-->

الصحراء الغربية "آخر مستعمرة في إفريقيا" قد تصبح من جديد "منطقة حرب"

في غرب أفريقيا يمكن أن تبدأ حرب أخرى، وفي هذه الحالة نحن نتحدث عن جولة
جديدة من الصراع الذي طال أمده والذي استمر لعدة عقود - في المنطقة المعروفة باسم الصحراء الغربية.
بعد ضم المغرب في عام 1975 لمنطقة الصحراء الغربية، وترك أكثر من 40 في المئة من السكان الأصليين للمنطقة ديارهم وفقا للخبراء، ومن بين 165 ألف لاجئ يعيشون الآن في الجزائر، حوالي نصف عددهم يعيشون بصورة حصرية على المساعدة الإنسانية من الأمم المتحدة، غير أن أزمات جديدة لا يمكن حلها تتضاعف باستمرار ينضاف إليها واقع تهجير طويلة الأمد، في وقت يشهد التمويل الدولي لمخيمات اللاجئين الانخفاض، لاتكون هناك مصادر بديلة للحصول على وسائل باستثناء النشاط الإجرامي، كتهريب المخدرات أو تهريب المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، فإنه لن يكون من المستغرب إذا عاد الصحراوين الآن إلى المفاوضات مع الحكومة المغربية، حول الأرض التي ينازعونها السيادة عليها، لكن رد الفعل على عدم وجود مصادر تمويل من جانب جبهة البوليساريو (المنظمة الثائرة التي تقاتل من أجل استقلال الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، والمعترف بها جزئيا من قبل المجتمع الدولي) جاء عكس ذلك مباشرة، فجبهة البوليساريو اليوم مع إلغاء وقف إطلاق النار الساري المفعول منذ عام 1991، ومع العودة إلى الكفاح المسلح.
في الفترة 2010-2011، شهدت الصحراء الغربية احتجاجات ضد الحكم المغربي، وهي الاحتجاجات التي يعتقد بعض المحللين السياسيين أنها شكلت نقطة انطلاق "الربيع العربي" الحالي في جميع الدول العربية، والدي أدى أدى إلى انتشار حكم شعوب المنطقة لمصائرها، وبشكل عام، فإن الصراع في الصحراء الغربية يعتبر واحداً من أطول النزاعات وأكثرها تعقيدا في العالم
الحجج التاريخية لصالح موقف الصحراويين في جبهة البوليساريو عديدة جداً وكذلك الحال بالنسبة للمغرب، فمحكمة العدل الدولية أقرا بوجود حجج دامغة لدى كلا الجانبين، على الرغم من أن الرأي الاستشاري وخلاصته أظهرا أن حجج أنصار الاستقلال أقوى.
الحكم القضائي لمجكمة العدل الدولية لم يزحزح مواقف أي من حلفاء كلا المعسكرين المتصارعين في الصحراء الغربية، وهم كثر لدى كلا الجانبين، ومن هنا تنبثق جزئيا تلك الروح القتالية لدى الثوار من جهة ومن جهة أخرى، يصدر اصرار الرباط على التمسك بعدم منح الاستقلال للصحراء الغربية.



قبل ذلك وفي أواخر خمسينيات القرن الماضي قام المقاومون الصحراويون أسلاف جبهة البوليساريو، في وقت متزامن بالقتال ضد القوة الاستعمارية الإسبانية الجاثمة على الصحراء الغربية، وفرنسا المحتلة حينها للجزائر المجاورة، نتيجة لهذه المقاومة المتمثلة في حرب العصابات تشكلت ظاهرة لم يسبق لها مثيل في تاريخ التعاون العسكري الاستعمار الأوروبي بين الإمبراطوريتين، كانت نتيجتها الحاق الهزيمة بصفوف المقاومة، وبعد مرور عشرين عاما على تلك الأحداث، في منتصف سبعينيات القرن العشرين، قامت اسبانيا -التي لاترغب في الانخراط في المواجهة المسلحة المتزايدة بين جبهة البوليساريو وحكومة في الرباط- بالانسحاب المتسرع من الصحراء الغربية، دون أن تتمكن حتى من إخلاء مسؤولياتها القانونية تجاه المنطقة، ولذلك، فإن الصحراء الغربية (من الناحية القانونية - المترجم) لاتزال مستعمرة اسبانية، والحرب من أجل استقلالها لايخوضها الصحراوين رسميا ضد الرباط، بل ضد مدريد، يقول "جاكوب موندي" الاستاذ في جامعة "كولجيت" الأمريكية:

- القضية الماثلة أمامنا هي فريدة من نوعها للغاية، فالمغرب دون أن يعلن الحرب على إسبانيا قام بغزو الصحراء الغربية سنة 1975، عندما كانت لا تزال أراضي اسبانية، في الوقت الذي كانت فيه مدريد تعد لإجراء استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية والتي على الرغم من كل التناقضات بين مختلف القوى السياسية في المنطقة، يبدو أن غالبية السكان كانت ستصوت فيه على خيار الاستقلال، فتدخل الجيش المغربي لمنع إجراء الاستفتاء.

استقل المغرب عام 1956، وأعلن على الفور سياسة إعادة الأراضي، التي يدعي أنتماءها إليه قبل بدء الاستعمار الاروربي للمنطقة سنة 1885، وهكذا حضر المغرب قانونيا وايديولوجيا لغزوه للصحراء الغربية، والمطامع المغربية شملت في بعض الاوقات بالإضافة إلى الصحراء الغربية الجزء الشمالي من مالي والمناطق الغربية من الجزائر وتقريبا موريتانيا كلها، والحكومة المغربية مقتنعة تماما بأنها مادامت قد سمحت لمالي والجزائر وموريتانيا بالاحتفاظ بحدودها، فإن على المجتمع الدولي على الأقل أن يرد على هذا "الكرم" ببساطة بالاعتراف بقانونية حقوقها في الصحراء الغربية.

قبل غزو الصحراء الغربية قامت الرباط بتكوين مجموعات موالية لها – يواصل جاكوب موندي- وفي الوقت المناسب استجابت الرباط إلى نداءات "مواطنيها" الطالبين للمساعدة، وعلى الرغم من كل ذلك، فإن القرب الجغرافي والإيديولوجي من الصحراء الغربية ليس هو أقوى حجج الرباط في مساعيها لضم الإقليم، المنطق نفسه ظل إلى نهاية السبعينيات يغذي المطالب الموريتانيانية بجزء من الصحراء الغربية، ولكن نتيجة لأن الجيش الموريتاني كان أضعف من مواجهة جبهة البوليساريو، أرتأت نواكشوط أنه من الأفضل لها أن تتخلى عن سياسة التوسع.

المكون التاريخي لمفهوم "المغرب الكبير" يتمثل في أن قبائل البربر في غرب الصحراء كانت قد بايعت في وقت مبكر من القرن الثاني عشر سلطان المغرب كزعيم للمسلمين، وعليه فإنه حسب هذا الزعم تكون المنطقة التي يقيم فيها جزء من القبائل التي بايعت السلطان منطقة تابعة لسيادته، على زعم أن الاسلام يساوى بين الولاء الروحي ومفهوم السيادة. جبهة البوليساريو وحليفتها الرئيسية الجزائر ينطلقان من أن الولاء الروحي في الاسلام ليس هو نفسه الولاء السياسي – إذ أن الولاء السياسي ومفهوم السيادة من المفاهيم المعاصرة - المترجم-، وأن ثقافة الصحراويين الرحل مختلفة جذريا عن نمط الحياة المستقرة للمغاربة، يقول جاكوب موندي:

- اندلعت أزمة لسنة 1975 بعد أن صدر حكم محكمة العدل الدولية القاضي بأن مطالب المغرب في الصحراء الغربية لا أساس لها، وعليه فإن الصحراء الغربية، بالمعنى الدقيق للكلمة، تظل مستعمرة اسبانية، ينبغي أن يجرى فيها استفتاء على الاستقلال، وإلى أن يحدث ذلك، ينبغي الاعتراف بأن وجود القوات المغربية في الاقليم يمثل من وجهة نظر القانون الدولي "احتلال أجنبي".

- على الرغم من إقرار المحكمة بوجود علاقات تبعية ( لبعض – المترجم) القبائل الصحراوية في الماضي لسلطان المغرب، فإن المحكمة لم تجعل بحال من الاحوال علاقات البيعة كمفهوم يعود للقرون للوسطى في وضع مساوي للسيادة كمفهوم حديث، يضيف جاكوب موندي.

وعلى الرغم من إقرار محكمة العدل الدولية بعدم شرعية الاحتلال المغربي للصحراء الغربية فإن اسبانيا لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، لا في وقت الغزو ولا حتى يومنا هذا، على الرغم من أن استقلال الصحراء الغربية معترف به اليوم من حوالي ثمانين بلداً.

اسبانيا قررت أن تجعل مصالحها الاقتصادية – الحق في مصائد الأسماك واستغلال مناجم الفوسفات- أكثر اهمية من السيادة الرسمية، والموقع الجغرافي الاستراتيجي للمغرب بالغ الاهمية بالنسبة لمدريد، إذ ان هذه المنطقة من افريقيا تمثل ممراً طبيعياً لعبور المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، وبمقدور الرباط التحكم في حجم كل من الظاهرتين، ومن المعلوم كحقيقة مسلم بها أن المغرب يشكل المورد الرئيسي للحشيش إلى السوق الأوروبية.

كما أن إسبانيا لا تزال تحتفظ في المغرب - كما كانت سابقا- بجيبين ساحليين هما سبتة ومليلية، ولا تريد إثارة الجدل حول وضعهما القانوني بدفاعها عن الصحراء الغربية، أو الاحتجاج على القمع المغربي لللسكان المحليين الصحراويين، ومهام بعثات المراقبة في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في المنطقة صعبة للغاية، كما تظل اسبانيا- نفسها – احد أهم الشركاء التجاريين للمغرب، مثلها في ذلك مثل فرنسا، وباريس تدعم بقوة سيادة الرباط على الصحراء الغربية، وهذا أمر المهم، بالنظر إلى أن فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وأنه بمقدورها -هناك - عرقلة أية أي مبادرة ضد المغرب.
الاتحاد الافريقي اعترف بالصحراء الغربية كدولة مستقلة وبالتالي لم يعد بمقدوره لعب دور وسيط في المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو، كما أن عملية التفاوض لم تشهد دفعا مهما بعودة العلاقات الديبلوماسية سنة 1988 بين والرباط والجزائر التي تدعم الصحراويين بالسلاح وتمنحهم قواعدا على أراضيها، كل هذه العوامل جعلت من النزاع الصحراوي ينحشر بقوة في خانة "النزاعات المجمدة".
يقول جاكوب موندي:
- المجتمع الدولي والأمم المتحدة يجب أن يعملا بجد للتوفيق بين جبهة البوليساريو والحكومة المغربية. وقد ذهب كل سنوات التسعينيات في عملية تحديد من يحق له المشاركة في الاستفتاء، ولكن في سنة 1999 توفي الملك المغربي الحسن الثاني، وتضاءلت رغبة الدول الغربية في اجراء استفتاء بشكل ملحوظ، إذ أنهم يخشون أن التصويت مهما كانت نتيجته يمكن أن يهز استقرار البلاد.

الملك الحالي محمد السادس لا يرغب في إجراء استفتاء وقد ذهبت كل الجهود الدبلوماسية التي بذلت في العقد السابق هباء، وعادت الأطراف إلى نقطة الصفر، والآن بعد مضي حوالي عشرة – اثنتي عشرة سنة لا يمكن لها أن تتحرك منها......وبالحديث عن مجلس الأمن الدولي فبجانب فرنسا ظهر للمغرب حليف آخر- وإن لم يكن ذلك جلياً – هو الولايات المتحدة الأمريكية، فواشنطن قلقة للغاية من تعاظم أنشطة الأصوليين الإسلاميين جنوب الصحراء، من قبيل "بوكو حرام" و"القاعدة" والاهتمام بحق الصحراوييين تراجع الى المرتبة الثانية أمام الأهيمة القصوى التي بات يحتلها الحفاظ على المغرب كحليف في المواجهة الشاملة مع خطر الإرهاب العالمي، ومن المفارقات أن الصحراء الغربية، على الرغم من الصراع المجمد، تبقى هي الجزء الأكثر استقرارا في منطقة الساحل، فالمغرب يحتفظ هناك بعشرات الآلاف من الجنود.
والولايات المتحدة الأمريكية لاتعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وبحكم اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين الولايات المتحدة والمغرب عام 2004، يتم بصورة مقصودة استثناء كل البضائع المنتجة في الصحراء الغربية، ولكن لا الولايات المتحدة الامريكية، ولا أية دولة من الدول العظمى لم تذهب في اتجاه عقوبات اقتصادية ضد الرباط، وثمن الحفاظ على الواقع الحالي أقل من التكلفة المتوقعة لاية محاولة لتغييره، يلخص الأستاذ في جامعة كولجيت يعقوب موندي.
رابط المقال الأصلي: http://www.svoboda.mobi/a/26838403.html
بقلم: يفغيني أرونوف
ترجمه إلى اللغة العربية بتصرف: غالي الزبير

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *