماذا نلوم فالسوم ، فما هو إلا من" غزية " اعتمد على قرارات روتينية الصدور ، وتبنى مقترحات الطرفين ووضعهما على الطاولة للنقاش و ظل يتخبط بين إٍرادتين متناقضتين ، إلى أن استعصى عليه مسك العصا من الوسط ، ليقول في الأخير بأن استقلال الصحراء الغربية غير واقعي. بعد هذا التلاعب الفاضح وأمام مرأى من المجتمع الدولي هل يبقى أمل في مفاوضات نريدها نحن للسلام ، ويريدها المغرب للاستسلام ،برأيي إن هذه الإخفاقات المتكررة سببها الرئيسي هو الضعف الجلي للأمم المتحدة التي أصبحت جهازا للبراغماتيات المتحدة، يدار بإرادة الدول الفاعلة في المجتمع الدولي ، و السبب الثاني هو البحث عن تسويات ليست مبنية على نتائج النزاع.
روس استعادة دبلوماسية خطوة خطوة .... و طريق الالف ميل يقطع بخطوة
روس دبلوماسي ماهر و محنك سياسيا لديه القدرة على التواصل مع الطرفين كونه يجيد التحدث بالفصحى، و لديه خبرة في المنطقة كسفير بالجزائر وسوريا، كلها مزايا و اعتبارات تعطي لروس من الفرص مالم تمنح لغيره ممن سبقوه، فرؤيته للحل تنطلق من المأمورية التي منحت له بناءا على قرارات مجلس الامن الذي يؤكد هو ذاته بأنه هو المقرر الاول، اما هو فقد قال عن نفسه بأنه مجرد مبعوث يساعد على تقريب وجهات النظر بين الطرفين و تشجيعهما على ايجاد صيغة متوافق بشأنها على قاعدة القررات الاممية ذات الصلة.
هل يحقق روس مالم يحققه بيكر؟
اذا ما اخذنا في الاعتبار ان بيكر ايضا دبلوماسيا محنكا ووزيرا سابقا للخارجية الامريكية في اصعب الظروف الدولية، ابان الحرب الباردة و الصراع المحتدم بين المعسكرين الشرقي والغربي، حيث يقاس نجاح كل طرف بناءا على قوته دبلوماسيا، و بالرغم من المساعدات التي قدمها للمغرب بغرض بناء الجدار، حينما كان امينا للخزينة في الثمانينيات، كما اورد في كتابه " العمل الشاق، الدراسة... و الابتعاد عن السياسة".
الا انه حينما اختير كمبعوث اممي للنزاع في الصحراء الغربية، استطاع ان يحرك عملية السلام عبر سلسلة من اللقاءات و المفاوضات حتى تم التوقيع على اتفاقية هيوستن 1997، التي لم تخرج بنودها الى النور بسبب التعنت المغربي، حيث نسف هذا الاخير كل ما احرزه بيكر من تقدم، و لاحظ بيكر بان المغرب تجاوز عمدا و بشكل مقصود خطة الاستفتاء، ولم يمتثل لتطبيق اجراءاته ( تحديد الهوية)، هذا ما قاده الى الاستقالة بسبب العرقلة المغربية، كما جاء في تصريحاته لتلفزيون cbsالامريكية " ما ان نخطو خطوة الى الامام الا و يخطو المغرب خطوتين الى الخلف.."، استقالة بيكر مثلت خسارة كبيرة لجهود التسوية في الصحراء الغربية كما جاء في كتاب "الاستسلام ليس خيارنا" للسفير جون بولتون " انه بغياب شخص بمكانة بيكر فإن الامم المتحدة ليس لديها اي دور سياسي تلعبه..."
خلافا لبيكر فإن كريستوفر روس لم يقدم لحد الان مقترحا جديدا للحل، وتصوره للحل ينطلق من مبدأ أممي افشل عديد المساعي و يشكل عقدة امام المبعوثين، هو ان اي حل يجب ان يكون متوافق بشأنه من الطرفين، و هو ما جعل المغرب متعنا الى يومنا هذا.
ولكن بداياته كانت منهجية و منطقية، حيث بدأ بدلا من عقد مفاوضات مباشرة الى اخرى غير مباشرة، ويرى بأن الدخول في مفاوضات مباشرة على اساس البحث عن الحل النهائي بدون الاتفاق على مقترح أحد الطرفين سيكون مألها الفشل.
هذا ما يفسر تركيز روس على المفاوضات غير المباشرة في الاونة الاخيرة، الجولات المكوكية و توسيع دائرة المشاورات لتشمل فئات اخرى و تكثيف زيارة المنطقة خصوصا المناطق المحتلة و اللقاء بالنشطاء الحقوقيين،
و لكن بإعتقادي ان روس اذا ما راهن على اتفاق الطرفين بدون تدخل حقيقي وحاسم للامم المتحدة و تسمية الطرف المعرقل بناءا على تقرير من المبعوث الشخصي، سيفشل مثلما فشل فالسوم او يستقيل مثل بيكر.

بقلم : خطري الزين

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *