أفيون الوطن….خنوع
الصحراء الغربية (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة)
”الحرية قتلت الملايين من الارواح ربما أكثر مما قتل الحب والديمقراطية”
”الحرية قتلت الملايين من الارواح ربما أكثر مما قتل الحب والديمقراطية”
مترجم من رواية أجنبية
صدح النداء في أرجاء الصحراء وملأ الربوع كما ملأ القلوب التي كانت عطشى فتنادى القوم من دون تفكير ربما ومن كل أنحاء البلد وأجتمعوا ووضعوا اليد في اليد وألتمت القلوب على عهد واحد وسلمت زمام الأمور للرسل الذين جاءت بهم الأقدار ووضعتهم على الرؤوس، والرؤوس لم تمانع لأن القلوب مملوءة بحسن النية بل أُذعنت وخنعت واستسلمت وبدأت المسيرة بإسم الوطن، متماسكة متجانسة متحدة نحو هدف واحد.
بدأ الجسم يتحرك كتلة واحدة، عين الجسم الواحد مصوبة على نقطة واحدة وروح الجسم الواحد ذائبة ومنصهرة لتحقيق حلم واحد، وبدأت ملامح تحقيق الغاية تقترب وشق على العدو تمزيق الصف وتشتيت الإنتباه. لكن القوم ممن تنادى بحسن نية لاحظوا تراجعا في الأداء وبدا أن خطبا ما يتغلغل في دواخل الجسم الواحد والغريب أنه ليس من الخارج بل من ثنايا الجسم الذي لا يُستثنى من قاعدة أنه إذا تألم منه عضو تداعت له باقي الأعضاء بالسهر والحمى. ولكن الرسل مرسلين يعرفون جيدا نفوس الأتباع وكلما تاثر النداء الذي لم يكن خافتا بل صارخا مدويا، وكلما مسه الخفوت يصيح كبير الرسل أن هبوا لنجدة الوطن وعندما يسمع القوم ممن تنادى عن حسن نية كلمة الوطن تملأهم روح جديدة ويقعون تحت طائلة القيم والترفع ويتذكرون السبب وراء التنادي ويلعنون الشيطان الرجيم الذي لا يعلمون أين يختبئ فيعودون مجددا الى الإذعان والإستسلام والخنوع بإسم الوطن.
تطول المسيرة مع الايام واصبحت نقطة الوصول أبعد مما كانت عليه وتزداد الظروف قسوة، وتتعقد وتتداخل العوامل المحيطة بطريق الركب، فالرسل أوكلوا تعميم الرسالة لرسل السلام ويكتشف سكان الصحراء ممن تنادوا لهدف واحد أن غايتهم لم تعد بأيديهم، ويعلو صوت المطالبة بتقصير الطريق ووضع العلامات لمعرفة طول المسيرة والإطلاع على ما يجري والغريب أن العديد منهم صنف في خانة ماكانوا يعتقدون أن الرسل يجرؤون على التفكير فيها، وأزداد الجرح توغلا في الجسم الواحد ولكن بسكين محلية الصنع وبأيدي من يحملون مكبرات الصوت ويصرخون بإسم الشعب والوطن.
يقترب الجمع من التفتت فينتاب القوم الهلع ويصرخون مرة اخرى بالعزف على وتر الخطر المرتقب ويوزعون أفيون الوطن على المدمنين ومرة تلو مرة يتغلب الأفيون على دم من تنادوا عن حسن نية ويتراجع الجسم عن التحرك الى الأمام بسبب تأثير مخدر الوطن، فيبقى يراوح مكانه يتماءل مع نسمات الريح ومع تمايل سرابيل خيم المنفى، الصغار ممن وُلدوا أيام الصيحة الأولى صاروا اباءا، الفتيان ممن عاينها صاروا شيبا، والمسنين ممن جرتهم الأقدار دفنوا تحت تراب الغير وكل هذا بإسم الوطن.
ويستمر تاثير الافيون ويستمر الإذلال والخضوع والخنوع والإستسلام ودائما بإسم الوطن، والان وقد مات الكثيرين في سبيل الوطن فهل أصبح من الضروري البحث عن دواء أو نقع أو إكسير يزيل تأثير المخدر ويضع حدا لمأساة من شربوا السم من كأس الوطن.
بقلم: حمادي البشير.