-->

بصيري ومتاعب الدخول إلى الصحراء الغربية



سيارة "باساطا" التي تحملنا من تيندوف إلى ولاية أوسرد ينقصها من يكسر الصمت الأصم الذي يخيم على الركاب. المرأة التي تدخل في عصر الكهولة، والتي تطل من نافذة السيارة تنظر إلى السبخة، وتضع نظارات على عينيها، تحاول أن تسلي نفسها وحدها بكلمات أغنية انتزعتها من ذاكرتها ومن الماضي. نسمع صوتها من خلال الصمت شبه خافت :
" بصيري ذا قوة علمت به الدول... وإلى غيَّب هو خلَّى شعب أيمثل"
الأغنية قديمة قِدم النضال، لم تكسر فقط الصمت في تلك السيارة وتلك اللحظات، لكنها كسرت جدران الذاكرة. بصيري الذي يرتبط أسمه هو والشهيد الولي بشهر جوان- الأول تم تغيبه في شهر جوان، والثاني استشهد في شهر جوان- سيكون من المفروض علينا أن نتذكرهما في هذا الشهر. 
من هو بصيري؟ هو مؤسس الحركة الطليعية لتحرير الصحراء، وهو ملهم الوطنية الصحراوية الحديثة وموقد جذوة النضال، لكن قبل هذا من هو كشخص وكمناضل؟ الكثير من شباب الانترنيت والفيس بوك لا يعرفون عنه الشيء الكثير، ونتمنى في هذا المقال أن نسلط الضوء على شخصية هذا الزعيم التاريخي. اسمه الكامل هو محمد ولد الحاج سيدي براهيم ولد لبصير، أما كنيته بصيري فهي نسبة إلى جده الأكبر لبصير، وإلى اسم أختاره هو – بصير- كان يوقع به بعض مقالاته الأولى في عالم الصحافة. أزداد بنواحي طنطان سنة 1942م، قرأ الحروف الأولى بين الصحراء الغربية وطانطان، عائلته كانت تسكن في لمسيد شرق العيون، وانتقلت إلى طانطان في سنة 1957م، لكن هو في تلك السنة بالضبط كان يدرس في مراكش، لكن كان يتابع الأوضاع في الصحراء الغربية وخاصة عملية اوكوفيون التي شنتها فرنسا وأسبانيا ضد جيش التحرير. تنقَّل بين مراكش، الدار البيضاء والرباط للدراسة، وبسبب نفوره من الوضع في المغرب انتقل إلى القاهرة سنة 1962م، وهناك درس العربية والقانون السياسي والصحافة. في سنة 1966م سافر إلى دمشق لمواصلة التعليم العالي وتعميق التخصص في الصحافة. في القاهرة ودمشق تشبع بالفكر العربي وبالعروبة وبالتحرر، وتحصل على دبلوم في الصحافة، ثم في سنة 1966م، فكر في زيارة الصحراء الغربية، لكن بعض أفراد عائلته أبلغوه أن الوقت غير ملائم، وأن أسبانيا سوف لن تتركه يعود. عاد في نفس السنة إلى المغرب، وسكن في الدار البيضاء، وبسبب ذكائه الخارق ودبلوماسيته والشهادة التي يحمل، أصبح صديقا لعمدة مدينة الدار البيضاء الذي يمتلك في تلك الفترة جريدة أسمها " الأساس". صداقته مع عمدة المدينة ذاك جعلته يحصل على عمل في الجريدة المذكورة. لكن طموح بصيري كان أكبر. في غضون الأشهر الأولى من سنة 1967م، أسس مجلة له شهرية أسمها "الشموع"، يعمل فيها هو وصحفيين إثنين فقط، ويتم سحب منها 600 نسخة، ثم تطورت عملية السحب ووصلت إلى 900 نسخة. ولم تكن مجلة "الشموع" التي أسس بصيري تتحدث عن السياسة مثلما قد يتصور البعض، إنما كانت مخصصة للدعاية والإعلانات وعالم الشباب والموضة والسينما. رأت منها النور فقط ثلاثة أعداد، ثم، بسبب نقص التمويل، توقفت. كانت تُباع بدرهم مغربي واحد للنسخة. بعد توقف مجلة "الشموع"، عاد بصيري يعمل من جديد في مجلة "الأساس"، وأصبح مشتركا فيها برأسمال خاص به، وهو ما مكنه من تمرير مقالاته السياسية فيها. كان يوقع مقالاته تارة باسم" بصير"، وتارة باسم" الصحراوي"، وكان يحاول في كل مرة أن يعيد فتح مجلته " الشموع" من جديد.. حين أحس إن المغرب يريد الالتفاف على الصحراء الغربية، كتب مقالا شهيرا في مجلة " الأساس" عنوانه "الصحراء للصحراويين"، هاجم فيه سياسة المغرب المخادعة التي تروم الالتفاف على الصحراء الغربية. المقال كان قنبلة انفجرت في المملكة في تلك الفترة. تم سحب المجلة وتوقيفها لمدة أربعة أيام، وتم تغريم صاحبها بدفع غرامة مقدارها 7000 درهم. في الليل تم إخباره بما وقع، وقال له صاحب الجريدة وصحفيون آخرون أن عليه أن يختفي في تلك الليلة وإلا سيعدمونه. اختفى لمدة أسبوع في الدار البيضاء ثم خرج مع أخيه مولاي أعلي وعائلته ووصلوا إلى طانطان متخفيين، ثم إلى الحدود الصحراوية المغربية حيث سكن مع أعمامه لوشاعة والحنفي أولاد سيدي ولد محمد لبصير. لكنه، رغم ذلك، كان مصرا على دخول الصحراء والعيش فيها مهما كانت الصعوبات. حاول الدخول، لكن أسبانيا منعته بحجة أنه ليس صحراويا. كرر المحاولة مرات، وفي كل مرة يتم منعه وتقديم حجج واهية له. يوم 20 ديسمبر 1967م، حاول الدخول، لكن اعتقلته دورية أسبانية لتروبا نومادا Agrupación de Tropas Nómadas، في ودي العرَّيض الشرقية، وقادته إلى الحكونية ثم قادته إلى العيون يوم 23 من نفس الشهر( ديسمبر)، ودخل السجن. أثناء الاستجواب قال لهم أن نيته كانت دائما هي العودة للصحراء الغربية والعيش فيها، وأنه متابع من طرف السلطات المغربية. يوم 29 ديسمبر 1967م، أصدرت الشرطة الإقليمية قرارا تتم بموجبه إعادة بصيري إلى المغرب، وتم تنفيذ القرار يوم 31 من نفس الشهر. يوم 23 ابريل 1968م، علمت شرطة السمارة أنه دخل من جديد فأعتقل. حملوه إلى العيون للتحقيق، وهناك ترجى السلطات الأسبانية أن تسمح له بالإقامة في الصحراء وبالحصول على الجنسية لإن حياته معرضة للخطر في المغرب. وافق على الشروط وحصل على رخصة إقامة، وتم تمديدها مع تعهده أن لا يقوم بأية أنشطة سياسية، وفي نفس المدة قدم للسلطات الأسبانية طلب إقامة دائمة في الإقليم( الصحراء الغربية). يوم 3 مارس 1969م، تم إشعاره أن طلبه للإقامة الدائمة تم رفضه. كتب رسالة إلى الحاكم العام للصحراء وإلى الرأي العام الأسباني يطلب الإقامة، ويتعهد أن لا يشارك في أية أنشطة سياسية ولا في الحياة العامة. وفعلا استجاب الحاكم العام لطلبه ومنحه الإقامة، لكن رفض إعطائه الجنسية التي تمنحه بعض الحقوق الأساسية كصحراوي. كانت السلطات الأسبانية ترفض إعطائه الجنسية في الحال حتى تمر فترة زمنية يبرهن فيها على حسن سلوكه وعدم تدخله في السياسة.
أبتداء من شهر اكتوبر 1969م، بدأت الشرطة تشك في نشاطاته لإنه كان يتحرك كثيرا وينتقد الشيوخ ويحرض الناس ضد أسبانيا، وان تلك الأنشطة كانت سياسية وهدفها تأسيس حركة تحرير. أسس هو ومجموعة معه "المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء،" بتاريخ 12 ديسمبر 1969م، بمدينة السمارة، وبعد ستة اشهر، وعلى اثر انتفاضة الزملة التاريخية تم اعتقاله. حسب الوثائق الأسبانية تم إصدار قرار بطرده من الصحراء الغربية وإعادته للمغرب يوم 27 جوان 1970م، وان دورية للشرطة الأسبانية هي التي تكفلت بإعادته للمغرب. في سنة 1971م، تم إشاعة انه شارك في محاولة الانقلاب على الحسن الثاني، وانه أعدم، لكن هذا كله تنقصه الحجة. 
المصادر: http://www.desaparecidos.org/sahara/basiri/basir.html
المراجع: توماس بربولو، التاريخ المحظور للصحراء الاسبانية، برثلونة سنة 2004م
- مجلة الاستفتاء عدد 27يوم 17 جوان 1993م
- موقع اتحاد الكتاب الصحراويين 17 جوان 2010م.
بقلم: السيد حمدي يحظيه

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *